شبكة قدس الإخبارية

من يحقق العدالة لـ"مادلين جرابعة"؟

97
هدى عامر

قطاع غزّة- خاص قُدس الإخبارية: أثارت قضية مقتل الفتاة مادلين نظمي الجرابعة في منطقة الزوايدة بالمنطقة الوسطى لقطاع غزة، غضبًا وتساؤلات واسعين، وسط إنكارٍ عائلي وصمتٍ رسمي.

ووصلت "مادلين" بعد ظهر الخميس في 28 أيار/ مايو، حوالي الساعة الثالثة، إلى مستشفى شهداء الأقصى بالمحافظة الوسطى، وعليها آثار ضرب وتعذيب كانت واضحة على جسدها، وصفت حالتها الطبية حينها بالخطيرة. وفق بيان للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان نقلًا عن مصادر طبية.

وفي حوالي الساعة 1:00 فجر يوم الجمعة 29 أيار/ مايو 2020 أعلنت المصادر الطبية عن وفاتها، وحولت جثة الفتاة بالساعة التاسعة صباحًا، لقسم الطب الشرعي في مستشفى الشفاء في مدينة غزة لمعرفة أسباب الوفاة الحقيقية.

مصدر في الطب الشرعي قال إن سبب الوفاة هو نتيجة للتعذيب والضرب، الذي أدى إلى إصابتها بكدمات على كافة أنحاء الجسم، ومحاولات الخنق حول العنق. ونقل بيان المركز عن مصادر شرطية، أن الفتاة تعرضت للضرب من قبل والدها على إثر "خلاف عائلي"، وأن الشرطة فتحت تحقيقًا جاريًا في القضية.

بعد ساعات على الحدث، هزّت الجريمة قطاع غزة، وانطلقت منصات التواصل الاجتماعي للإفصاح عن السبب وتفاصيل من الجريمة، حين كانت ابنة العشرين ربيعًا تحاول الحديث مع والدتها "المطلقة" للمعايدة عليها بعيد الفطر، لكن قوبلت بضربٍ من والدها بسبب ذلك.

في التفاصيل المتداولة حول القصة، فإن "مادلين" كانت محرومة من رؤية والدتها منذ سنوات، ووالدها متزوج بأخرى ولديه أبناء آخرين، وقد كان يفرض قيودًا مشددة على حركتها وتواصلها ويمنعها من امتلاك هاتف محمول أو امتلاك حساب عبر منصات التواصل، منعًا لتواصلها مع والدتها.

ووفقًا لمصادر محلية بالقرب من العائلة، فإن والدها أقدم على مراقبتها تلك الليلة حين استعارت هاتفًا للحديث مع والدتها، وحين فعلت ذلك أقدم على ضربها بعنف، وحاولت بقية الأسرة منعه لكنهم لم يفلحوا، حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.

آخرون قالوا إنه "لم يقصد قتلها، إنما -تأديبها- لمخالفتها تعليماته وأوامره، وإقدامها على تنفيذ ما منعها عنه سرًا، وأن والدها يحبها ولم يكن يقصد قتلها، لكنها ماتت على وقع عدم تحملها للضرب". وفق تبريرات تدوالت عبر المنصات أيضًا.

العائلة تُواصل الإنكار

من جهتها، تواصل عائلة الضحية والجاني، إنكار الجريمة ككل، حيث أصدرت العائلة بيانًا نشره أبناؤها عبر حساباتهم، جاء فيه: "نحن أبناء نظمي جمعة الجرابعة" نشجب ونستنكر جميع ما ذكر من تهم بحقه وحق مادلين، ونعلن للجميع بأنّه بريئ كبراءة الذئب من دم يوسف".

وتابعت إحدى بناته من زوجة أخرى، التي نشرت عبر حسابها بفيسبوك صورة لوالدها "نظمي" وكتبت عليها: "نحن جميعًا فداءً لأبي روحًا وجسدًا، وكل من تجرأ وتطاول على أبي وشهّر وشوّه بسمعة العائلة سوف يحاسب قانونيًا قبل عشائريًا"، مضيفة: "من يعرفنا جيدًا، يعرف من هو نظمي الجرابعة، وكفى للأقزام تعاليًا على عمالقة الجبال، وألف رحمه ونور عليها وكان الله بعون العائلة".

القتل قتل.. حتى لو كان أبًا

من جهته، قال الكاتب الحقوقي والمحامي صلاح عبد العاطي، إن جريمة القتل، تنتهك الحق الأول الذي كفلته القوانين الدولية المصادق عليها، وهو الحق في الحياة، الذي كفلته كل الشرائع والأديان السماوية، وكل اتفاقيات حقوق الإنسان، والقوانين الفلسطينية بقانون العقوبات أو القانون الأساسي، ويقف هذا الحق في مقدمتها.

وأوضح في حديثه لـ"قدس الإخبارية"، أن "القتل قتل، حتى لو كان الجاني أبًا أو أخًا أو ذوي ضحية بأي شكل، والقانون بالأصل لا يفرّق في ذلك، إذا وقعت الجريمة من الأقارب أو خارج القتل، وهذا بقانون ساري المفعول بقطاع غزة، لا يفرق بين القاتل ودرجة قرابته من الضحيّة".

وأوضح أن القتل يصنف "بالقتل العمد والخطأ والاشتراك، لكنه في حالة الضرب المفضي إلى القتل قد يصنف بالقتل شبه العمد، وهناك حالات مستثناة تشهد تخفيفًا في عقوبة القتل، إذا ثبت أنها كانت دفاعًا مشروعًا عن النفس والحياة فقط".

وتابع بقوله: " في هذه الحالة، يأخذ عقوبة القتل شبه العمد، باعتبار أنه إذا كانت لديه نية للتأديب، لكن التأديب ليس كذلك، ولديه شروط لعملية التأديب ألا تكون مؤذية ولا يجوز التعامل مع الأبناء بهذه الطريقة، لأن العنف يقع على الأطفال والنساء من الجهة المناط بها حمايتها".

وأضاف عبد العاطي، أنه بدون إجراءات رادعة من الجهات الرسمية والقضائية بما فيها النيابة العامة سيبقى هناك أعذار تخفيفية، لاستمرار ارتكاب هذه الجرائم، إضافة إلى الجانب الوقائي والتوعوي للمجتمع الذي يتوجب عليه رفض واستنكار هذه الجرائم بكل وضوح".

ووفقًا لقوله، فإن هناك ثقافة مجتمعية تعلي من قيمة الرجال على النساء، وهذا مؤسف في الواقع، ويفتح الباب لمزيد من العنف والتسلط والجرائم، ومطلوب إدانة هذه الجريمة، ورفع وعي الناس بضرورة استنكارها وتوفير عوامل الحماية المجتمعية.

وقال: "المطلوب هو أخذ شكاوى النساء على محمل الجد في المراكز الشرطية والمحاكم، وتدقيق قضاياهن لا أن يتم حلها على حساب المصالحات الاجتماعية والطبطبة، والأمن لديه دورين الأول وقائي باستقبال الشكاوى ومتابعتها، والتوعية بإنصاف الضحايا، وعندما يتم الإمساك بمقترفي الجرائم، تقديمهم إلى محاكمات، وهناك دور للشرطة النسائية بمتابعة قضايا النساء وتوعيتهن".

15 ضحيّة.. ومطالبات بتحمل المسؤولية

خبر مقتل مادلين، أثار حملة استنكارات حقوقية شخصية ورسمية، من بينها بيان منتدى مناهضة العنف ضد المرأة، و"تحالف أمل" لمناهضة العنف، الذي استنكر جرائم قتل النساء، بعد وقوع جريمتي قتل الأولى بحق سيدة عن عمر يناهز 37 عاماً في قرية سيلة الحارثية جنين، وجريمة أخرى ضد الفتاة مادلين الجرابعة 20 عامًا من منطقة الزوايدة /قطاع غزة على يد والدها بسبب تواصلها مع أمها المطلقة.

وبحسب البيان، فإن الجريمة ليست الوحيدة، التي ارتكبت ضد النساء هذا العام، فقد شهد منذ بدايته وحتى الآن 8 جرائم قتل ضد النساء ووفاة في ظروف غامضة في قطاع غزة، و7 حالات وفاة في ظروف غامضة وجرائم قتل في الضفة، مما يثير القلق إزاء تزايد وتيرة العنف وارتفاع جرائم القتل والانتحار.

وطالب البيان، الجهات القانونية بتحمل مسئولياتها تجاه فرض عقوبات ضد مرتكبي جرائم قتل النساء، باعتبارها جرائم قتل عمد، وعدم قبول أي أعذار مخففة للأحكام تتيح للمجرمين الإفلات من العقاب. داعية السلطة النافذة في كل من غزة والضفة، للإسراع في معاقبة الجناة المرتكبين لجرائم قتل النساء، واتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة من أجل وقف جرائم العنف.

ودعت إلى تأدية دور المحاسبة والمساءلة على الهيئات الشرطية والقضائية بكل درجاتها المتعلق بقضايا قتل النساء، والعمل على نشر المعلومات التي تتعلق بهذه الجرائم للعامة.

وأثارت القضية، مطالبات واسعة بتحقيق العدالة، والمحاسبة على الجريمة وإعلانها للرأي العام، في حين أعلن نشطاء البدء في حملة لتحقيق العدالة لقضية مادلين.

 

#غزة ##مادلين_جرابعة #مادلين #قتلت #والدها