شبكة قدس الإخبارية

تزايد جرائم القتل في المجتمع الفلسطيني.. ما الأسباب؟

صورة تعبيرية
أحمد العاروري

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: شهدت الفترة الأخيرة تزايداً في جرائم القتل بالمجتمع الفلسطيني، مما دفع لطرح تساؤلات عن أسباب هذا المنحى الخطير في العلاقات الاجتماعية في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها القضية الفلسطينية.

"قُدس الإخبارية" حاورت الباحث في العلوم الاجتماعية، عبد العزيز الصالحي لبحث جزء من الأسباب التي تقف خلف تزايد الجرائم:

بداية ما هي أسباب جرائم القتل وتزايدها في الفترة الأخيرة؟
في الحقيقة تعود أسباب جرائم القتل في الفترة الأخيرة لغياب لعدة عوامل، منها العوامل الاقتصادية والنفسية والاجتماعية أيضاً، ولا يمكن من تقليل حجم وقع تردي الحالة الاقتصادية والنفسية على ما هو حاصل.
 لكن إذا ما أردنا الحديث عن ذلك "سيسيولوجياً"، فغياب العوامل هذه جميعها ينجم عنه ما اتخذه الوظيفيون البنيويون من مفهوم وهو اللامعيارية لدى "دوركهايم" كمفتاح لفهم بعض المشاكل الرئيسية للشكل الحديث للمجتمع (أو للحداثة).
 وفي الحقيقة ما هو حاصل هو مؤشر على اختلال لامعياري، ينجم عن حالة من البنيوية التي أدت إلى اللانظام أو اللا قانون، وافتقار لمفهوم السلوك إلى قواعد ما، هذا كله ينجم لتبعات انهيار التنظيم الثقافي والبنية المؤسسية.
هل هناك أسباب خاصة بالمجتمع الفلسطيني يمكن تفسير ازدياد العنف من خلالها؟
بكل تأكيد للاستعمار الصهيوني أثر كبير على كل ما يحدث للفلسطينيين، فأساس مشاكلنا الاجتماعية هو الاستعمار، بنيوياً هو الاستعمار.
 لكن في الوقت ذاته، غابت المؤسسات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية عن بناء النسيج والوعي الفلسطيني، والتي من دورها في ظل مسيرة تحرر أن تعمل على إبقاء الضمير الجمعي حياً.
فالأحزاب والمدارس والمعابد والأندية... إلخ،إما غائبة عن خطاب بناء الوعي قسراً ولربما قصداً في السنوات الأخيرة (غيبت نفسها)، والمؤسسة الرسمية لا تنتج خطاباً توعوياً يعمل على خلق نسيج اجتماعي متين، لأن المؤسسة الرسمية تبنت خطابات مختلفة لا تصلح للفلسطينيين لربما، لا تحت احتلال ولا في مرحلة تحرر.
ما هو دور الاحتلال في مضاعفة الجرائم التي يشهدها المجتمع الفلسطيني؟
الاستعمار الصهيوني تاريخياً يعمل على تفرقة صفوف الفلسطينيين، بالأساس الاستعمار الصهيوني قام على فكرة تحويلنا لهويات مختلفة، وما أن يبدأ يلمس حالة من البناء الثوري والوطني يسارع لخلق حالة من الفتنة ليلتهي بها المجتمع.
 لكن هذا لا يفسر ظاهرة الانتحار لدى الفلسطينيين في الآونة الأخيرة مثلاً، لربما الضغوط الاقتصادية والنفسية تفسر ذلك، لكن الانتحار لا يفسر من خلال وطأة الاستعمار الصهيوني بشكل مباشر، ولا ظاهرة السرقات مثلاً، لذا الاحتلال يشجع على عمليات القتل وغياب الوعي والقيم بشكل عام.
 إلا أن للفلسطينيين تاريخاً طويلاً في النضال والكفاح وعمليات بناء الوعي بعد كيه، لذا يجب علينا أن نركز في هذه المرحلة وهي أحد أخطر المراحل على إعادة ترميم كل ذلك.
هل كان لتحطيم وتغييب الفصائل والمؤسسات الاجتماعية التقليدية دور في زيادة الجرائم؟
بكل تأكيد، تحطيم وتغييب الفصائل والمؤسسات الاجتماعية أفقدتنا الكثير من القيم التي تردع، وقع الفلسطينيون في الفخ حينما غيبوا تجربة عشرات السنين من العمل الاجتماعي والتنظيمي بقواعدهما الضابطة، في مقابل استبدالهما بقواعد وضعية مؤسساتية، في مرحلة نواة "الدولة"، في الوقت الذي لم نحصل على استقلالنا به بعد، بالتالي غابت الفصائل والمؤسسات الاجتماعية وقواعدها الضابطة ولم نحصل على قواعد وقوانين لدولة إذا ما صح التعبير.
هناك من يقول أن لوقف التنسيق الأمني وانسحاب الأجهزة الأمنية الفلسطينية من المناطق المصنفة c دور في ازدياد الجرائم خلال الأيام الماضية، ما رأيك؟
لا أعتقد ذلك، بكل الأحوال المناطق المصنفة C هي مناطق لا تتواجد فيها الأجهزة الأمنية بفعلها إلا بتنسيق مسبق، فإذا كان هنالك غياب لتشكيل حالة من الردع فهو غائب منذ سنين إذن، بمعنى أن تواجد الأجهزة الأمنية في هذه المناطق من الأساس كان هشاً ولم يخلق حالة من تراكم الوعي ليصبح هنالك رادع اجتماعي للجريمة يصاحب فكرة القانون الوضعي. 
باعتقادي المسألة هي أن الجريمة في ازدياد منذ فترة طويلة، لكن في ظل وجود مرونة لدى الأجهزة الأمنية، لم تكن الجريمة تأخذ حيزاً وصدىً في الإعلام الرسمي وغير الرسمي، ففي النهاية الأجهزة الأمنية ملتزمة برواية مؤسساتية، لكن عند غياب هذه الرواية تصبح الروايات كلها مكشوفة بتفاصيلها، وكل ما صاحبها من صور وفيديوهات يصبح قابل للنشر بشكل أسهل.
كيف يمكن الحد من هذه الجرائم وزيادة الوعي بمخاطرها؟
الحد من الجرائم يكون من خلال تفعيل لجان شعبية من مختلف العائلات ممن لديهم تاريخ نضالي واجتماعي جيد، ويتم الاتفاق عليهم في كل منطقة بالإجماع، وفي الحقيقة لا يوجد ما يتعارض في ذلك مع وجود الأجهزة الأمنية أو غيابها، على العكس، هذه ستكون بمثابة رأسمال اجتماعي ورمزي لأهالي المنطقة، ولن تحل محل أي من الأجساد السياسية الموجودة على الساحة الفلسطينية، فهي امتداد للفصائل الفلسطينية بالأساس (الأفراد والعائلات)، هذه اللجان ستكون بمثابة صمام الأمان في أوقات الأزمات إذا ما أجمع عليها جميع الأفراد.