شبكة قدس الإخبارية

من النكبة إلى الانبعاث

98360212_244304730172414_8434291243550244864_n
مصطفى البرغوثي

لم تتخيل الحركة الصهيونية أن النكبة الكبرى التي سببتها للشعب الفلسطيني ستقود إلى انبعاث هذا الشعب في ثورات وانتفاضات متتالية، لم تتوقف، ولن تتوقف، قبل أن ينال الفلسطينيون حريتهم.

وخابت أحلام الحركة الصهيونية مرتين، مرة لأنها اعتنقت وروجت لمقولة " أن كبار اللاجئين الفلسطينيين سيموتون، وصغارهم سينسون"، وإذا بها تفاجئ بأن صغار الفلسطينيين أكثر تمسكا بفلسطين وبحقهم في العودة إليها.

أما خيبتها الثانية فتمثلت في فشلها في طرد من صمد من الفلسطينيين من أرض وطنهم.

ورغم موجات الهجرة اليهودية المتتالية، ورغم تهجير أكثر من 70% من الشعب الفلسطيني عام ،1948 ومئات آلاف آخرين أثناء عدوان 1967، ورغم استحضار ما لا يقل عن ثلاثة أرباع مليون مهاجر غير يهودي من روسيا، تكون على أرض فلسطين كابوس الصهيونية الأكبر، وهو أن عدد الفلسطينيين في أرض فلسطين التاريخية يساوي إن لم يفوق قليلا عدد اليهود الإسرائيليين.

اليوم تحاول إسرائيل تنفيذ جريمة نكبة جديدة ضد الشعب الفلسطيني من خلال صفقة القرن، وقرارات الضم والتهويد لمعظم أراضي الضفة الغربية.

ولا تجد الحركة الصهيونية وسيلة لمواجهة الوجود البشري الفلسطيني المقاوم، إلا تكريس نظام أبرتهايد وتمييز عنصري أسوأ مما كان في جنوب إفريقيا.

وهي حائرة بين رغبتها في طرد الفلسطينيين وممارسة التطهير العرقي مرة أخرى ضدهم، وبين طمعها في مواصلة استغلال قوتهم العاملة التي كانت المصدر الرئيس للتراكم الرأسمالي في إسرائيل منذ عام 1967 واحتلال الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة.

بعد كل نكبة، وكل عدوان، وكل إجتياح، كان الفلسطينيون يجترحون المعجزات وينهضون كطائر العنقاء من رماد الدمار الذي تصنعه عصابات الحركة الصهيونية، وجيش إسرائيل، في الأردن، وفي لبنان، وفي أراضي 1948، وفي القدس وقطاع غزة، وباقي مدن وقرى فلسطين.

أما الفلسطينيون في الداخل فقد اخترقوا جدار القمع الذي عاشوه تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، وتجاوزوا الاستغلال الذي عاشوه بعد مصادرة معظم أراضيهم، واستعبادهم كقوة عاملة رخيصة، علموا أولادهم وقاوموا الاضطهاد العنصري، وصنعوا يوم الأرض وتوحدوا فأصبحوا قوة يحسب لها ألف حساب.

الحركة الصهيونية لم تقبل حتى ذلك الحل الوسط الظالم الذي سماه العالم " حل الدولتين" حتى عندما قبلت منظمة التحرير الفلسطينية بدولة على 22% فقط من فلسطين التاريخية، واليوم تمزق الحركة الصهيونية ذلك الحل، كما تدمر الوهم الذي خدع بعض الفلسطينيين بأن هناك فرصة لحل وسط معها.

ما لا تفهمه، ولن تفهمه، الحركة الصهيونية، ما دامت تتعامل مع الشعب الفلسطيني بقومية عنصرية بغيضة، أن جيشها المدجج بالسلاح، وضباط مخابراتها الأسطورية، وضباطها المستشرقين لن يستطيعوا أبدا تفكيك لغز صلابة وقوة الشعب الفلسطيني وقدرته على الصمود والانبعاث بعد كل ضربة يتلقاها.

وما لا يفهموه اليوم أن قضاءهم على حل "الدولة الفلسطينية المستقلة" يُعيد الشعب الفلسطيني إلى مشروعه الأول، دولة ديمقراطية يتساوى فيها الجميع على كامل أرض فلسطين التاريخية، دون تمييز عنصري، ودون قانون قومية جائر، ودون هيمنة أو تسلط أو استعباد من أحد لآخر.

والأيام بيننا.