شبكة قدس الإخبارية

عامان على نقل السفارة الأمريكية للقدس: واشنطن ماضية "بخطة السلام"!

522
براءة درزي

في 14/5/2018، وتزامنًا مع الذكرى السبعين لاحتفال دولة الاحتلال بتأسيسها، أقيم احتفال في القدس لنقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى المدينة المحتلة وذلك استكمالًا لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 6/12/2017، اعتراف إدارته بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال. وقد وجه ترامب كلمة مسجلة عبر الفيديو في حفل الاحتفال قال فيها إنّ "إسرائيل على أثر إعلان قيامها كدولة عام 1948، أعلنت القدس عاصمة لها، وهي العاصمة التي أسسها الشعب اليهودي في الأزمنة القديمة". أتت خطوة ترامب بعدما استعمل ثلاثة من رؤساء الولايات المتحدة صلاحيتهم في تأجيل نقل السفارة، وذلك منذ عام 1995 عندما أصدر فيه الكونغرس الأمريكي "تشريع نقل السفارة" القاضي بأن تنقل واشنطن سفارتها إلى القدس المحتلة.

لم يكن إعلان ترامب القدس عاصمة لدولة الاحتلال ومن بعده نقل السفارة إلى القدس المحتلة بالأمر المرحّب به لدى الاتحاد الأوروبي. فقد قال بيان صادر عن الاتحاد في 8/12/2017 إنّ الدول الأعضاء موحّدة حول الموقف من القدس، وقد أكّدوا التزامهم بقيام دولة فلسطينيّة عاصمتها "القدس الشّرقية"، وإنّ أيّ بعثات دبلوماسيّة ينبغي ألّا تنقل إلى القدس في وقت لا يزال الوضع النّهائي للمدينة محلّ نزاع.

وأشارت إلى أنّ احتلال "إسرائيل" شرقي القدس عام 1967 يخالف القانون الدّولي استنادًا إلى قرار مجلس الأمن 478 الصادر عام 1980. وفي 11/12/2017، قالت فيديركا موغريني، مسؤولة السّياسة الخارجية في الاتحاد، إنّ الدول الأوروبية لن تنقل سفاراتها إلى القدس. وفي يوم نقل السفارة في 14/5/2018، صدر بيان أعاد تأكيد موقف الاتحاد الأوروبي من القدس والتمسك باحترام الإجماع الدولي حول المدينة كما هو معبر عنه في مجموعة من القرارات من بينها قرار مجلس الأمن 478 بما في ذلك عدم إنشاء بعثات دبلوماسية فيها إلى حين البت في الوضع النهائي للمدينة.

لكن عددًا من دول الاتحاد حاول الالتفاف على هذا الموقف، ففي تشرين ثان/نوفمبر 2018 افتتحت التشيك مركزًا ثقافيًا في الشطر الغربي من القدس المحتلة بمحاذاة أسوار القدس القديمة، كخطوة أولى باتجاه نقل السفارة. وفي شباط/فبراير 2018، أعلن رئيس سلوفاكيا أنّ بلاده ستفتتح مركزًا إبداعيًا وثقافيًا في القدس، مثلما فعلت التشيك، لكن لم يصر إلى افتتاح هذا المكتب بعد.

وفي آذار/مارس 2019، افتتحت هنغاريا مكتبًا تجاريًا ذا مكانة دبلوماسية في الشطر الغربي من القدس المحتلّة، لتكون بذلك أول دولة في الاتحاد الأوروبي لها بعثة دبلوماسية في القدس المحتلّة، لكن من دون الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال. وقد علق الاتحاد الأوروبي على هذه الخطوة في 20/3/2019 بتأكيد رفض الدول الأعضاء وجود بعثات دبلوماسية لها في القدس المحتلّة.

على مستوى دول أمريكا اللاتينية، كانت غواتيمالا أول دولة تسير على خطى ترامب، وأعلنت افتتاح سفارتها في القدس بعد يومين من الخطوة الأمريكية، فيما كانت بدأت بنقل المفروشات والتّجهيزات في 2/5/2018. وفي 21/5/2018، افتتحت الباراغواي سفارتها في القدس المحتلة وشارك رئيسها هوراسيو كارتيس، صديق نتنياهو، في حفل الافتتاح. إلا أنّ ماريو عبدو بينيتز، رئيس البلاد المنتخب في آب/أغسطس 2018، أعلن أنّه سيعيد السفارة إلى "تل أبيب" قائلًا إنّ بلاده ملتزمة بالقانون الدولي. وعقب قرار بينيتز، أصدر نتنياهو توجيهاته إلى وزارة الخارجيّة لإغلاق السفارة الإسرائيلية في الباراغواي، مشيرًا إلى أنّ هذا من شأنه أن يسيء إلى العلاقة بين البلدين.

وفي أيلول/سبتمبر 2019، افتتحت هندوراس مكتبًا تجاريًا له مكانة دبلوماسية في القدس المحتلة، وقال رئيس البلاد خوان أورلاندو هيرنانديز في حفل الافتتاح، إنّ الخطوة هي الأولى على طريق نقل سفارة هندوراس إلى المدينة. وفي كانون أول/ديسمبر 2019، افتتحت البرازيل مكتبًا تجاريًا في القدس المحتلة، وشارك في مراسم الافتتاح إدواردو بولسونارو، وهو نائب بارز في البرلمان البرازيلي ونجل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، الذي أعاد تأكيد تعهّد بلاده بنقل سفارتها إلى القدس قريبًا مشيرًأ إلى أن البرازيل لا تزال تدرس تداعيات نقل سفارتها.

إذًا، بعد عامين على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لم يمكن الحشد لهذه الخطوة والبناء عليها، فدولة واحدة نقلت سفارتها هي غواتيمالا، وأخرى نقلت سفارتها لكن لم تلبث أن أعادتها إلى "تل أبيب" وهي الباراغواي. أما باقي الدول التي تتطلع إلى نقل سفارتها وتطلق وعودًا بذلك فلا تزال مترددة في مخالفة القانون الدولي لا سيما الدول الأوروبية، أو في القيام بخطوة تؤثر في مصالحها التجارية مثل البرازيل، وهي تعمل على التخفيف من وطأة عدم إمكانية نقل السفارة عبر افتتاح مكاتب تمثيلية في القدس مع تعهّدات لدولة الاحتلال بأنّ هذه الخطوة هي الأولى على طريق نقل السفارة.

إلا أنّ عزلة الخطوة الأمريكية لم تدفع إدارة ترامب إلى إعادة النظر فيها، بل هي لا تزال تتصرف على أنّها الجهة التي تحدد اتجاهات الأمور في المنطقة والعالم، وترسم المسارات والمصائر؛ ففي كانون ثان/يناير 2020 كشف ترامب عن خطته للسلام المسمّاة بصفقة القرن، وقد تضمّنت السماح لدولة الاحتلال بضمّ حوالي ثلث الضفة المحتلّة.

ويوم الثلاثاء 13/5/2020 اختتم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو زيارة إلى دولة الاحتلال، صرّح في أثنائها قائلاً إنّ عامين مرّا على نقل السفارة إلى القدس والآن لا بد من المضي في خطة ترامب للسلام. أمّا سفير واشنطن لدى دولة الاحتلال ديفيد فريدمان فصرّح لصحيفة "إسرائيل اليوم" في مقابلة خاصة لمناسبة مرور عامين على نقل السفارة قائلًا إنّ بلاده تستعدّ للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على غور الأردن والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية في الأسابيع القادمة.

هكذا، وبعد عامين على افتتاح "مسار السلام" على طريقة إدارة ترامب عبر نقل السفارة، تمضي واشنطن في الاتجاه ذاته وعينها على الاعتراف بضمّ المستوطنات إلى دولة الاحتلال ضمن تبنّيها الرواية الإسرائيلية واعترافها بالحقائق التي أقامتها "إسرائيل" على الأرض على مدى عقود لتقرّ بها أمرًا واقعًا لا يقيم أيّ وزن للحقّ الفلسطيني. ومن الممكن القول إنّ الأشهر القليلة المقبلة، ستكون ذات وطأة أمريكيّة ثقيلة على القضيّة الفلسطينية، وتبقى العبرة في المسار الذي سيُسلك للمواجهة.