شبكة قدس الإخبارية

"كأنّها أيام الاجتياح".. قصة صاحب مقهى

WhatsApp-Image-2020-04-06-at-20.35.32
باسل رزق الله

التقيتُ به على باب المقهى الذي يملكه. دخلنا، ثمّ أَغلَقَ البابَ خلفنا، كي لا يفاجئه أيّ زبون. كانت لدينا رفاهيّة اختيار أيّ طاولة لنجلس عليها، فالمقهى فارغٌ من الناس، ويعمّه الصمت على غير العادة. "إحنا المقاهي أوّل من تلقّى ضربة هذا الإغلاق"، قال صالح (40 عاماً)، صاحب مقهى وصالة بلياردو وسط رام الله. ثمّ تابع كلامه المجبول بشيءٍ من اليأس: "إلنا [فترة] مسكّرين، وهي جاي كمان [فترة] تسكير، وإن شاء الله ما بتصير أطول".

كأنّه اجتياح مخيّم جنين

هذا ما اختار صالح أن يبدأ به حديثه، فمحلّه الموجود في أكثر بقعة حيويّة في مدينة رام الله؛ في محيط شارع ركب، بدا غريباً وهادئاً أكثر ممّا يحتمله مقهى. إذ لا دُخان يُزاحم النَفَس، ولا أصوات صراخ على لُعبة "ورق"، ولا احتفالٌ بالفوز في لعبة بلياردو، وكذلك لا شتائم عفويّة تُطلق في الجو.

يلتزم صالح بقرار إغلاق أماكن التجمّعات، من ضمنها المقاهي، بعد إعلان السّلطة حالة الطوارئ لمنع انتشار فيروس كورونا في 5 مارس/ آذار من هذا العام. "أنا من أوّل يوم التزمت في التسكير، وما بفتح لأي بني آدم مع إنَّه الناس بترن عليّ عشان افتح في الليل، بس أهم شي صحة البني آدم".

"احنا الحكومة قالت سكّروا بنسكّر، بس احنا ضررنا كثير كثير، مش شوي"، يقول صالح، الذي افتتح مقهاه في عام 2009، بعد أن قَدم من مدينة جنين. تلك البلد التي يُشبّه صالح ما جرى فيها مرّة بما يجري الآن: "أنا من 1995 مستلم مقاهي وما مر عليّ زي هاي الأيام، إلاّ اجتياح مخيم جنين، وانحلت، بس هون شكلها طويلة القصة".

ترافق إغلاقُ المدن مع بداية موسم المقاهي، وهو الموسم الذي يترافق مع تحسّن الطقس، وبالتالي ازدياد خروج النّاس من بيوتها. وفي هذه الحالة، تكون المقاهي مساحة يلجأ لها الكثيرون، تجمع مختلف الناس على اختلاف أهدافهم. هناك من يرتاد المقهى للدراسة أو العمل، وهناك من يرتاده مع الأصدقاء للعب أو الدردشة أو لحضور المُباريات. لكن الموسم الذي عادة ما يدر الأرباح تحول فجأة إلى خسارةٍ مُضاعفة.

"العمّال ما بفرط فيهم، بس ما إنتَ شايف الوضع"

لدى صالح أُسرة من زوجة وثلاثة أبناء. غير أنّ التزامه لا يقتصر عليهم فقط، بل يطال العمّال الستة الذين يعملون لديه؛ "أنا العمّال كل ما يحكوا معي قلبي بعيط على وضعهم، بيجوا علي كل يوم الصبح، بس شو بدي أعمل؟ ما أنا مسكّر كمان".

تدفع المقاهي لعُمّالها كلّ يومٍ بيومه، أو ما يُسمّى نظام المياومة، وذلك بأجورٍ تتراوح من 70-100 شيكل في اليوم. ما يعني أنّ العمّال لا يقبضون على أيّام العطل، أو في هذه الحالة- الإغلاق. يُعلّق صالح مُشيراً إلى عدم تمكّنه إعطاء عمّاله أجورهم والمقهى مُعطّل: "أنا العمّال ما بفرط فيهم، بس ما إنتَ شايف الوضع".

لم يُعفِ إغلاق المقهى صالح من الالتزامات الماديّة والمصروفات التشغيليّة. فهو حتّى الآن ملتزمٌ بدفع إيجار المحلّ، وما يتبقى عليه من فواتير سابقة للكهرباء والماء. بدا على وجهه الاستغراب حين سألناه عن تقديره للخسائر الواقعة، إذ أجاب: "شو خسائر؟! الله بعلم بس. أنا يومياً مطلوب مني 2500 شيكل قبل ما افتح، هاد غير الّي تلف في التسكير، وغير الالتزامات مع محلات التوريد، أنا من أول تسكيرة القهوة والصالة صرت معبي بـ 2000 شيكل كهربا، لأنه في ثلاجات شغالة وفي عمّال نايمين في القهوة".

هؤلاء العمّال الذين ينامون في المقهى ليس بمقدورهم مغادرة رام الله بسبب إغلاق المُحافظات. يوفّر لهم صالح المقهى كمكانٍ يبيتون فيه؛ "في واحد من غزّة وواحد من قضاء جنين، وما بقدروا يروحوا في هيك وضع، وأنا متكفل فيهم وبدي اجبلهم كل اشي يكفيهم في فترة الإغلاق".

"إذا الحكومة بدهاش تعوّض، ربّك بعوّض"

وقّعت وزارة العمل والقطاع الخاصّ والنقابات العماليّة اتفاقية، جاء في أحد بنودها الاتفاق على تشكيل صندوقِ طوارئ لمعالجة آثار الأزمة، وتعويض أصحاب العمل والعمّال بعد نهاية الأزمة. "احنا مع يعملوا صندوق للتغطية. اذا الحكومة بدهاش تعوّض ربك بعوّض، بس لحد الآن ما تواصلوا معنا ولا بخصوص أي ترتيب"، يقول صالح.

لا يبدو صالح مُتفائلاً بعودة الحياة إلى شكلها الطبيعيّ بعد انتهاء الحجر المنزليّ الإلزامي، إذ يقول: "اللي بحرّك البلاد فلسطينيّ الداخل وأهل القدس، لو رجعت فتحت رام الله والضفة كلها، مش راح ترجع الحركة منيحة لحد ما ترجع الأمور زي قبل".

يتخوّف صالح مما بعد انتهاء الأزمة، حيث ستكون الالتزامات المترتبة عليه للعديد من الشركات بانتظاره، وليس متأكداً إن كانت تلك ستراعي الشركات الخسائر التي تراكمت عليه إثر توقّف العمل. "بس بكرة أول ما تفتح البلاد، الكهربا والمي والنت والتلفونات بصيروا يطالبوا فيك، وإنتَ [لسا] مش مصحصح من الضربة"

--------------------------------

هذه المادة تنشر بالشراكة مع متراس