شبكة قدس الإخبارية

"الحرية المسلوبة"... عن يوميات الأسر والعزل

822
ديالا الريماوي

فلسطين المحتلة- خاص قُدس الإخبارية: مع انتشار فايروس كورونا في فلسطين، وإعلان حالة الطوارئ والدعوات بالالتزام بالحجر المنزلي، لم يكد يمرّ أسبوعان حتى بدأ الأهالي يتساءلون عن قدرة خمسة آلاف أسير في العيش معزولين عن كل ما هو في الخارج لسنوات في سجون الاحتلال، وكيف يمضي الأسرى أوقاتهم؟

"الأسير على استعداد أن يدفع عمره كاملًا، مقابل أن يعيش بين أفراد عائلته في منزلهم، أنا الآن أستطيع أتحرك بحرية في منزلي، أرى عائلتي، إذا شعرت بالجوع أفتح الثلاجة وأتناول ما أشتهيه، لكن كل ما يتوفر لدينا اليوم خلال تواجدنا بالعزل المنزلي، مفقود لدى الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي"، يقول الأسير المحرر بلال كايد.

يضيف المحرر كايد لـ"قدس الإخبارية"، أن العلاقات الاجتماعية هي أساس في مجتمعنا، وتلك العلاقات تكاد تكون أهم شيء للأسير، لكنه في الأسر يفتقد لكل شيء بما في ذلك الأبعاد الانسانية وقدرته على التواصل حتى مع عائلته، الجلوس معهم في غرفة واحدة والحديث معهم، لكن استطاع الأسرى برمجة حياتهم على أساس الواقع القائم، وبما يمكّنهم للتغلب على قسوة الواقع.

وعن يوميات الأسر، كما عايشها كايد، يستيقظ الأسرى صباحًا، من يرغب بممارسة الرياضة الصباحية يخرج إلى الفورة، ثم يعود الأسرى إلى القسم، يتناولون الفطور الجماعي، وبعد الانتهاء يعقدون جلسة الصباح التثقيفية تتناول الواقع السياسي والفكري والنضالي للأسير داخل الأسر وخارجه.

وفي الظهيرة، يكون قد حان وقت القيلولة، وخلالها يتم توفير ما أمكن من سبل الراحة للأسير، ليحين بعدها موعد الفورة وتكون من ساعة إلى ساعتين، وفيها يتعرف الأسرى على بعضهم ويتبادلون الحديث، ليعودوا بعد انتهاء الوقت للقسم وتناول الغداء، وفي البرنامج المسائي يشاهد الأسرى النشرات الإخبارية والتي تعتبر لهم وسيلة للتواصل مع الخارج ومعرفة كل ما يحدث، لتعقد ختامًا الجلسة المسائية التثقيفية، ثم يخلد بعدها الأسرى للنوم.

خمسة عشر عامًا كانت حياة بلال على هذا النمط، أكثرها قسوة عندما أمضى في العزل الانفرادي عامًا كاملًا، كان ممنوعًا بقرار من "الشاباك"، من التلفاز والمذياع، ويتوفر لديه رواية كل ثلاثة أيام، كان يقضي الوقت باسترجاع قصص الأسرى، ويستذكر صورًا في ذهنه تؤنسه في زنزانته.

يستطيع اليوم بلال في منزله أن يحظى بالحرية في فترة العزل المنزلي في ظل انتشار الكورونا، والوقت أصبح ملكه، كذلك يُعد ما يشاء من طعام، على عكس الأسرى، فإذا اشتهى الأسرى "صينية البندورة"، عليهم الانتظار لستة أيام حتى يجمعوا الطماطم، ففي كل يوم يحصلون على حبة واحدة، لكن هناك الكثير من الأشياء التي تتوفر لدينا، لكنها ممنوعة ومفقودة داخل الأسر، يراها الأسير في مخيلته ولا يتذوقها.

الأسيرات داخل أسوار السجن

في السجون التي تقبع فيها الأسيرات، لا يختلف الوضع كثيرًا فهي ذات السياسة التي ينتهجها الاحتلال في كافة سجونه، ففي تمام الساعة السادسة صباحًا تُجبر الأسيرات على الاستيقاظ وارتداء ملابسهن استعدادًا لما يُعرف بالعدد، فيقتحم ضباط السجن الغرف ويبدأ بعدهن ولا يُسمح لهنّ بالجلوس خلالها.

تروي الأسيرة المحررة سلام أبو شرار لـ"قدس الإخبارية"، عن يوميات الأسيرات في سجن الدامون، ففي كل يوم عند الساعة السابعة والنصف صباحا يبدأ ما يُعرف بالفحص والطرق على الجدران، بعد أن يتم إخراجهن من الغرف دون مراعاة لظروفهن، بعدها تخرج الأسيرات إلى ساحة ضيقة لا تتسع لـ26 أسيرة، أسوارها عالية يغطيها شبك لا يرون السماء والشمس.

"حياتك في الأسر يحددها السجان، أنت لا تكون مخيّرًا بل مجبرًا، لا تملك الإرادة، وأنت تفقد كل وسائل التواصل مع الخارج، الخصوصية كذلك مفقودة، إذا أراد السجان اقتحام الغرفة والتفتيش في مقتنياتك وملابسك له الحرية". تقول سلام.

أما الوقت في داخل الأسر فيمرّ ثقيلا عليهنّ، ويمضي معظمه بالانشغال في عملية تنظيف الغرف، وإعداد الطعام، وقراءة الروايات المسموح بإدخالها، أما التلفاز فكانت القنوات محدودة، وبالحوارات والألعاب الورقية كان يومهن يمضي.

أما العيد بالنسبة لهن، فهو يوم زيارة الأهل، وفي السجن الدامون كانت الزيارة كلّ أسبوعين، أما اليوم وفي ظل إغلاق السجون ومنع الزيارة، فقد الأسرى وسيلتهم في التواصل مع الخارج ومعرفة كل ما هو جديد، في الوقت الذي تعيش عائلاتهم في خوف على مصيرهم المجهول، وفي ظل الأخبار الواردة بإصابة سجانين ومحققين اختلطوا بعددٍ من الأسرى.

كان الشيء الأكثر صعوبة على سلام هو خلال تواجدها في زنازين التحقيق بالمسكوبية، فلا هواء ولا شمس هناك، لا تتواصل مع الأسيرات، قبر مغلق كما تصفه، المعتقلون يتعرضون للإهانة بشكلٍ متواصل، الأكل سيء للغاية، وكل سبل الراحة مفقودة. كان حلم سلام في الزنازين أن ترى عائلتها أو تسمع صوتهم.

وعن أحلام الأسرى والأسيرات في السجون فهي بسيطة ونراها كل يوم، فهم يتمنون رؤية ربيع البلاد والورود، رؤية السماء صافية دون شبك، أو حتى رؤية شروق الشمس وغروبها.

تقول سلام:"عندما استرجع ذكرياتي في العزل والسجن، أقول لنفسي أنني في رفاهية مطلقة، أنا الآن وفي فترة العزل المنزلي أتمتع بالحرية والإرادة التي كنت أفتقدها في الأسر، أتناول ما أشاء من طعام في الوقت الذي كنا محرومين من العديد من الأصناف، أستطيع أن أقف عبر النافذة وأرى الشوارع أو الجبال، أجلس مع عائلتي وأتواصل مع صديقاتي عبر الهاتف، إذا شعر أي شخص فينا بالملل لديه كل وسائل الراحة، والخيارات، يستطيع أن يمشي في حديقة بيته، أنت حرٌ داخل بيتك وتحظى بالكرامة".