شبكة قدس الإخبارية

الجائحة والفيسبوك

12454231897852
شادية خضر الغول

منذ فترة اتخذت قرارا بعدم متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، وإغلاق صفحتي علي الفيس بوك لأسباب كثيرة لم أنجح بتنفيذ هذا القرار بسبب جائحة كورونا، ليس هُروبا، بل اتفاقا مع ما ذكره غسان كنفاني يوما ما عن الصمت عندما قال "صراخ من النوع نفسة ، وأكثر عمقاً ولياقة بكرامة الانسان "، ومع جورج برناردشو الذي قال " الصمت يمنحك متعة التنزه في عقول الأخرين "، ولقد أتاحت لي جائحة كورونا ومحاولتها إعادة ترتيب البشرية جمعاء، ودخولي الحجر المنزلي الكامل منذ حوالي أربعة أسابيع في إحدى الدول الأوروبية، فرصة الحصول على وقت إضافي، لمتابعة ما يحصل في قطاع غزة، من هنا كان لا بد من طرح  بعض المشاهدات، عما يمكن أن أطلق عليه " ثقافة الفزعة "! .

فعل فزع بمعني لجأ إلية، أغاثه، نصرة، وهى الخوف الشديد، الفزعة اصطلاحا النخوة، الشهامة، المساعدة في حل المشكلة ليكون ذلك هو الجانب الإيجابي الحسن في التعامل مع المشكلات الطارئة ، الفزعة مصطلح ليس بغريب عن اللهجة، والعادات والتقاليد الفلسطينية ولكن الغريب كيف أصبحت هذه العادات والتقليد نهج يطبق، في الجوانب الاقتصادية، الاجتماعية، وحتي العسكرية، اطلعت على الكثير من الكتابات السياسية والعسكرية حول نكبة عام 1984، حيث دخلت القوات العربية للحرب ضد الاحتلال بثقافة الفزعة دون الاستعداد او العداد الكافي، على الرغم من أن المراجع التاريخية ذكرت أن فزعة مصر في هذه الحرب، كانت بحوالي عشرة آلاف جندي تحت قيادة اللواء أحمد علي المواوي، وزادت عدد الجنود إلى نحو عشرين ألفا. أما فزعة الجيش الأردني من أربعة أفواج ضمت نحو ثمانية آلاف جندي ارتفع عددهم إلى 12 ألفا خلال الحرب، وأرسلت العراق قوة عسكرية بقيادة العميد محمد الزبيدي ضمت 3000 فرد إلى شرق الأردن، وارتفع عدد هذه القوة فيما بعد إلى 15 ألفا، أما سوريا ففزعت بإرسال 2000 جندي، تحت قيادة العقيد عبد الوهاب الحكيم، وصلوا فيما بعد إلى 5000. كذلك شاركت الفزعة المملكة العربية السعودية في هذه الحرب بنحو 3200 مقاتل، قادهم العقيد سعيد بيك الكردي ووكيله القائد عبد الله بن نامي، وقاتلت إلى جانب القوات المصرية.

يرجع المؤرخون سبب هزيمة العرب في هذه الحرب إلى أسباب عسكرية وأخرى سياسية. أما العسكرية فأبرزها وجود فارق كبير في العدد والتسليح بين العرب واليهود، حيث تم ارسال الجنود العرب دون تدريب على استخدام السلاح والاكتفاء بالإقامة بعض معسكرات التدريب للمتطوعين العرب بعد الإعلان عن نية التوجه لفلسطيني لا ستراجع الأرض العربية التي سلبها اليهود بقيادة قوات الهكناة، وصول العديد من الجنود دون معرفة لاستخدام الأسلحة مقابل جيوش منظمة دخلت الحرب العلمية الاولي والثانية.

وفي الانتفاضة الفلسطينية الاولي – انتفاضه الحجارة لعام 1987، استخذت المرأة الفلسطينية سلاح الفزعة بقوة وبشكل ناجح في منع الجنود الصهاينة من اعتقال الشباب المنتفض في كلا من غزة والضفة الفلسطينية حيث كانت تتجمع النسوة حول الشباب والجنود والجيب العسكري وتبادر بمعركة بالأيدي تسحب من خلالها النساء الشباب من ايدي الجنود وتهربهم وفي كثير من الاشتباكات كانت تعتقل المرأة بدل منهم او يتم إصابة هؤلاء النساء .

ينطبق معني ومفهوم الفزعة على أسلوب التعامل مع الجائحة في القطاع وخاصة بعد الإعلان عن أول إصابتين بالفيروس، وظهور صور الحجر الصحي الذي وصف بالغير لائق صحياً ونفسياً للمحجور عليهم مما أثار حفيظة النشطاء، المؤثرين، المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي، للبدء بحملة غير رسمية لنشر صور الحجر الصحي كشفت فيها عورة وزارة الصحة في القطاع وفندت خطاب الوزارة بالجهوزية التامة لمواجهة انتشار الفيروس، مما اضطر وزارة الصحة أمام هذه الفزعة إدخال بعض التعديلات الغير كاملة كمرحلة أولي.

اشتدت الفزعة مع حملات التبرعات وجمع المواد الغذائية والمياه للحجر الصحي مترافقة مع صور لتك الأغذية مفصلة نوعية الأغذية من الأرز والدجاج والشاورما والمندي داخل وخارج المداس المخصصة للحجر الصحي ليأخذ منحي الفزعة بالهبوط المضرب للتعامل مع المحجور عليهم كأناس ينقصها الطعام والشراب، وهنا لا أقلل من أهمية التغذية للمحجور عليهم ولكن اتحدث عن  نوعية التغذية والية جمعها وتقديمها ونشر الصور والتباهي من البعض بتقديم هذه المعونات في المراكز تحت عناوين التعاطف، التآزر، المساندة ونحن في المرحلة الأولية من الكارثة بعد، وقد أغفل أهل الفزعة أن هؤلاء هم مواطنين تحت مسؤولية الجهات الحاكمة في القطاع تقديم كل ما يلزم من الخدمات الصحية وفق الأسس الصحية العالمية بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية لان القطاع جزء من الجائحة العالمية وليس بمعزول عن الإصابة والانتشار.

انتهت فزع الحجر الصحي دون معرفة الأسباب والنتائج هل الحجر الصحي أصبح لائقاً، وتولت الحكومة مسؤوليتها في تقديم الخدمات الأساسية، الأمر الذي يطرح تساؤلا، هل خطوة الحكومة بإجاد بدائل في الفنادق ونقل البعض رغم وجود الكثير من الشكوى في تلك الفنادق وعدم الاطلاع على آلية التعقيم لتعكس ثقة بالجهات الحكومية وغيرها من الإجراءات كافية أم أن السبب هو ظهور مشكلات جديدة تحتاج منا فزعات أخرى؟

بعد إعلان إصابة 9 افراد بالفيروس بالقطاع وزيادة الانتشار العالمي بأرقام غير مسبوقة وفرض اغلب دول العالم إن لم يكن كلها لأول مرة بالتاريخ حظر التجول ومنع التنقل والاختلاط للحد من الانتشار والحفاظ على العنصر البشرية، فزع مجموعة من النشطاء والمؤثرين في المجتمع كما يطلقون علي أنفسهم بإطلاق حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي سميت حملة خليك بالبيت، لتعزيز ثقافة الوقاية المجتمعية في مواجهة انتشار الفيروس من خلال بث فيديوهات لهؤلاء الشباب تظهر إيجابيات البقاء داخل المنزل مع الأولاد والزوجة.

 بالرغم من الاستمرار في استخدام إسلوب الفزعة كما السباق ونحن في القرن الواحد والعشرين ولكن هنالك اختلاف بنوعية المستخدمين لهذا الأسلوب بين السابق والحالي. الفزعة الحديثة في زمن الجائحة استخدم من قبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وهؤلاء بالواقع أعضاء مؤسسات مجتمع مدني فاعلة في القطاع والبعض الاخر يطلق علية المؤثرون في المجتمع والطرف الثالث هم الصحفيين بالتالي نتحدث عن أهم قطاع ومكون من مكونات الشعب الفلسطيني. ما يثير اهتمامي هنا ان هؤلاء الشباب من القطاعات المختلفة عاشت الازمات العديدة التي مر بها القطاع وكان لها الدور الأبرز في النقد والتوجيه واقتراح الحلول والبدائل وعقد العديد من ورش العمل والمؤتمرات الخاصة بتلك الازمات والخروج بألف الخطط لمواجهة الازمات الاقتصادية والسياسية الاجتماعي وهنا لابد من التأكيد ان الحائجة تعرف في علم إدارة الازمات أنها الازمات التي قد تتعرض لها الشعوب في العالم مثالها مثل الحرب، النزاع الداخلي، الفياضات. 

والسؤال الذي فرض نفسه هنا، هل المواطنين في القطاع مثل بقية المواطنين في العالم؟ بشكل عام نعم وبشكل خاص لا،  إذ أن نتيجة الكوارث والأزمات العديدة التي مر بها الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 حتى اللحظة قد ألزمت المواطنين بالبقاء في المنزل عدة مرّات، ابتداء من منع التجول (الطوق) في الانتفاضة الاولى الى البقاء في المنزل لأيام في عدوان عام 2008و2009 وأكثر من 51 خمسون يوما في عام 2014 تحت القصف والخوف، إذ أن الاكتظاظ السكاني، وأزمة السكن في قطاع غزة، لا تؤهل المواطنين للبقاء في منازلهم لفترات طويلة، خاصة مع ارتفاع معدل أعداد أفراد الأسرة بحسب الجهاز المركزي للإحصاء، كما أن طبيعة العمل، لا تؤهل المواطنين للبقاء في منازلهم لفترات طويلة، بدون عمل، حيث سيقع كل معيل لأسرته في مأزق المفاضلة ما بين التضحية بحياته معرضها للخطر بالإصابة بالفيروس على ان يجلس، دون أن يستطيع إطعام أطفاله. لقد أخطأ البعض في محاولته إظهار المواطنين في قطاع غزة، أنهم قادرين كما جميع دول العالم على تحمل آثار الحجر المنزلي.

بالتأكيد، أنني لا اشرعن الخروج من البيت، لكن أدعو لقراءة دقيقة للأوضاع في قطاع غزة، لقد عانت فلسطين، ولا تزال من العديد من الكوارث والأزمات على مدار المائة عام الماضية والتي تسببت بتدمير المقدرات المادية والبشرية للشعب الفلسطيني وتهجيره من أراضيه وما تلاها من أزمات مثل اللاجئين ، التكدس السكاني ، الحروب المتتالية ، الكوارث البيئية وغيرها العديد من الازمات التي تدار من قبل المؤسسة الرسمية، ومنظمات المجتمع المدني بسياسة " يوم بيوم "، مع ضعف واضح في المعرفة والمهارة في كيفية إدارة الازمات والكوارث،  الذي يجعل الازمات أشد وأعمق وأكثر تدميراً ، لذلك وجب القيادة الرسمية والمؤسسات الأهلية والقطاع الخاص مأسسة أدوارها، عبر تشكيل منظومات لبناء خلايا إدارة أزمات متعددة في الشأن العام ، بحيث تكون جزء من منظومة متكاملة للتعامل مع الازمات والكوارث، وتفعيل القرارات الفلسطينية الخاصة بتشكيل المركز الوطني للازمات والكوارث ، وقرار مجلس الوزراء الفلسطيني في 7 مارس 2017 القاضي بتشكيل لجنة وطنية لإدارة مخاطر الكوارث والأزمات برئاسة رئيس مجلس الوزراء ب41 عضوية في الوزارات الاختصاص والهيئات المحلية وممثلين عن القطاع الأهلي والخاص لأنشاء المركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث علي ان ينظم قانون خاصة به ينظم عمل المركز .

إن إنشاء هذا المركز ضمن قانون واضح ينظم إعماله يعتبر محاكاة لما يحصل بالعالم من تطور أساليب التعامل مع الازمات  حيث أن المركز بدا عملة على ارض الواقع في أعوام 2017-2018 وكانت له اجتماعات تشاورية ولجان مكثفة لدراسة وتقيم الواقع ومدي انسجامها  مع واقع الازمات في القطاع ، بحيث تم إيقاف استكمال التشاور مع القطاع لأنشاء المركز لأسباب عديدة منها الانقسام السياسي وتعدد المرجعيات الإدارية فيظل عدم وضوح الرؤية الفلسطينية في توحيد النظام الإداري للقطاع والضفة الفلسطينية، أما وعلى الأمد القصير، تبدو ان هنالك ضرورة لتشكيل لجنة أو خلية أزمة تشارك بها مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، تعمل على إدارة الازمة الحالية في القطاع ، بحيث تعمل اللجنة وفق خطة واضحة زمنية محددة المهام والمسؤوليات واليات المحاسبة والعقبات للتعامل مع الازمة بكل مراحلها والبعد عن نظام الفزعة والفعل ورد الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي.