شبكة قدس الإخبارية

في زمن الـ"كورونا" بلا عقود، وبلا تمثيل.. من يكفل حقّ عمّال القطاع الخاص؟

9998962261
عبد الله حرب

رام الله – قدس الإخبارية: بإعلان حالة الطوارئ وما تبعها من خطواتٍ بدأت السّلطةُ الفلسطينيّةُ حملتَها لمكافحة انتشار فيروس "كورونا" أُغلِقَتْ المدارس والجامعات، ثمّ المطاعم والمقاهي والأندية والنوادي الرياضيّة، وكلُّ المؤسسات التي يقوم عملُها على استقبال الجمهور والتجمعات، إلا أنّ خطوات السّلطة التي بدت "واثقةً" أغفلت التبعاتِ الاقتصاديّةَ المباشرة لهذا الإغلاق على النّاس، وهي بذلك تُنذِر بإسقاطاتٍ خطيرةٍ على حقوق عشرات آلاف الموظفين والعمّال.

تنشغل دولُ العالم اليوم بالآثار المدمّرة لأزمة فيروس "كورونا" على الاقتصاد العالميّ، فما الذي يجب أن يشغلنا فلسطينيّاً على هذا الصعيد؟

الحدّ الأدنى من الحقوق… لـ28% من العمّال فقط

مع التصريحات المتواترة من رئيس الحكومة الفلسطينية في رام الله، والناطقين باسمها، حول احتمالية استمرار الأزمة وتصاعدها، ازدادت حالة الضبابية التي تغلف مشهد العمّال في القطاع الخاصّ، والذين فقد كثيرٌ منهم وظائفهم ومصادر دخلهم المحدودة أساساً. يدور الحديثُ هنا عن الفئة الأقلّ أجوراً في المجتمع مقارنةً مع موظفي القطاع العام (الحكوميّ) أو العاملين في المستوطنات أو داخل فلسطين المحتلة عام 48.

وفق آخر مسحٍ منشور للقوى العاملة في فلسطين-عام 2018، يبلغ تعداد العاملين في القطاع الخاصّ الفلسطينيّ في الضّفة الغربيّة 224,700 عاملاً، 28% منهم يعملون بشكلٍ منظّمٍ، وفق عقودٍ واضحةٍ واتفاقيّات محدّدة تحفظُ الحدَّ الأدنى من حقوقهم. أما البقيّة، 72% من عاملي القطاع الخاصّ، فيعملون بشكلٍ غير منظّم، دون عقود عملٍ مكتوبةٍ وواضحة مما يجعلهم عرضةً لانتهاك حقوقهم وضياعها.

 بخصوص العاملين وفق اتفاقيّات عملٍ مكتوبة، فأغلبيّتهم من موظّفي الشركات الكبرى والبنوك والمؤسسات الأهليّة المموّلة. ولا زال من غير الواضح تعامل هذه المؤسسات مع عامليها، بين شركات أعلنت عن استمرار دفع الرواتب أو جزءٍ منها، وأخرى صرفت موظّفيها لإجازات غير مدفوعة من غير الواضح من سيعوّضهم لقاءها. مع هذا، تبقى وضعيّة هؤلاء العمّال منظّمةً بعقودٍ مكتوبة تحفظ الحدّ الأدنى من حقوقهم.

المُستَغَلّون أصلاً

ولكن الغالبية الساحقة من العاملين في القطاع الخاصّ ليست كذلك، إنّما تعمل دون عقودٍ مكتوبة. 50% من مجمل العاملين في القطاع الخاصّ في الضّفة الغربيّة موزعون على قطاعات الفنادق، والمطاعم، والمقاهي، والباعة المتجولين، وبعض القطاعات الأخرى، وهي كلّها قطاعات طالتها الإغلاقات أو تأثرت بها منذ الأيّام الأولى لتفشّي الوباء

 

نتحدّث هنا- وهذا قبل الإغلاق الشامل وحظر التجوّل في الضفّة- عن أكثر من 100 ألف شخصٍ يعملون بدون عقود عمل، ويعمل غالبيتهم وفق نظام "المياومة"، باتوا بين ليلةٍ وضحاها دون مصدر دخل تقريباً، خصوصاً مع ما تم تداوله من أخبار عن بعض أرباب العمل الذين بدأوا منذ اليوم الأول للإغلاق بتسريح العمال، أو إبلاغهم بالتوقّف عن دفع أجورهم.

يعمل معظم هؤلاء العمّال في ظروف عمل صعبة أساساً، ولا يملكون من الأصول والمدّخرات ما يمكن أن يعينهم على انقطاع مصدر دخلهم الوحيد.

 لكنّ الأهم أنّ غالبيّة هؤلاء العمّال دون عقدٍ هم الأضعف والأكثر عرضةً للاستغلال من قبل المشغّلين، ويسهل تسريحهم وحرمانهم من رواتبهم أو تقليصها دون أي خوفٍ من التبعات القانونيّة.

 كما سيصعب على الكثيرين منهم إثباتُ تشغيلهم في حال خُصِّص أيّ دعمٍ للمسرَّحين. استدعت هذه الحالة، منذ اليوم الأوّل للأزمة، فرضَ إجراءات لِلَجم أي إجراءٍ غير قانونيّ بحقّ العمال، ولمواجهة موجة البطالة المفاجئة والفقر المدقع الذي ستتسبّب به، وتضمين هذه الإجراءات في صُلب إجراءات محاربة الفيروس.

النقابات تنازلت عن حقوق العمّال

عشرة أيام مرّت تقريباً قبل تحرك وزارة العمل الفلسطينيّة واتّحاد نقابات العمال، فكيف كان هذا التحرك؟ قبل حوالي أسبوع، وتحديداً في 16 مارس/ آذار الجاري، وُقِّعَت في رام الله اتفاقيةٌ بين وزارة العمل الفلسطينيّة واتّحاد النقابات العمّالية والمجلس التنسيقيّ للقطاع الخاصّ. أبرز ما نصّت عليه هذه الاتفاقية هو التزامُ "القطاع الخاصّ" بدفع 50% من أجور العاملين لديه عن شهري مارس/آذار وأبريل/ نيسان، وذلك بحدّ أدنى يبلغ ألف شيكل، على أن تُسَدّد باقي المستحقات بعد ذلك.

بدايةً، فإنّ اتحاد النقابات لا يمثّل العمّال فعلاً، ولا صلاحيّة له بالتنازل عن حقٍ مكتسبٍ للعاملين. وفقاً لآخر مسحٍ للقوى العاملة، والصادر عن الجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطينيّ، فإنّ 86% من العاملين في الضفّة الغربيّة غير منتسبين للنقابات المهنيّة، فكيف يخوّل اتحاد النقابات نفسه للتوقيع على هكذا تنازلات، دون صفةٍ تمثيليّةٍ عن العمّال، أو على أفضل الأحوال بصفةٍ تمثيليّة منقوصة، وكيف تُقرّها وزارة العمل؟

حالة الطوارئ ليست ذريعة

من الناحية القانونيّة، تناول حقوقيّون أثر حالة الطوارئ على الحقوق العماليّة، وبيّـنوا أنّ أي إجراءٍ يمسُّ بحقوقِ العمّال المكتسبة، أو اقتطاع رواتبهم أو تسريحهم أو إجبارهم على إجازات غير مدفوعة الأجر تحت ذريعة حالة الطوارئ، يُـشـكّل خرقاً للقانون واعتداءً غير مشروع على حقوق العمّال. أضاف هؤلاء أنّ القوانين التي تُـنظَِم شؤونَ العمل لا تُـعطي أيّ طرفٍ حقَّ أو سلطةَ المساس بحقوق العمال ورواتبهم حتى في حالة الطوارئ.

على الصعيد الإجرائي فإنّ بنود الاتفاقية المُعلنة – عطفاً على إجحافها – فضفاضةٌ أساساً، ولا تتضمن آليات إلزامٍ أو تطبيقٍ واضحةً ومحددةً. تترك الاتفاقيّة باباً واسعاً للتهرّب والتأويل وتحديد القطاعات المتضررة من عدمها، وكأنها جاءت لرفع الحرج عن السّلطة والقطاع الخاصّ، أكثر منها لإيجاد حلولٍ مُنصفةٍ وعادلة تُـنقِـذُ العمّال مما هم مقبلون عليه. علاوةً على ذلك، فإنّ الطرف المُمَثل للقطاع الخاصّ – "المجلس التنسيقي للقطاع الخاص" – ليس إلا مظلّةً رمزيّةً لا تملك أي سلطةٍ إلزاميّةٍ للجهات المنضوية تحتها.

التحدّي الأكثر إلحاحاً

في ذات السّياق، أشارت الاتفاقيةُ الموقعة في أحد بنودها، وكذلك تصريحات وزير العمل، إلى بدء العمل على إنشاء صندوق طوارئ لتعويض المنشآت والعمال المتضررين من حالة الإغلاق. لكن لم يُعلن عن تفاصيل أو خطّة عمل أو أفق زمنيّ لإنشاء هذا الصندوق، على الرغم من أن إنشاءه وتفعيله يُعدُّ حالياً من أهم الأولويات واجبة التنفيذ.

صحيح أن حالة الإغلاق تشكّل تحدياً اقتصاديّاً عامّاً، أبعاده كثيرة وآثاره عميقة على النمو والنشاط الاقتصاديّ، ولكن التحدّي الأكثر إلحاحاً ومباشرةً هو ذلك الذي تواجهه قطاعاتُ العمّال التي تعتمد على العمل اليوميّ في توفير قوتها واحتياجاتها الأساسية. هذه القطاعات المُستغلّة أصلاً، والتي تُنتهك حقوقها دائماً وبمعزلٍ عن الأزمة، ستكون القطاعات الأكثر تضرراً الآن، دون أن تجد من يُـمَثّلها ويطالب بحقّها.

*تُنشر هذه المادة بالتعاون مع متراس.