شبكة قدس الإخبارية

غزّة.. أبو مطر يصنع قناعًا مطورًا بتقنية 3D للحماية من كورونا

811
توفيق المصري

غزة- خاص قُدس الإخبارية: يُمسك الشاب محمد أبو مطر من مدينة غزة، خيطًا بلاستيكيًا خرج للتو من ماكينة تصنيعه، ويشبك طرفه بطابعة تعمل بتقنية تُعرف بثلاثية الأبعاد؛ لينتج أقنعة تغطي كامل الوجه، يستخدمها الأفراد والأطباء في كافة بلدان العالم لمواجهة خطر انتقال فيروس كورونا.

بعد ربط الشاب أبو مطر (33 عامًا) الخيط بماكينة الطباعة الثلاثية الأبعاد التي نقل تصميمها إلى غزة وصنعها بيده هي وماكينة صنع الخيط؛ لعدم توافرهما في القطاع، يبدأ رأس ماكينة الطباعة الذي يبدو كـ"سن القلم" بالتحرك وفقًا للرسمة التي صممت مسبقًا على أحد البرامج الثلاثية الأبعاد عبر جهاز الحاسوب، والتي حولت إلى لغة لتتمكن الآلة من ترجمتها إلى قناع واقي من الفيروس.

بعد تلك المهمة، ينتظر أبو مطر ساعتين على انتهاء الماكينة من طباعة أول قناع يُصنع بغزة، خلالهما يسكن قلبه الشغف، بعدما انطلق في هذا الفكرة من واقع المسؤولية الاجتماعية نتيجة وصول فيروس كورونا إلى قطاع غزة، الذي يعاني من أزمات مركبة نتيجة الحصار وعدم توفر الأدوات الطبية.

وأعلن وكيل وزارة الصحة في قطاع غزة، يوسف أبو الريش، فجر الأحد الماضي، عن تسجيل أول حالتين إصابة بفيروس كورونا في غزة، مشيرًا إلى أن الحالتين كانتا بين المحجورين ولم يدخلا القطاع، مؤكدًا أنه لم يتم تسجيل أي حالة من داخل القطاع.

بداية التجربة

فور الإعلان عن بدء تحويل جميع العائدين إلى قطاع غزة للحجر الإجباري، سارع محمد إلى البحث داخل "مجتمعات المصدر المفتوح" المختصة بتبادل الأفكار حول سبل مكافحة فيروس كورونا، عن فكرة يكون بإمكانه تنفيذها لتخدم قطاع غزة الذي يعاني نقصًا في المعدات الطبية خلال الوضع الطبيعي، "ولا يُعرف ما ستصل إليه الأحوال إن اشتدت أزمة كورونا، التي سيصبح بفعلها احتياج لكل شيء".

ويوضح لـ"قدس الإخبارية" أن تصاميم كثيرة كانت منشورة، لكن واحدًا منها لفت نظره ووجد أن قطاع غزة بحاجة ماسة له في هذا الوقت تحديدًا، وبعدما استلهم الفكرة منهم، بدأ بتطبيقه مع فريقه داخل شركته الناشئة غرب مدينة غزة.

وقع اختيار أبو مطر على قناع يُستخدم من قبل الأطباء الذين يتعاملون مع حالات الإصابة أو الاشتباه بالإصابة بفيروس كورونا ويحتكون بهم داخل غرف الحجر، فيما بدا دافعه الأكبر لإنتاجه وكما يقول: "لأنه إذا تطور الأمر في المجتمع وبات هناك حالات إصابة لا نعلم عنها وتسير بيننا، فحينها سيصبح لزامًا على الجميع ارتداء القناع، لكونه يحمي الوجه كاملاً من أي رذاذ أو وباء".

كورونا الأزمة التي تشغل كل دولة في نفسها، أما غزة التي تعيش أزمات وتحديات كبيرة، وبدأت تعيش أزمات الفيروس يقول أبو مطر: "لن يلتفت أحدٌ إلى غزة أو ينقذها مما تمر به، ولذلك يجب أن يكون لدينا حسّ المسؤولية، بأن يبادر الفلسطيني لأجل بلده.

يضيف: "استشعرت أهمية طباعة أداة بسيطة face shield وهو قناع لكامل الوجه موجود في الخارج، ويستخدم بدول العالم للوقاية من الفيروسات وفي الوقت الحالي من فيروس كورونا، للأطباء أو الناس، لحماية وجوهم من أي تلوث بيولوجي ناتج عن الرذاذ".

في ساعات الانتظار، بدأ يسرد محمد أنّه اتجه فور تخرجه من كلية تدريب غزة خلال عام 2006، إلى تصنيع نماذج ومنتجات بناء على طلب الزبون، ليكون مشروعُه مجالاً له في "النمذجة الصناعية".

التحديات

وعن التحديات التي واجهت المشروع، قال أبو مطر: "عدم توفر الإمكانيات والأدوات اللازمة في الصناعة بفعل الحصار المفروض على قطاع غزة، دفع التوجه إلى الانترنت للتعرف على كيفية صناعة الطابعة الثلاثية الأبعاد".

وتابع: "نجحت في ذلك بموارد متوفرة في السوق المحلي، وبالاستعانة بتصاميم مفتوحة المصدر متوفرة على الانترنت".

لكن ذلك لم يكن التحدي الوحيد، إذ تفاجأ بعدم توفر الخيوط البلاستيكية التي تصهرها ماكينة الطباعة لتعيد تشكيلها بناء على أكواد الرسومات الحاسوبية، فدفعه عدم توفرها في غزة إلى تصميم ماكينة خيط، باتت متوفرةً بالقطاع منذ وقت قريب، كما يشير إلى أنه يصنعه بشركته بالنوع اللون الذي يحتاجه، مفضلاً إياه عن المستورد.

وحينما دخل عالم الطباعة الثلاثية الأبعاد، اكتشف أنه أكبر بكثير من تصميم علبة أو مجسم، وأن لها استخدامات في كل جوانب الحياة، في الأزياء والتعليم والصحة، ويمكن أن تعود بالنفع على المجتمع.

الإنجاز والمستقبل

يفتح هاتفه ليشعر بفخر بإنجازه في صناعة الأجهزة الطبية باستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد، يشاهد مقطعًا وثّق استخدام الطواقم الطبية لأداة حزام وقف النزيف التي صنعها، وهم يربطون نزيفًا لشاب أصيب في أحد الأحداث الدامية في قطاع غزة، يُساهمون بها –لتلك الأداة- في إنقاذ حياة الكثيرين من النزيف الحاد.

أخيرًا وبعد ساعتين توقف ضجيج ماكينة الطباعة الثلاثية الأبعاد وهي تنثر خيوط البلاستيك فوق بعضها بعد صهرها لتخرج بالشكل النهائي الذي ارتسم على الحاسوب وهو واقي الحماية للوجه، الشبيه بإطار النظارات الطبية، فالتقطه محمد من داخل "حاضنة الطابعة" ليبدأ في تنظيفه من أي شوائب، ثم بوضع الواجهة البلاستيكية الشفافة المستخدمة في تغليف الكتب.

هذه الأداة الطبية "القناع الواقي"، من تصنيفات calss/a، التي لا تحتاج إلى تراخيص هيئات الدواء والغذاء العالمية، يعرض محمد الواحد منه للبيع مقابل 20 شاقلًا، بالرغم من أن تكلفته أعلى من ذلك.

ومن أجل أن تعم الفائدة، سيكون المنتج متاحًا للجميع بسعر يناسب الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، حيث ينوي إطلاق حملة تمويل جماعي تتيح للمتبرعين أو الجمهور الذي يرغب بالمساهمة في عملية تصنيع المنتج، ليتم توفيره بشكل رمزي.