شبكة قدس الإخبارية

لماذا جبل العُرمة؟

m0si1iq3t460
حمزة العقرباوي

نابلس المحتلة - قدس الإخبارية: شهدت الأسابيع الأخيرة مواجهات في جبل العُرمة شرق بلدة بيتا جنوبي نابلس، حيث تصدى الأهالي لمُحاولات المستوطنين الوصول للجبل، وحالوا دون قيام جيش الاحتلال من إنزال السارية التي رُفعت على قمته.

ويتساءل البعض: لماذا جبل العُرمة؟ ولماذا أصبح الاحتلال مُهتماً بالوصول إليه والسيطرة عليه؟ وكي نفهم السياق الاستعماري الذي يدفع باتجاه السيطرة على جبل العرمة علينا أن نعود لقراءة الخارطة الاستيطانية في المنطقة، ثم نُطالع المخططات المنوي تنفيذها لنفهم ما الذي قد يُغيره الاستيلاء على جبل العُرمة؟. 

 البدايات الأولى

 مَرّ الاستيطان جنوبي مدينة نابلس في عدة مراحل بعد عام 67، وكانت المرحلة الأولى قد تجلت بفصل الأغوار والسفوح الشرقية عن قرى جنوب شرق نابلس، وتُوّج ذلك بإقامة المستوطنة الأولى في الأغوار عام 1969 وحملت اسم (مُسواه)، وتعني المنارة أو الشعلة، وهو اسم توراتي هَدف لربط المكان بالجبل الأعلى في الغور هو جبل قرن سرطبة.

ثم تلا ذلك سلسلة مُصادرات وتوسّعات لإقامة تجمعات استيطانية في المنطقة كان منها: (بتسائيل 1972، جيتيت 1972، معاليه أفرايم 1978، تفوح 1978، إيتمار 1983، مجدليم 1983)، وهي أسماء توراتية استُحضرت لخلق هوية تربط المستوطنين بالمكان الذي سيطروا عليه.

وشكلت هذه المُستوطنات طوقاً حول قُرى مشاريق نابلس، ثم خدمتها شبكة الطرق التي شقها الاحتلال لفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض قاطعاً الطريق بين التجمعات العربية.

غير أن التجمع الاستيطاني الذي شكل الثقل الأساس في الضغط باتجاه سلب الأراضي والسيطرة عليها، وتغيير جُغرافية الأرض، كان مُغتصبة ايتمار (تل حاييم)، التي أقيمت عام 1983على أراضي عورتا- يانون - روجيب، ثم بدأت تتوسع وتصادر الأراضي في تلال الغور والسفوح الشرقية التابعة لقرى بيت فوريك وعقربا. 

تُعتبر مستوطنة “إيتمار” نموذجاً للخلايا الصهيونية الحية التي تتوسع بشكل دائم، حتى أنها “فَرّخت” عِدّة بؤر استيطانية تابعة لها منها؛ جفعات عولم 1996، وجفعات أرنون (التلة 777) 1998. واستطاعت هذه البؤر السيطرة على التلال العالية الواقعة بين القرى في المنطقة. وكان داعي الاستيطان الأبرز في هذه التلال الصهيوني (أفري ران) الذي كان ضابطاً في جهاز “الشاباك” ثم ضابطاً كبيراً في الجيش الصهيوني، والذي بدأ مشروعه الاستعماري بالسيطرة على التلال والسهول في شفا الغور من خلال صبيانه وزعرانه. 

 وبعد عام 1999 تحولت البؤر الاستيطانية التابعة لمغتصبة “ايتمار” لعامل إرهاب دائم في المنطقة من خلال الاعتداء على الرعاة  والمزارعين والهجوم شبه اليومي على قرية يانون، ما أدى لترحيل أهلها بالقوة عام 2001،  ثم أقدموا على إعدام المواطن محمد حمدان بني جابر (60 عاماً) بالقرب من جبل العرمة عام 2005، أثناء رعيه للأغنام في سفح الجبل الشرقي. 

صار التواجد الصهيوني حاضراً في محيط الجبل مدعوماً بقوة السلاح، وصار بإمكان المُستوطن (جدعون) سوق أغنامه إلى جبل العرمة حاملاً سلاحه وبرفقته مجموعة من القتلة، في وقت يُمنع فيه الفلسطينيون من الاقتراب من المنطقة، وصار التواجد العربي بحاجة إلى تنسيق مع الارتباط الصهيوني، وصارت المنطقة بين بلدتي بيتا - عقربا مُهددة بالاستيطان.

 الصهيونية مُجدداً

من الواضح أن جهود الحركة الصهيونية في خلق رواياتها التاريخية عن المعالم الأثرية هو ما يحرك المستوطنين للسيطرة على التلال الأثرية في فلسطين. ونشط مؤرخو الحركة الصهيونية بالزج بتأويلاتهم وخيالاتهم في وصف تاريخ البلاد وأماكنها الأثرية، وكان من بين ذلك جبل العرمة الذي تسعى نصوصهم المُختلقة لربطه بالتاريخ التوراتي. 

وهذا ادعاء تكذّبه الحقائق الأثرية والسياق التاريخي المُرتبط بالجبل وطبيعة عمارته التي تعود لفترات تاريخية عدّة، لكن المشروع الصهيوني الحالم لا يزال مُؤمناً بأن مثل هذه الروايات المَسنودة بالقوة ستكون قادرة على دفع غُلاة الاستيطان للتحرك نحو الجبل وبسط السيطرة عليه بالكامل، أو عزله عن محيطة العربي.

مزاعمٌ صهيونية لدوافع استعمارية تتلبس ثوب التاريخ بهدف السيطرة على معلم أثري حي في علاقته مع الأهالي منذ أول حضارة عَمّرت به حتى اليوم.

وكان غُلاة  الاستيطان قد دعوا عبر صفحاتهم على وسائل التواصل الإجتماعي للتحرك إلى جبل العُرمة، وجاء في إحدى الدعوات:  

"سنعود إلى الحصن لنحافظ على تراثنا. يوم الجمعة عند الـ 7:45 صباحًا، سنذهب في رحلة مشي أو بالدراجات إلى القلعة التاريخيّة (العرمة) بقيادة وتوجيه يوسي دغان؛ رئيس مجلس المستوطنات في شمال الضفة الغربية. وسنستمع لمحاضرة عن أهمّية الحصن في العصر التوارتي. سنرى بقايا الحصن الذي شُيّد لحماية الحدود الشمالية لمملكة السامرة. الرحلة مصرّح بها من قبل سلطات الجيش الإسرائيلي"/ مكان التجمّع: في مستوطنة "ايتمار".

هذه الدعوة الصهيونية هي ما حرك المواجهات ودفع بالشباب للتحصن بالجبل منعاً للاستيطان من تدنيسه، بدافع خلق روايات عن الجبل الأثري الذي شهد تتابعًا حضاريًا من العصر البرونزي الوسيط حتى الفترة الأموية، والذي ظل عامراً بأهله والمزراعين في محيطة حتى اليوم.

 لماذا العرمة؟ 

استطاع المشروع الصهيوني خلال الثلاثين عامًا الماضية السيطرة على التلال الرابطة بين القرى الفلسطينية في جنوب شرق نابلس، وصارت الطرق بين هذه القرى مقطوعة ويجب أن تمر من تحت عيون المستوطنين، الذين سيطروا على التلال العالية. وبات بإمكان مستوطني “إيتمار” التحرك من شرق نابلس حتى الأغوار دون الحاجة للمرور بأيٍ من الطرق أو التجمعات العربية، وبذا نجح المستوطنون بقطع التواصل الجغرافي بين القرى الفلسطينية.

 ثم بدأت الحركة الصهيونية تنشط لخلق طرق تربط “إيتمار” بالمستوطنات المُحطية بها وتحديداً (جيتيت) الواقعة شرق بلدة عقربا عبر طريق يمر من سهول خربة الطويل المُهددة بالمُصادرة بحجة أنها منطقة عسكرية، وثانياً راج الحديث عن مُحاولات لشق طريق يربط “ايتمار” بمستوطنة “مجدليم” أو بالشارع الالتفافي الواصل بين زعترة والأغوار. الأمر الذي الذي من الصعب شقه دون أن يكون للمستوطنين إشراف على هذه الطريق من خلال الجبال التي تطل عليها وأعلاها جبل العُرمة، وهنا مربط الفرس في الصراع على الجبل.

يعي الأهالي بأن السيطرة الصهيونية على جبل العرمة تعني قطع الطريق بين (بيتا- أوصرين-عقربا)، وهي ثلاث بلدات تمتد حالياً نحو التلال الواقعة بينها، لأنه لم يبقَ لها مكان تتوسع باتجاهه بسبب الطرق الاستيطانية ومصادرة الأراضي الشرقية التي تمتد شرقاً للأغوار، وخلال سنوات قريبة يُمكن لهذه القرى أن تلتقي عُمرانياً، وهذه من الأسباب التي تسبب القلق من سيطرة المستوطنين على هذا الجبل المرتفع والمُشرف على ما حوله.

وهذا الوعي الفلسطيني بأهمية الجبل المرتفع والمُشرف على ما حوله، والذي يُشكل نقطة الوصل بين القرى الفلسطينية في جنوب نابلس، هو ما يدفع الأهالي للمرابطة فيه والاعتصام على قمته لإفشال المخططات الصهيونية. 

90535983_212921956689750_4558978317209829376_n
 

90587230_2470808849900363_6584560098880782336_n