شبكة قدس الإخبارية

سباق الأمصال

5ae28f05-73a5-4a97-94b4-75904e654a96_16x9_1200x676
عبد الستار قاسم

ما قبل كورونا ليس كما بعدها في العلاقات الدولية والقيم الإنسانية التي من المفروض تعميمها عالميا. تسببت كورونا في إحداث نشاطات علمية وسياسية واجتماعية واقتصادية جديدة ومكثفة على المستوى العالمي وعلى المستويات الداخلية للدول.

ومما يجلب الانتباه بصورة واضحة هو سباق الأمصال. دول عديدة تدخل المعترك العلمي فيما يخص محاصرة الوباء، وطرق علاجه، وتطوير اللقاحات والأمصال الواقية للإنسان.

تنشط دول عدة في سباق لتطوير أمصال فعالة تقي من الوباء مثل الصين والولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وإيران وألمانيا وإيطاليا.

تتسابق الدول في البحث والاختبار من أجل أن تكون رائدة علمية تتوجه إليها أنظار الأمم بالشكر والعرفان وتقر لها بالتفوق العلمي والتقني.

يبدو أن الصين والولايات المتحدة تتحرقان من أجل الوصول إلى نهاية السباق. تريد الصين أن تثبت للعالم تقدمها العلمي السريع، وقدرة علمائها على التصدي للمحن الطبية والصحية التي يمكن أن تواجه العالم. الصين في سباق لإثبات الذات مع أمريكا ومجمل الدول الغربية الاستعمارية.

وهي تجد في الوباء فرصة لتحقيق إنجاز علمي كبير يقنع العالم بأنها دولة زاهرة ليس فقط في مجال الإنتاج الاستهلاكي، وإنما في مختلف مجالات الحياة.

وهي بالتأكيد تريد أن توصل رسالة للعالم بأن الهيمنة الأمريكية على العالم تتضاءل وتتقلص، وأن العديد من الوسائل التقنية التي يستعملها العالم الآن من إنتاج الولايات الأمريكية ستكون غدا ولو جزئيا صينية.

أما أمريكا، فلا تهدأ مخافة أن تسبقها الصين أو روسيا أو إيران والمصنفة لديها دول خصومة وتنافس حاد. ترامب لا يهدأ وهو يشجع العلماء الأمريكيين ويعدهم بالدعم المالي لكي يسارعوا في أبحاثهم وإنتاجهم للقاح يقضي على الوباء. ولم يتورع ترامب عن استقدام مدير شركة أدوية ألمانية ويعرض عليه مليار دولار من أجل تطوير لقاح باسم أمريكا ويُنشر باسمها.

ولدى ترامب كل الاستعداد لتوفير وظائف مجزية جدا من الناحية المالية لعلماء ألمان وغيرهم من دول العالم حتى تكون أمريكا سباقة في هذا المضمار. لكن جهود ترامب كلفت العالم الألماني وظيفته وتم خلعه من إدارة شركة الأدوية، وبقي على ترامب تعويضه.

أمريكا تجد في الوباء فرصة لتأكيد هيمنتها على العالم، وهي ترى في إنجاز لقاح ناجح بأسرع وقت ممكن فرصة لتقول للعالم إنها ليست مجرد قوة اقتصادية وعسكرية، وإنما هي قائدة العالم صحيا وعلميا، ولا منافس لها. ولتوجه رسالة للعالم أن الصين ليست منافسا حقيقيا.

الصين دولة عظيمة وعملاقة اقتصاديا، لكنها تصغر أمام عملقة أمريكا العلمية.

روسيا تنشط أيضا في مجال تطوير أمصال مضادة للوباء، وقد عبر الرئيس الروسي بوتين عن هذا بوضوح أمام وسائل الإعلام. وإيران هي الأكثر حرقة، وعلماؤها يواصلون الليل بالنهار وهم يجربون ويختبرون ويفحصون عساهم يسبقون علماء أمريكا في تكوير المصل اللازم. وقد طورت هيئة جامعية إيرانية جهازا جديدا لفحص الناس حول حملهم للفايروس. لكن حتى الآن لم يتم تصنيع كميات كبيرة تدخل دول العالم وتثبت فعاليتها. وإذا كان الخبر عن تطوير هذا الجهاز صحيحا، فإن إيران ستسارع بالإنتاج الكمي وتصديره ولو مجانا لدول العالم. وإيران معنية بإيصال رسالة قوية إلى الولايات المتحدة مفادها أن عقوباتها على إيران لا تمس الإرادة الإيرانية، وأن إيران دولة ذات بأس واجتهاد وإصرار، ولا يمكن أن تصيبها عقوبات بضعف أو وهن أو تراجع.

من يسبق سينال احترام الأمم وثناءها، وسينال دعوات المصابين، وستعلو مكانته في كل أنحاء العالم.

وأين نحن العرب من هذا السباق؟ نحن قد نملك الدعاء وقد لا نملك. لكننا لا نملك النوايا للقيام بأعمال تسمو بالأمة. حكام العرب لا يملكون وقتا لاحتضان العلماء وإقامة مراكز الأبحاث وتوفير الميزانيات للتطوير العلمي والتقني. هم منشغلون بشهواتهم، وبمؤامراتهم على شعوبهم وتطوير أجهزتهم الأمنية الخائبة.

يتحسر العربي وهو يرى الأمم تكد وتتعب، بينما تبقى أمة العرب في ذيل الأمم تؤكد دوما على عجزها ووهنها وتخلفها.