شبكة قدس الإخبارية

"كنيسة المسكوبية" تاريخ عريق في قلب الخليل

12
آلاء المناصرة

الخليل- خاص قُدس الإخبارية: على تلة مرتفعة في منطقة الجلدة غربي الخليل، تقع "كنيسة المسكوبية"، الوحيدة في مدنية خليل الرحمن ذات الطابع الإسلامي، ولا يسكنها أي من العائلات المسيحية.

ففي الغرب من المسجد الإبراهيمي بنحو أربعة كيلومترات، ووسط البناء المعاصر؛ تقع هذه الكنيسة على قمة جبل سبتى وفيها خمسة رهبان فقط.

يعود سبب التسمية، نسبة لمدينة موسكو الروسية، حيث تتبع للمسيحيين الروس، الذين أتوا إلى فلسطين عام 1868م، وقاموا بشراء قطعة الأرض البالغة 70 دونمًا من أراضي الخليل، وقد تم تسجيل الأرض باسم الفلسطيني المقدسي (يعقوب الحلبي) وذلك لأن الحكومة العثمانية لم تكن تسمح في حينه ببيع الأراضي للأجانب.

وعلى يمين البوابة الرئيسية لكنيسة المسكوبية، تستقبل الزوار لافتة مثبتة بالاسم الرسمي للمكان "بطريرك موسكو.. بعثة الكنيسة الأرثوذوكسية"، "دير الثالث المقدس ومجمع الآباء المُقدسين إبراهيم وسارة".

بعد البوابة الرئيسية لجبل سبتى، -بمحاذاة شارع رئيسي يربط الخليل ببلدة تفوح غربا-، يصعد الزائر شمالًا في طريق بطول مئتي متر ينتهي إلى الكنيسة والدير، وعلى يمين الطريق ويساره أشجار تغطي بظلها أغلب الأرض المحيطة بالكنيسة.

إلى الشرق من مبنى كنيسة المسكوبية تقع مقبرة صغيرة مخصصة لمن يتوفى من الرهبان، وإلى الشمال منها عدة قبور تعود إلى العصر العثماني، تعرضت قبل سنوات للعبث من بعض القائمين على الكنيسة، لكن بتدخل السكان الفلسطينيين أُعيد إغلاقها ودفن العظام المستخرجة، أما شمالًا فيوجد بُرج خُصص سابقًا للمراقبة.

البناء.. و"شجرة إبراهيم"

أقيمت الكنيسة على شكل قاعة رئيسية مستطيلة، وقاعات أخرى مستديرة تعلوها قبتان، بمساحة نحو ستمائة متر مربع، ويحيط بها 71 دونمًا، والمزروعة بأشجار الزيتون والعنب، ويوجد بجوار كنيسة المسكوبية شجرة بلوط كبيرة، يطلق عليها "بلوطة سيدنا إبراهيم الخليل".

يقدر عمرها بأربعة آلاف عام، ويتناقل أهالي الخليل روايات حولها، بأن نبي الله إبراهيم عليه السلام استظل بظلها هو وزوجه، فيما بشّرته الملائكة وهو جالس تحتها بقدوم إسحق عليه السلام، ورغم هذ الروايات غير المؤكدة، إلا أنّ هذه الشجرة أخذت موقعها كمكانٍ سياحي عبر العصور، حيث يأتيها السائحون من كلّ الملل يزورونها ويتمتعون برؤيتها ورؤية الحقول الجميلة الخضراء من حولها.

ففي ظل شجرة بلوط؛ يتكئ حارس الكنيسة المسن أنور زبلح، ولا يزيل هدوء المكان سوى بعض حافلات السياح القادمين من روسيا. وبينما يفتح نجله البوابة يتولى هو تقديم شرح عن بلوطة إبراهيم، ويبيع للزوار شيئًا من الزيت وحبّات البلوط، قبل الانطلاق إلى مبنى الكنيسة.

لا يذكر حارس الكنيسة أن زاد عدد الرهبان فيها على خمسة في أحسن الأحوال، كما لا يذكر أن تعرض أي منهم أو من أملاك الكنيسة لأذى، بل عاشوا في أمن وأمان إلى جانب السكان الفلسطينيين على مدى عقود طويلة، وبحراسة عائلته منذ استئجار الأرض قبل 160 عامًا.

موقع تراثي وتاريخي

يرى الباحث والمؤرخ عبد الفتاح حمد، أن كنيسة المسكوبية معلم مسيحي حضاري فلسطيني، فلها قبتان جميلتان مطليتان بالنحاس البراق، تصميمها من الداخل جميل حيث الأروقة والغرف الواسعة السكنية، إضافة إلى حفر مغارات داخلية، مع وجود أخرى قديمة، ولها نوافذ جميلة بنيت على الطراز الإسلامي حيث الأقواس والزخرفات والأبواب الكبيرة.

وأضاف حمد، أن برج المراقبة المسمى بالطنطورة، أشبه بأبراج القاهرة ودمشق، نمطه إسلامي مملوكي يشبه في شكله منارة وبرج مسجد القيروان في تونس، وقلعة دمشق في الشام. كما يوجد في المكان بقايا معصرة زيتون من العهد الكنعاني يقدّر البعض تاريخ بنائها قبل 4500 عام.

الكنيسة ووقف الصحابة

في عصر الرسول "محمد عليه السلام"، تم وقف أغلب أرض الخليل للصحابي الجليل تميم بن أوس الداري وأحفاده، ضمن وثيقة عرفت في السيرة النبوية باسم "إنطاء تميم".

وتخلفت الكنيسة عن دفع الأجرة عام 1953م، لكن محاميها عاد ودفع الأجرة عام 1960م، ومنذ ذلك الحين لم يتم دفع أي فلس بدل أجرة أرض الكنيسة معلومة الحدود والمساحة، فلجأ الحاج أحمد مجاهد، وجيه عائلة مجاهد وجار الأرض إلى القضاء، على اعتبار أن الكنيسة أخلّت بأهم بنود عقد الإيجار، وهو الاستمرار في دفع الأجرة السنوية، وهذا ما يؤكده نصّ القانون.

ومع اندلاع الثورة الاشتراكية عام 1917م، انقسمت الكنائس الروسية إلى "حمراء" موالية للثورة، وأخرى "بيضاء" منشقة عنها، وظلت كنيسة المسكوبية في الخليل تتبع الكنيسة البيضاء حتى قدوم السلطة الفلسطينية إلى المدينة وإعادتها إلى الكنيسة الحمراء عام 1998م.

حماية المسلمين للكنيسة

اهتم أهل مدينة الخليل بالكنيسة، ومن فيها من بعض القساوسة والرهبان، حيث أكد الراهب المسؤول في الكنيسة (الكيس)، أن أهل الخليل طيبون ويتعاملون معنا باحترام وكرم، وبعض أصدقائنا المسلمين الخليليين يدعوننا إلى مناسباتهم، ونشعر بالأمن والأمان في جوارهم ولم نتعرض للأذى في الخليل طوال إقامتنا.

وإذا كان مسلمو الخليل قد حافظوا على كنيسة المسكوبية ورهبانها، فإن سلطات الاحتلال قد اقتحمتها أكثر من مرة وخاصة عام 1996م وصعدوا على سطحها وعبثوا بأجراسها وحطموا نوافذها العُليا، كما تم اقتحامها عام 2002، وتحطيم أبوابها، أثناء الاجتياح الصهيوني للمدينة، والعبث بمحتوياتها وسرقة الكثير منها.

ولعل الحدث الأكبر تجاه كنائس النصارى الروس في فلسطين هو استيلاء سلطات الاحتلال الصهيوني على كنيسة المسكوبية في القدس وتحويلها الى مركز تحقيق وتعذيب للفلسطينيين.

هل تتسرب كنيسة المسكوبية؟

هناك محاولات لتمليك الكنيسة، بكل الوسائل وهي أرض مستأجرة أصلًا، وهو ما يقابل برفض فلسطيني عبّر عنه السكان بكل الوسائل السلمية دون المساس بالكنيسة؛ مما جعل القائمين عليها أقل ترحابًا بالزوار المحليين داخل المبنى.

وعزز اقتحام عشرات المستوطنين الكنيسة الفترة الماضية، برفقة ضباط في جيش الاحتلال؛ مخاوف الفلسطينيين من احتمال بيعها للمستوطنين، بعد قرار الرئيس الفلسطيني تمليك الأرض للكنيسة، والقضية ما زالت بين يدي القضاء.

ويتبنى وجهاء من مدينة الخليل -على رأسهم عائلة التميمي- الحراك الرافض للقرار الرئاسي بتمليك الأرض للكنيسة، في حين تواصل عائلة مجاهد معركتها القضائية ضد الكنيسة لإخراجها من الأرض بعد تخلفها عن دفع أجرة المكان من جهة، وضد قرار تملكها من جهة ثانية.

وتعود قصة الأرض ليوم 21 رجب عام 1288 هجرية، الموافق الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1871م، حيث أبرم عقد إيجار أرض الكنيسة للبعثة الروسية، فكان الطرف الأول في العقد هو الخليلي صالح مجاهد، متولي وقف الصحابي الجليل تميم الداري، أما الطرف الثاني فهو الأرشمندريت بن أنطوان ممثل الكنيسة الروسية في القدس. وينصّ العقد على تأجير أرض جبل سبتى في الخليل للكنيسة الروسية بسبعة قروش ونصف القرش سنويًا.

المراجع والمصادر:

- العليمي، مجير الدين، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، دار الجيل، بيروت، 1973م.

-ابن كثير، البداية والنهاية في التاريخ، تحقيق: أحمد أبو ملحم وآخرون، دار الكتب العلمية، ط.3، بيروت، 1987م.

-الدباغ، مصطفى، بلادنا فلسطين، دار الطليعة، بيروت،1972م.