شبكة قدس الإخبارية

بمليوني شاقل..

"عائلة واحدة"... مبادرة "تسد رمق" أسر فقيرة بغزة

75
يحيى موسى

غزة- خاص قُدس الإخبارية: يجلس "باسل حسين" في حيرة مع جاره مشاركًا إياه جانبًا من همومه: "والله منا عارف كيف بدي أدبر حالي؟" وذلك بعد نفاد اسطوانة الغاز الأخيرة لديه، قبل أن تصله رسالة هاتفية، لكن انشغاله بالتفكير بما حدث معه، جعله يطلب من جاره قراءتها: "مش فاضي للجوال هلقيت"، لينفعل الأخير ضاحكا: "يلا قوم إجري استلم 200 شيكل من مكتب البريد"، هي في الحقيقة كانت أشبه بهدية نزلت على قلبه فرغم قلة قيمتها إلا أنها انتزعت ابتسامته من وسط الهموم.

تلك البسمة بدت واضحة على ملامح باسل، بعدما استلم مبلغ المساعدة التي جاءت ضمن مبادرة "عائلة واحدة"، التي أطلقها موظفو الوزارات الحكومية بقطاع غزة من مستحقاتهم التي لم تصرف والبالغة نحو ثلاثة مليار شاقل، لصالح العائلات الفقيرة التي لم تستلم مساعدات قطرية أو من الشؤون الاجتماعية خلال الفترة الماضية، وكان حسين واحدًا بين الآلاف منهم.

وأطلق موظفون في الوزارات الحكومية بقطاع غزة، مبادرة "عيلة واحدة" التي تعتمد على التبرع الاختياري من مستحقاتهم المتراكمة على الحكومة، وتستهدف الأسر المتعففة معدومة الدخل التي لم تستفد من المساعدات الموزعة خلال الفترة السابقة، على أن تصرف شهريًا لنحو 5 آلاف أسرة، بقيمة 200 شاقل لكل عائلة، وبدأت بصرف مبلغ مليون شاقل من إجمالي قيمة التبرعات التي دفعها الموظفون من مستحقاتهم، والبالغة حتى اللحظة مليوني شاقل، لصالح المبادرة، وبدأت بصرف الدفعة الأولى، الأربعاء الماضي.

بابتسامة عريضة فردت وجنتيه، وسط ملامح وجهه الداكنة، يقول حسين الذي يغزو الشعر الأبيض رأسه، بعد أن وضع قيمة المساعدة في جيبه لـ "قدس الإخبارية": "لقد استلمتها بوقت مناسب جدًا على صعيدي الشخص، حتى أنني لم أكن أملك دفع مواصلات للقدوم للبريد لولا أن استدنتها من جاري وكنت عازمًا المجيء مشيًا على الأقدام من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وطوال الطريق كنت أتوجه بالدعاء لمن كان السبب في قضاء الحاجات الأساسية لنا".

يتكئ على عكازين ويسير بخطى متثاقلة، كانت الفرحة بادية على وجه المصاب "أبو علي الدالي"، هو يمسك ورقة مكتوب فيها قائمة بأسماء الأغراض الضرورية اللازمة لبيته، لم يخف لـ "قدس" ما يعيشه قائلا: "كما ترى؛ هذه قائمة مشتريات، الآن سأذهب للسوق لشراء الأغراض الضرورية (..) أشكر من استطاع رسم ابتسامتنا".

تسد الرمق

"شيء طبيعي أن تساهم بالتخفيف عن بعض الأسر، لأن وضع مجتمعنا تحت الصفر اقتصاديًا، واليوم أصبحت قيمة الـ 200 شاقل مثل قيمة 2000 شاقل"، يقول مشيرًا إلى قدمه: "هي مصابة بشلل كامل بعدما أصبت أثناء قصف إسرائيلي للمنازل المدنية في شهر رمضان المبارك من العام الماضي، ولا أستطيع العمل وتوفير دخل لعائلة أسرتي".

بالنسبة لحسني بلاك الذي يعيل 11 فردًا، جاءت المساعدة بوقت مهم، خاصة أن قطاع غزة يعيش أزمة "سيولة"، باستمرار تغيب النقود عن الكثير من العائلات، من على أعتاب مدخل "البريد" بمدينة غزة.

يقول لـ "قدس الإخبارية" وهو يسير بخطوات متسارعة: "أعمل في مجال الخياطة بشكل متقطع نظرًا للحصار وإغلاق الكثير من المصانع، لذلك هكذا مساعدات تسد رمقنا قليلًا".

لكن ما آثار استغراب بلاك، أنها جاءت من قبل "موظفي غزة" الذين يتقاضون ما نسبته 40% من مستحقاتهم، وتفاعل مع ذلك بلهجة عامية بعد أن فرد ذراعيه يحتار كيف يعبر عن ذلك: "والله عنجد استغربت كتير كيف تطلع المبادرة من ناس وضعهم صعب زينا".

ويعرف عن أمله أن تعمم هذه المبادرة على موظفي كافة القطاعات الحكومية والخاصة ليكون هناك أوسع حملة تكافل اجتماعي مع الفقراء في غزة.

حال متشابه

أكثر من مليوني شيكل تبرع بها الموظفون من مستحقاتهم، قامت وزارة المالية بغزة أمس بصرف مليون شاقل منها لصالح العائلات الفقيرة، باسل شاهين أحد الموظفين المتبرعين بمستحقاتهم يقول لـ "قدس الإخبارية": "ما نستلمه من راتب بالكاد يلبي الاحتياجات الأساسية لعائلاتنا، وطالما أن هناك آلية أخرى للتبرع بجزء من المستحقات التي لا نستطيع الحصول عليها فلا توجد مشكلة وهذا أمر جيد".

"ما بحس فيك إلا اللي زيك ".. تشابُه حال شاهين مع الموظفين حتم عليه المساهمة بالمبادرة، مضيفًا: "رغم أن وضعي المادي سيء جدًا، إلا أنني أشعر بسعادة وفرحة، بأن تصل هذه المستحقات للفقراء والمحتاجين".

إسماعيل الثوابتة عضو لجنة مبادرة "عيلة واحدة" يقول من ناحيته: إن" المبادرة جاءت من باب الإحساس بعشرات الآلاف من الأسر الفقيرة التي لا يصلها شيئًا من مساعدات المنحة القطرية و"الشؤون الاجتماعية"، بدأت الفكرة قبل شهر من الآن، وبحثنا في كيفية تطوير الفكرة وإن كانت الحكومة بغزة ستستجيب لها".

وأضاف الثوابتة لـ "قدس الإخبارية"، بأن أعضاء الفريق تحلّوا بروح إيجابية، وعقدوا أكثر من اجتماع لأجل تحقيق الهدف الأول للمبادرة باستهداف الأسر الفقيرة و"المعوزة"، خاصة في ظل زيادة نسبة الفقر بين أبناء الشعب الفلسطيني، وتحركت بسلسلة من الإجراءات وجلست مع وكيل وزارة المالية عوني الباشا، للتأكيد على عدم التأثير على نسبة الصرف للموظفين.

تبرع اختياري

وتعوّل المبادرة على ما يزيد من الفائض الحكومي بعد صرف نسبة 40% من رواتب الموظفين وكذلك الأوامر المالية والنفقات التشغيلية، وتأتي في وقت تبلغ فيه مستحقات الموظفين المتراكمة على الحكومة بأكثر من ثلاثة مليارات شيكل.

وبحسب الثوابتة، بإمكان أي موظف الاشتراك بالمبادرة بشكل اختياري، من خلال خطوات محوسبة تبدأ بالدخول على الحساب الحكومي الموحد، ويقوم الموظف بوضع مبلغ من مستحقاته في خانة تسمى "حافظة"، ومن ثم يذهب لرابط آخر ليتبرع من هذه الحافظة لصالح مشروع "عيلة واحدة"، ثم تصل رسالة هاتفية برقم "كود" والذي يدخله بخانة تحقق تتم عملية التبرع.

وعن مدى تفاعل الموظفين معها، كشف أنه في أول ثلاث ساعات من إطلاقها وصلت قيمة التبرعات إلى مبلغ 35 ألف دولار، أحد الموظفين تبرع بمبلغ 10 آلاف دولار، وآخر بمبلغ 4 آلاف، حتى وصلت قيمة التبرعات حتى اللحظة إلى أكثر من مليوني شاقل.

ولفت إلى أن عملية صرف الدفعات ستتم بشكل شهري، وأن آلية التبرع شهريا أو بدفعة واحدة حسب ما يريده الموظف "اختياريا".

وبشأن معايير توزيع المساعدات، أوضح أن لدى وزارة التنمية والشؤون الاجتماعية قواعد بيانات كبيرة وممتدة يتم تحديثها بواسطة باحثين اجتماعيين، يدققون في هذه المعلومات، مشيرا إلى أن المبادرة اعتمدت على معايير محددة ومضمونة من خلال قاعدة بيانات وزارة التنمية الاجتماعية، بأن تكون العائلات المستهدفة غير مستفيدة من أي مساعدات سابقة.

وحول إذا ما كان المبلغ الذي ستصرفه وزارة المالية ثابتًا كل شهر، أكد أن هذا الأمر معتمد على عملية الإيرادات غير المنتظمة، لكن الصرف سيكون شهريًا في كل دفعة تستهدف 5 آلاف أسرة جديدة.