شبكة قدس الإخبارية

بالصور| "حارة القزازين".. تاريخٌ عريقٌ وأصالة

41
آلاء المناصرة

الخليل-خاص قُدس الإخبارية: تميزت مدينة الخليل في بلدتها القديمة ذات العراقة والأصالة، التي يعود تاريخ مبانيها الحالية إلى العهد الأيوبي والمملوكي والعثماني، وتمتاز بنظامها المعماري المميز، وفيها العديد من المباني الأثرية والتاريخية، والقناطر، والأزقة، والأسواق القديمة.

ومن أهم حارات مدينة الخليل القديمة هي حارة القزازين أو "الزّجاجين"؛ وكانت حارة القـزّازين فيما مضى تسمّى بحارة الزّجّاجين نسبة إلى الصنعة التي تركزت فيها وهي صناعة الزجاج، وكانت عائلة النتشة هي من احترفت هذه المهنة.

أمّا اسم الحارة، فقد حُرّف مع الأيّام الى اسم "حارة القزّازين"، لأنّ أهل البلد يطلقون بالعامّيّة على كلمة زجاج "إزاز/قزاز"، ويقولون (حارة الأزّازين)، ثمّ أصبحت تعرف باسم حارة القزّازين.

تقع حارة القزازين غرب المسجد الإبراهيمي، وهي جنوب حارة السّواكنة. تحدها كل من منطقة عين العسكر، وشارع الشّهداء مع المقبرة الشّمالية، ومنطقة الكراجات، وجزء من سوق الخضار المركزيّ المحاذي لحارة بني دار، وتنتهي حدودها أمام قنطرة (السّوق العتم) التّابع لحارة (العقّابة). أمّا حوش الشّرباتي، وحوش دنديس، وحوش الشعراوي فهي تتبع لحارة القزّازين.

وتتميز هذه الحارة أن لها أربعة مداخل رئيسة، وكانت لها بوّابات يتمّ إغلاقها ليلا حسب حاجة أهل البلد، وكان لكلّ حارة حارس ليليّ، ولكن مع نهاية حكم الدّولة الإسلاميّة العثمانيّة، تمّ فتح تلك البوّابات، ولم يتمّ إغلاقها بعدها مرّة أخرى.

فالمدخل الشّماليّ لحارة القزّازين من منطقة عين العسكر: وكان يُفضي إلى الحارة بين صفّ واحد من الدّكاكين على جهة اليمين، ومدخل قنطرة الشّلّوديّ على اليسار، ثمّ يتّسع تدريجيّا بين صفّين من الدّكاكين حتّى تصل إلى ساحة أمام مدخل مدرسة أسامة بن منقذ (من جهة الحارة)، وهذه السّاحة محاطة بالحوانيت من جهات ثلاث. ثم تضيق مرّة أخرى بين صفّين من الحوانيت حتى تصل ساحة واسعة محاطة بالمحال التّجاريّة من كلّ جانب أمام (مقهى بدر)، وكان على يسار المقهى (مسجد القزّازين القديم) وكان صغيرًا يتّسع لعدد قليل من المصلّين.

وفي الجهة المقابلة لمقهى بدران، وإلى يمين الذّاهب إلى مدخل السّوق الجنوبيّ، كان هناك مخفرًا للشّرطة، في المنطقة التي يضيق فيها الطّريق مرّة أخرى ليتفرّع إلى طريق سوق الخضار، أو طريق سوق اللّحّامين. والمدخل الجنوبيّ لحارة القزّازين يبدأ من سوق الخضار المركزيّ وكان يؤدّي إمّا إلى سوق اللّحّامين من جهة اليمين (وهو من ضمن الحارة)، أو إلى سوق القزّازين بطريقٍ مستقيم.

مدخل خان شاهين وكان يوصل بين سوق القزّازين، وطريق (الكراجات) الفاصل بين الحارة والمقبرة الإسلاميّة. وكان خان شاهين في حارة القزّازين خلف (بركة القزّازين)، والتي تمّ بناء مسجد فوقها عام 1924م.

أمّا الخان فقد تحوّل فيما بعد لبيع القشّ والأعلاف والحبوب، وكان يعود لأبناء "الحاج عبد الحافظ شاهين"، وفي نهاية السبعينيّات، تمّ هدم الخان، وتمّ بناء صفّين من الدّكاكين. وتحوّل إلى سوق شعبيّ، وهذا السّوق كان يقع بين مسجد القزّازين ومسجد أهل السّنّة، أي بين سوق الخضار وسوق القزّازين. وكان سوق القزّازين يحوي كافّة المهن والصّنائع والتّجارة.

وكان المدخل الرّابع لحارة القزّازين يؤدّي إلى ساحة (الكراجات) عند المدخل غير الرّئيسي لمدرسة أسامة بن منقذ (من جهة الحارة)، أو ما يعرف باسم (طلعة التّنانيري).

بين الماضي والحاضر

يعد سوق القزّازين الشّريان النّابض بالحيويّة والنّشاط، وهو يعد من أسواق المدينة التاريخية، فقد بني في العهد الأيوبي، وتطور عمرانه في العهد المملوكي، بأقواسه التاريخية وأروقته الجميلة، وعاش السوق شيئاً من الكساد في العهد العثماني واعتبر من أهم أسواق مدينة الخليل حتى تاريخ الانتفاضة الأولى عام 1987.

الاحتلال، وضع بوّابات حديديّة لمنع المتسوّقين من الدّخول أو الخروج من وإلى السّوق. وكان جنود الاحتلال أحيانا يغلقون السّوق ويعتقلون الشّباب، وذلك من أجل إرغامهم على عدم التّفكير بدخول السّوق مرّة أخرى.

ومع الأيّام أصبح وضع التّجّار في البلدة القديمة بأسواقها كافّة تنهار تدريجيّا إلى أن حصلت مجزرة المسجد الإبراهيميّ، وحينها أغلق الاحتلال البلدة القديمة عدّة شهور متتالية، وبعدها ضيّقوا الخناق على التّجّار، وكانوا يرغمونهم على إغلاق محالّهم أغلب أيّام السّنة إلى أن أجبروهم على الفرار بتجارتهم التي تلفت أو كسدت بسبب طول المدّة الزّمنيّة لهذه الإغلاقات المستمرة، وانتقل التّجّار إلى منطقة باب الزّاوية ووادي التّفّاح وما حولهما، وإلى باقي أحياء المدينة.

وكذلك خان شاهين بين مسجدي القزّازين وأهل السّنّة، وسكن تلك المنطقة عائلات: "بدر، وشاهين، والنّاظر، وأبو ماضي". وكانت المقبرة الشّماليّة القريبة من "العين الجديدة" تتبع لحارة القزّازين، وسكنتها عائلات: "الشّرباتي، وبدر، وسمّوح، ومسودة"، وغيرهم الكثير من عائلات جبل الخليل.

وعندما تتجول بين أزقة سوق القزازين، ترى القناطر المسقوفة أحيانًا والمكشوفة أحيانًا أخرى، إضافة إلى شوارعها المبلطة بحجارة خليلية تاريخية كبيرة الحجم، فالحوانيت الملتصقة جنبًا إلى جنب، والمنازل والقصور الشعبية المشيدة فوق الحوانيت، والمطلة على ساحات السوق ومساجدها التاريخية، تؤكد على عراقة المكان وحضارته، حيث تضم هذه السوق مساجد عدة، منها مسجد القزازين بمئذنته التاريخية.

ولكن ما يقتل فرحة الزائر لهذا المعلم التاريخي، أن السوق اليوم يطاله الإغلاق، حيث بوابات الاحتلال الحديدية والإلكترونية حالت دون وصول الناس إليه، إضافة إلى الإجراءات العسكرية الصهيونية المعقدة، والاعتداءات المتكررة من قبل المستوطنين المقيمين في قلب المدينة ضد الفلسطينيين.

المصادر:

- العليمي، مجير الدين، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، دار الجيل، بيروت، 1973م.

- أبو سارة، نجاح، الزوايا والمقامات في خليل الرحمن، جامعة الخليل، 1986.

-ابن كثير، البداية والنهاية في التاريخ، تحقيق: أحمد أبو ملحم وآخرون، دار الكتب العلمية، ط.3، بيروت، 1987م.

-الدباغ، مصطفى، بلادنا فلسطين، دار الطليعة، بيروت،1972م.