شبكة قدس الإخبارية

تحليل: ما مآلات لقاء نتنياهو مع البرهان؟

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: أثار اللقاء الذي عقده لقاء رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان مع رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، في أوغندا يوم أمس، استنكارات واسعة من الفصائل الفلسطينية وشخصيات سودانية، ومجموعة من التساؤلات، حول أهداف دولة الاحتلال من إقامة علاقة مع السودان، وانعكاسها على فلسطين.

وكشفت صحيفة "واشنطن بوست"، اليوم، نقلاً عن مسؤول عسكري سوداني، أن لقاء البرهان مع نتنياهو "رتبت له الإمارات، بعلم السعودية ومصر، وعدد من المسؤولين السودانيين".

دور إماراتي سعودي

وأوضح الكاتب والباحث ساري عرابي "لقُدس الإخبارية"، أن "علاقة البرهان الوثيقة بالإمارات والسعودية، تؤكد وقوفهما خلف توجهه نحو إقامة اتصالات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي".

وأضاف: "وجود البرهان في موقعه السياسي الحالي، بعد التغيير الذي حدث في السودان مؤخراً، جاء بدعم سعودي وإماراتي، بالإضافة لدوره مع القوات السودانية التي قاتلت بجانب التحالف في اليمن".

وحول هدف البرهان من العلاقة مع الاحتلال، يبين عرابي: "ربما يكون لديه رؤية أن رفع الحصار المفروض على السودان، منذ سنوات، قد يتم من باب العلاقة مع إسرائيل".

مصالح الاحتلال من العلاقة مع السودان

وقال عرابي، إن "إسرائيل تسعى دائماً لتطبيع وجودها في المنطقة، وهي قضية وجودية بالنسبة لها، أن يتم التعامل معها من الأنظمة والشعوب، ككيان طبيعي وليس كدولة احتلال طارئة على المنطقة، وتوسيع تحالفها الذي شكلته في السنوات الأخيرة، مع نظام عبد الفتاح السيسي والإمارات والسعودية".

وأضاف: "عدا عن ذلك فإن السودان، شكل لسنوات، داعماً ليس فقط سياسياً للمقاومة الفلسطينية، بل ممراً لقوافل السلاح في طريقها إلى قطاع غزة، وقد شن طيران الاحتلال غارات استهدفت عدة مواقع على الأراضي السودانية، قيل إنها لمصانع وقوافل العتاد العسكري".

ويرى عرابي، أن "البرهان سيمضي قدماً في العلاقة مع دولة الاحتلال، ولكن ستبقى الاتصالات وما يترتب عليها، سرية، نظراً لرفض الشعب السوداني لها، والقسم المدني في النظام لم نعرف موقفه منها، عدا عن أن حضور قضية فلسطين، قد تنعش الحركة الإسلامية، التي يعمل النظام الحالي على تطهير الدولة منها".

علاقات في الخفاء

من جانبه يقول الصحفي والباحث في الشؤون الإسرائيلية، أنس أبو عرقوب إن "هناك لقاءات جمعت قيادات من النظام السوداني السابق مع مسؤولين أمنيين في دولة الاحتلال، خلال السنوات الماضية، بالإضافة لدور النظام السوداني في تهجير مئات الإثيوبيين من مطاراته، إلى دولة الاحتلال، خلال القرن الماضي".

"كما شهدت ألمانيا، في العام 2019، اجتماعاً بين رئيس جهاز المخابرات السودانية صلاح قوش، مع رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين، وقد بحثا إقامة علاقات استخباراتية مشتركة"، يبين أبو عرقوب.

وأضاف: "اختصار العلاقات بين إسرائيل والنظام السوداني، بأنها في حالة عداء، لا تقدم توصيفاً دقيقاً أحياناً عن ما يجري من اجتماعات في الخفاء، فعلاقات دولة الاحتلال قديمة مع عدة دولة عربية، رغم تصريحات مسؤوليها النارية ضدها".

ترحيل اللاجئين السودانيين

وأوضح أبو عرقوب، أن "دولة الاحتلال ترسم عدة أهداف، من فتح الاتصالات مع السودان، من بينها ترحيل عشرات آلاف السودانيين، الذين هاجروا إلى فلسطين، من دارفور وجنوب السودان، في السنوات الأخيرة، ويشكلون أزمة لإسرائيل، خاصة أنهم أقاموا تجمعات لهم حول "تل أبيب".

وأضاف: "بالنسبة للعسكر في السودان، فإنهم يطمحون، أن تكون الاتصالات مع إسرائيل، مدخلاً لتبييض صورتهم أمام العالم، بعد أن وجهت لهم اتهامات بارتكاب جرائم في دارفور وغيرها".

فشل للدبلوماسية الفلسطينية؟

يرى الباحث محمد حامد العيلة، أن "لقاء البرهان مع نتنياهو، هو تعبير صارخ عن فشل الدبلوماسية الفلسطينية، وبكل أسف فإنه من المتوقع أن يستمر الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق اختراقات على صعيد علاقاته الدولية وليس على حساب بلدان كانت صديقة تاريخيًا للشعب الفلسطيني فقط، كالهند والصين والبرازيل والأرجنتين والبارغواي، وإنما على حساب دول شقيقة وداعمة مثل السودان".

وأضاف: "مكانة القضية الفلسطينية تراجعت مؤخرّا على الصعيد العربي والإسلامي، ولم تعد في الموقع الذي يجب أن تكون فيه، ومعالجة هذه المشكلة في يد شعبنا الفلسطيني عبر إعادة احياء المقاومة بمختلف أشكالها، وأن يتوسع مداها الجغرافي لتكون حيث يتواجد الفلسطيني".

وقال: "العلاقات العربية مع دولة الاحتلال ليست بالأمر الجديد، لكن مقاومة الشعب الفلسطيني هي من دفعتهم لقطعها، أو على الأقل اخفاءها عن الإعلام، حيث أن عدداً من الدول العربية أغلقت السفارات أو مكاتب التمثيل الإسرائيلية بعد اشتداد المقاومة، مثل المغرب وتونس والبحرين وعُمان عام 2000 بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، وما قامت به قطر وموريتانيا عام 2009 بعد الحرب الأولى على قطاع غزة وصمود المقاومة".

وحول دور النشطاء في تعزيز وجود القضية الفلسطينية في الوعي العربي، يقول العيلة، إن "النشطاء جزء من المقاومة، ودورهم هام في الضغط والمناصرة لقضيتنا، وكبح عمليات تزييف الوعي التي تمارس بقصد حول قضيتنا الوطنية، وعليهم دور في تعرية المتعاونين مع الاحتلال من أمتنا".

"بالإضافة لتوضيح الانعكاسات السلبية على الأمة من هذه العلاقات، فالاحتلال الإسرائيلي لا يخدمه سوى القوى الديكتاتورية، ويدرك أن الشعوب إن قالت كلمتها فستكون نعم لإزالة هذا الاحتلال"، يقول العيلة.

دور الشعب السوداني في رفض التطبيع

وأوضح العيلة، أن "الشعب السوداني قدّم الشهداء في سبيل دعم المقاومة ، ويعتبر فلسطين قضيّة مركزية، ومطلوب منه في هذه الفترة أن يعبر عن رفضه للخطوة التي قام بها البرهان، حتى يبقى الرأي العام السوداني وتضامنه مع فلسطين صخرة أمام أي توجه فردي أو جماعي رسمي لإقامة علاقات مع الاحتلال".

وأضاف: "الاحتلال استثمر الصراعات البينية لدى دول المنطقة، وقدّم نفسه كممر اجباري وقصير للوصول إلى نيل هذه الدول الرضى الأمريكي، مع تقدير هذه الدول المتصارعة بأن واشنطن صاحبة الحسم في المنطقة، ومن يستطيع استمالة موقفها يملك كفة الميزان الراجحة لصالحه".

"مع إبراز مخاوف استراتيجية مشتركة بينهم، وأن لدى الاحتلال حاجتهم خصوصًا في القدرة الاستخبارية والتكنولوجيّة" يبين العيلة.

"ويرى الاحتلال بأن تمثيل الشعوب لأنفسهم بطريقة ديمقراطية سيعكس مزاجهم العام حيال الاحتلال في قرارات دُولهم ما يعني مآزق جديدة للكيان الإسرائيلي"، ويضيف: "وهذه الرغبة تلاقت مع دول محور الثورات المضادة، التي أرادت إعادة رسم الخارطة السياسية والأمنية للمنطقة بطريقة تتعارض مع ما تريده الشعوب".

وحول شكل العلاقة في المستقبل، يرى العيلة أن "هناك وهم رسمه داعمو البرهان من القوى الإقليمية، في ذهنه بأن بوابة إزالة السودان من قوائم داعمي الإرهاب الامريكية هو إسرائيل"

"إلا أنني لا أعتقد أن هنالك علاقة رسمية ستقوم بين السودان والاحتلال، لأنها ليست بناءً على تقدير مصلحة سودانية، أو نتيجة لتشيد العلاقة بعيدًا عن الاعلام، وإنما تقديم أطراف اقليمية السودان كهديّة إلى نتنياهو المأزوم على غرار هدايا ترامب، ليعزز من فرص نجاحه في الانتخابات القادمة"، يضيف.

وقال: "هذا اللقاء احتفالي أكثر من أنه لقاء سياسي، وهذا المسار يحمل بذور انتكاسته أكثر من استمراره، لوجود أطراف أخرى في السودان ترفضه وستعمل على افشاله، ولأن نتنياهو نفسه قد لا يُعاد انتخابه".

وأشار إلى أن "أي علاقة بين الاحتلال وطرف إقليمي أو دولي فسينعكس سلبياً على المقاومة الفلسطينية سواء سياسيًا، أو على المستوى الفني وخصوصًا دولة مثل السودان التي ضحّت بعشرات الشهداء في سبيل إيصال السلاح والمعدات إلى المقاومة الفلسطينية، وتوفير بيئة نشطة لكوادر المقاومة".

وأضاف: "إلا أن التراجع السوداني عن تقديم المساهمة المباشرة لدعم المقاومة الفلسطينية، بدأ قبل هذا اللقاء بعدّة سنوات، حين اتخذ البشير استدارة في سياسته الخارجيّة، رغبة في الخروج من أزماته، والتي أتت على حساب المقاومة".

تغلل إسرائيلي في إفريقيا

من جانبه، قال الباحث في الشؤون الإسرائيلية، ضياء الحروب: "في قراءة وفهم العلاقات الإسرائيلية - الإفريقية، لا يمكن لنا إلا الاعتراف بأهمية الصراع العربي مع دولة الاحتلال، في التأثير على مسار هذه العلاقة".

وبيَن الحروب، أن "إسرائيل تدرك جيدًا أهمية الساحة الإفريقية، في إدارة الصراع مع العرب، وبالتحديد الثقل التذي تتمتع به إفريقيا في الأمم المتحدة".

"وهو ما تبين حقيقة في المد والجزر الذي شهدته العلاقة بين إفريقيا وإسرائيل، بين حرب أكتوبر 1973 ومؤتمر مدريد للسلام 1991، فقد شهدت فترة السبعينات مقاطعة دبلوماسية إفريقية لإسرائيل، وفي التسعينات عادت العلاقات أفضل من أي وقت مضى"، يضيف الحروب.

وأكد أن "قادة دولة الاحتلال أدركوا منذ البداية أهمية القارة الاستراتيجية والحيوية للأمن الإسرائيلي، وما تحتويه من ثروات طبيعية ومعدنية ومخزون استراتيجي من المياه".

وقال: "تتمتع كل من مصر والسودان بالاهتمام الأكبر لدى إسرائيل، نظرًا لموقع كل منهما وثرواته وقوته الاقتصادية وامتداده الجغرافي، في قلب إفريقيا والمنطقة العربية".

وأشار إلى أن "أوغندا التي زارها نتنياهو يوم أمس، والتقى فيها مع عبد الفتاح البرهان، كانت قد قطعت مع إسرائيل في العام 1972 قبيل حرب أكتوبر".

"الحروب والمواجهة بين العرب وإسرائيل، أحدثت تعقيدًا في تركيبة العلاقات الإسرائيلية الافريقية مثلها مثل مبادرات التسوية السلمية في المنطقة"، يبين الحروب.

وأكد أن دولة الاحتلال تقدم مساعدات وخدمات عسكرية لدول مثل أثيوبيا ودول القرن الافريقي، وخدمات تحت عنوان التنمية المستدامة مثل "ضمان الأمن الغذائي" و"سلامة مياه الصرف"، و"الصحة العامة" و"الخدمات الزراعية" في كل من كينيا وأوغندا والكاميرون".

"كما يشكل البحر الأحمر، ونهر النيل، نقطة مفصلية في هذه العلاقة، وبالتالي تسعى إسرائيل إلى تمتين العلاقة مع دول القرن الافريقي، نظرًا لاتصالها بالبحر الأحمر، وقناة السويس، وخليج العقبة من جهة، والخليج العربي من جهة ثانية، فمعظم النفط العالمي يمر من هناك"، كما يوضح الحروب.

وقال: "إسرائيل تحاول دائمًا وضع موطئ قدم لها قي الأسواق الافريقية الواسعة، في ظل عجزها عن التغلغل في بعض الأسواق العربية، ومعروف دورها الذي تلعبه في المنطقة في صراع المياه بين دول حوض النيل، مستفيدة من نفوذها الكبير في دول مثل إثيوبيا وكينيا ورواندا".

وبالنسبة للسودان فيرى ضياء: "إذا نجحت الثورة السودانية في عمل تغيير باتجاه مجتمع مدني لا يحكمه العسكر، فهو أمر سيؤثر مباشرة على نظام الحكم في مصر ويثير حماسة الشعوب بشكل أكبر للثورة، وهذا ما يخشاه الاحتلال وأميركا، وسعوا لإفشاله".

من جانبه اعتبر وزير الخارجية، رياض المالكي، في تصريحات صحفية اليوم، أن "اللقاء الذي جمع البرهان مع نتنياهو، يأتي في إطار محاولات الأخير إحداث اختراقات في القارة الأفريقية، ونحن بانتظار ردود فعل القوى الحية في السودان المشكل منها".