شبكة قدس الإخبارية

كيف يصبح الفجر العظيم فجر أمة؟

tblyw

... وتقدم السلطان محمد الفاتح ليصلي بالناس إماماً بعد فتح القسطنطينية في مسجد أيا صوفيا  فشقَّ الصفوف والتفت لجموع المصلين وقال لهم: فليتقدم للإمامة من لم تفته صلاة الفجر جماعة منذ فُرِضَت عليه!

فالتفت المصلون على بعضهم البعض دليل على أنها فاتتهم فقال الفاتح "أما أنا فلم تفتني" وشرع بالصلاة ...

لقد كان الفاتح ابن الثلاثة وعشرين ربيعاً فقط يعي أنَّ للصلاةِ أبعاداً أكثر من كونها حركاتٍ تؤدى وشعائرٍ دينية وقلبية محضة يؤديها المسلم، بل رسائل وفلسفة كاملة الأركان قائمة البناء منذ أن يقول المؤذن "الله أكبر" حتى يقول الإمام "السلام عليكم ورحمة الله".

يُحكى أن شيخ محمد الفاتح وفاتح القسطنطينية المعنوي آق شمس الدين كان في تربيته للسلطان يربط بين آيات القرآن والأحاديث النبوية وبين واقع الحياة العملية، فمع تركيزه على الفقه والعقيدة وحفظ القرآن كان يعلم أثر اللغات في تنشأة القادة فعلَّمه التركية والفارسية والعربية، ثم كان يفهم حركة الزمن وتبدُل القُوى فقرأ عليه التاريخ، وأما أبرز ما برع فيه فهو إقناع السلطان الصغير بأنه هو المقصود من حديث الحبيب المصطفى صلى الله عليهوسلما القائل "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش" فما كان ذلك الحديث كلمات تقرأ وتحفظ في الصدور ويُنتظرُ جزاء ذلك الجُهد في الآخرة بل كانت رسائل نورانية ينتظر الفاتح تحققها وتؤرق مضجعه وتُبعد النومَ عن عينيه.

في قاموس "آق شمس الدين" لم يكن الدين "آفيون الشعوب" بل كان المنشط الأكبر والدافع المحفز لبسط نفوذ الإسلام وإشراق شمس العدالة في العالم فكانت صلاة الفجر التي لم يتغيّب عنها تلميذه الفاتح في جماعةٍ أبداً تحمل في طياتها معنى الإعداد وتحمل المشاق في سبيل تحقيق المُراد، ولقد كان رفع الغطاء في شتاء تركيا المُثلج من أجل أداء صلاة الفجر تعني رفع الظلم وإقامة الحق.

عُذراً، لقد كان رفع الغطاء يعني "العمل" على رفع الظلم وإقامة الحق، فكما أن السماء لا تُمطر ذهباً ولا فضة فالصلاة المُجردة لا تمطرُ نصراً ولا فتحاً!

فقد كان حشد الناس لصلاة الفجر في قاموسه يعني حشد ربع مليون عسكري في جيشه لفتح آخر عواصم الإسلام، ثم كان استجلاب أصحاب الصوت الجميل لإمامة الناس في الفجر وفي كل صلاة يوازيها استحضار مهندسٍ يُدعى "أوربان" البارع في صناعة المدافع الذي صنع المدفع السلطاني الشهير والذي كان له أُثراً كبيراً في الفتح، ثم كانت حركة إعمار المساجد تعني تشييد قلعة "روملي حصار" التي بلغ طولها 82  مترا والتي كانت موقعاً رئيسياً ونقطةً حساسة في حركة الفتح.

بهذه الطريقة، وبهذا الفكر النوراني المتسع والمتشعب رسم محمد الفاتح ومن خلفه شيخه آق شمس الدين فجر الأمة الإسلامية الذي أشرقت شمسه على أكبر بقعة جغرافية من العالم على مدار قرون من الزمن، فكيف يُمكن أن يصبح فجرنا العظيم نحن أيضاً فجر أمة؟

في ظل الهجران الكبير للدين وللشعائر الدينية قد تكون تلك المبادرات وعلى رأسها مبادرة "الفجر العظيم" نشاطات رائعة تعيد للمساجد أهميتها وهيبتها لكن علينا أن نفهم أن الفجر هو أصغر الخطوات في مشوار "فجر الأمة العظيم" لا آخرها، وأنه أولى أمطار الشتاء لا أواخر رذاذ الربيع، وأنها حرف "الألف" في متن القصيدة لا "يائها" ولنعي جيداً مسؤولية حشد الناس لتطبيق صلاتهم عملياً التي لها بداية داخل المسجد ولا تنتهي خارجه وإنما تنتقل معهم في بيتهم وتربية أبنائهم وأمانتهم في عملهم وإخلاصهم لقضايا أمتهم ومسجدها الأسير في مقدمة تلك القضايا.

ما أحوجنا اليوم لفهم يشبه فهم الفاتح وفهم شيخه وأستاذه آق شمس الدين في إنزال الآيات والأحاديث منزلتها الصحيحة وإخراجها من مقبرة الصدور إلى نور التطبيق والعمل بعيداً عن الدروشة والدعوة للخمول والتزام "الصوامع" التي ترفع في ميزان الآخرة أما في ميزان الدنيا فهي دافع وحافز ورسائل تُقرأ في كلِ صلاة لكنها بلا حركةٍ ولا عملٍ لا تسمن ولا تغني من جوع.

في ميزان الحضارة وصناعة الدول لم يكن أبو ذر الذي لم تقل الغبراء ولم تظل السماء أصدق حديثاً منه، لم يكن يصلح للإمارة! ولم يكن "سيف الله المسلول" صاحب كفاية لإمامة الناس في الصلاة، ولم يَسمح صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن الزبير في الأذان وكلَّفَ بالمهمة بلال بن رباح.

لقد كان هذا التوزيع المُحكم للمهام من صميم علمِ الإدارة الذي تحكمه المهارة والقدرات، فما كان أبو ذر يترك الفجر جماعةً لكنه لم يكن يستطيع الحكم وما كان "عبد الله بن أريقط" يعرف طريق المسجد لكنه كان ماهراً في الطريق فاستعان به الحبيب على تلك المهمة.

ختاماً، فلنجعل من فجرناً العظيم فجر أمة، ولنجعله بداية تصحيح البوصلة والانطلاقة ولنفهم أنها بداية الطريق، أو لربما المفترق المنحدِر الذي سيحل بعده من عُقَد إن نحن فهمنا مغزاه ورسائله، أما إن كانت صلاة لأجل الصلاة فلن تعدو على كونها حسنات تُسجل في صحيفة كل مصلي لا تغير في الواقع شيئاً، وأما إن أخذت معنى "وأعدوا" ستكون الخيمة التي يَطل صلاح الدين عليها ليلاً ويجد قاطنيها مبتهلين بين صلاة ودعاء ليقول هذه المرة "من هنا يأتِ النصر"، أما ما سوى ذلك فإني لا أرى إلا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول "اذهب فاحتطب ولا أراك خمسة عشرَ يوماً".

#الفجر #الصلاة