شبكة قدس الإخبارية

إسراء .. الفلسطينية التي كسرت قوانين العنصرية بـ”حجابها”

إسراء مرعي
فاطمة محمد أبو سبيتان

فلسطين المحتلة - خاص بقدس الإخبارية: دائماً ما كان الحجاب “عائقًا” في طريقها، في كلّ مرّة تحاول أن تخطو خطوة جديدة في حياتها، يقف “الحجاب” أمامها، لكنّها لم تفكّر أبداً بخلعه لكسب طموحاتها وتحقيق أمانيها، بل كان دافعًا لها حتى أصبحت اليوم أول فلسطينية مُحجّبة تعمل في شركة فنادق “دان” الإسرائيلية.

إسراء شيخ مرعي شابة فلسطينية تبلغ من العمر 29 عامًا من قرية “الفريديس” بمدينة حيفا المحتلة، لم تُسعفها المادّيات لاستكمال تعليمها في “علم النفس”، فبعد عام ونصف من الدراسة قرّرت أن لا تُكمل في هذا المجال، حيث أنها كانت تعمل لمدة 12 ساعة وتدرس أيضًا في آن واحد، ما جعل الأمر شاقّاً عليها.

مكثت في منزلها فترة طويلة بدون عمل، فاستغلت وقتها في صنع الحلويات والطبخ بشكل عام، فقد كانت تحبّ دخول المطبخ، وتحضير الوجبات والكعك، وكلّما أعدّتْ شيئاً أطعمتْ أهلها وجيرانها منه، حتى باتوا يقولون لها لماذا لا تعملين في هذا المجال، ويطلبون منها أن تعمل كعكة ميلاد لفلان، أو كعكة تخرج لفلانة.

دراسةٌ حقيقة لا دورات تعليمية

لكنّ طموح “إسراء” لم يكن ماديّاً، ولم تُعجبها تلك الفكرة، لكنها فكّرت بشكل أكبر في تطوير مهاراتها في صنع الحلويات من خلال الانترنت، وتقول لـ”قدس الإخبارية”: “قرّرت أخيراً أن أدرس في هذا المجال، لا أن أحصل على دورة، فسجّلت في كلية بتل أبيب وكنت أنا الوحيدة المحجّبة في دفعتي للعام 2016-2017”.

وتُضيف أن نظرات الجميع للحجاب دائماً مُلفتة، كونهم جميعاً يهود سواء الطلاب أو الأساتذة، لكن هذا الأمر لم يزدها إلّا قوّة ومُثابرة لتكون إحدى المتفوقات في دفعتها، وبعد عام أنهت دراستها في الكلية، وجهّزت السيرة الذاتية الخاصة بها وقدمتها للكلية، كانت قد طلبت من جميع الطلاب فعل ذلك لمساعدتهم على إيجاد عمل.

وتبيّن إسراء أنها توقّعت أنه خلال أيام ستحصل على وظيفة كوْن أساتذتها في الكلية يشهدون على دقّتها وإتقانها لعملها. لم تحصل على عمل وبقِيَتْ في المنزل، لكنها تفاجأت بأن السبب وراء ذلك هو “الحجاب”.

الحجاب زادها إصراراً على الاستمرار

لم تُبدِ تلك الشابة الفلسطينية أي اهتمام لما حصل، بل على العكس، كان حجابها دافعًا لأن تطوّر نفسها وتستكمل دراستها لكن بمستوى أعلى. تقول إسراء إن فرنسا تشتهر في مجال الحلويات فبدأت تتابع أشهر “الشيفات” الفرنسيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى وصلت لكلية تُدرّس كيفية صنع الحلويات لمدة أربعة شهور بشكل مكثف ليلاً ونهاراً في فرنسا، ولم يتبقّ وقتها إلّا مكاناً واحداً لشخص واحد، فهل كانت هي حليفة الحظ؟

باعت إسراء كلّ ما لديها وجمعت المال من هنا وهناك كي تحصل على هذا المكان، وبالفعل تمكنت بعد مقابلة عبر “سكايب” من الالتحاق بالتعليم في فرنسا، وكانت المشكلة الوحيدة “مبدئياً” هي لغتها الإنجليزية الضعيفة (كانوا يتحدّثون الإنجليزية بسبب اختلاف لغات الطلاب).

كانت تعرف اللغة الإنجليزية قراءة وكتابة لكنّها لم تُمارسها فاللهجة العربية والعبرية هي المتداولة في حيفا والداخل المحتل، وكان معها شهر واحد فقط لتتمكن من الحديث باللغة الإنجليزية بشكل جيد تستطيع من خلاله فهم كل ما يدور حولها، وبإرادة قويّة تمكنت من ذلك وسافرت لتحقيق حلمها.

رحلة فرنسا 

لم تتوقع إسراء أن تشعر بهذه العنصريّة بالشكل الذي رأته حال بدء الدراسة، سواء من الطلاب أو إدارة الكلية، بسبب الحجاب أيضاً (هي الوحيدة التي تلبس الحجاب) وهذا ما جعلها تُثبت حضورها وإمكانيتها ومهاراتها، كي تكسب “البعض”، نعم “البعض”.

تقول إسراء إنها وصلت فرنسا وغادرت دون أي تغيير يذكر، فالطلاب نبذوها بسبب حجابها، وإدارة الكلية أيضًا، وأوضحت أن الطلاب عقب نهاية التعليم يجب أن يحصلوا على تدريب على كيفية عمل “التاج” من الحلويات، فاقترحت عليها الإدارة أن تقوم بفعل ذلك في المغرب العربي لا هنا بفرنسا ويتم التنسيق ما بين الطرفين على الساعات التدريبية”، وهذا ما اعتبرته قمّة في العنصرية حتى لو كان مجرّد اقتراح.

حجابها في كل مكان .. 

أنهت دراستها ثم عادت إلى البلاد، وخلال أسبوع تقدّمت لوظيفة “شيف حلويات” في فندق “دان” في “هرتسيليا”، هذا الفندق الذي لا يشغّل فتيات محجّبات، لكن قوّتها في الحديث خلال المقابلة جعلتها الشابة الفلسطينية الأولى التي تعمل في هذا الفندق منذ سنوات طويلة. 

أول سؤال طُرح عليها “هل ستعملين بالحجاب؟”، فأجابت “أليس أفضل لكم”، في إشارة إلى إخفاء الشعر لجميع الطهاة في مطابخ الفنادق والمطاعم، وفي الوقت ذاته تقدّمت أيضاً إسرائيلية للوظيفة وكانت تلبس على رأسها ولا تُخفي رقبتها، والفرق بينهما إذن بسيط، وقالت إسراء لهم “أنتم تُريدون قدرتي على العمل وإتقاني لذلك وليس لباسي”.

وبالفعل حصلت على الوظيفة وبدأت بالعمل، وتدريجياً أصبحت مسؤولة عن قسم خاص كمقهى داخل الفندق يرتاده أي شخص، ويتم تقديم الحلويات فيه بشكل مُتقن وبمستوى عالٍ جداً، لا يُسمح للخطأ فيه، كما أن إسراء أيضًا لا تقبل بالخطأ، فهي دقيقة بشكل لافت في عملها، إن لم يُعجبها شيء لا تقدّمه لزبائنها إلا بعد رضاها عنه بشكل كامل.