شبكة قدس الإخبارية

بالصور| هل تعرفون مسجد وزاوية "علي بكاء" بالخليل؟

95
آلاء المناصرة

الخليل- خاص قُدس الإخبارية: يقع مسجد علي بكاء في الجهة الشمالية من المسجد الإبراهيمي يبعد عنه حوالي كيلو متر ونصف من جهة الشمال الغربي، فيتوسط حارة قديمة من حواري الخليل سميت نسبه إليه بحارة الشيخ، وهو الشيخ المجاهد علي بكاء.

هذه الحارة تقع خارج بنيان البلدة القديمة، وهي إلى الشمال من البلدة القديمة، والحارة مبنيّة على سفحيّ جبليّ: "بيلون"، "وخلّة قشقلة". وهذا الحيّ جمع بين المنازل القديمة والحديثة، والتي بنيت بطريقة عشوائيّة. ويوجد في المكان مجموعة من أشجار الزّيتون القديمة والتي تدلّل على وجود حركة عمرانيّة في هذا المكان منذ القدم.

وتنسب الزاوية إلى الشيخ علي بكاء الذي قدم من بلاد الشرق واستقر في مدينة الخليل، وعند وفاته تم دفنه في الزاوية، وكان الشيخ علي مشهورا بالصلاح والعبادة والإطعام لمن اجتاز به من المارة والزوار، وكان الملك المنصور قلاوون يثني عليه ويذكر أنه اجتمع به وهو أمير، وأنه كاشفه في أشياء وقعت جميعها.

 وقيل إن سبب بكائه الكثير أنه صحب رجلًا كانت له أحوال وكرامات، وأنه خرج معه من بغداد، فانتهوا في ساعة واحدة إلى بلدة بينها وبين بغداد مسير سنة، وأن ذلك الرجل قال له: إني سأموت في الوقت الفلاني، فاشهدني في ذلك الوقت. قال: فلما كان ذلك الوقت حضرْت عنده وهو في السياق، وقد استدار إلى جهة الشرق، فحولته إلى القبلة، فاستدار إلى الشرق فحولته أيضًا، ففتح عينيه وقال: لا تتعب فإني لا أموت إلا على هذه الجهة. وجعل يتكلم بكلام الرهبان حتى مات، فحملناه فجئنا به إلى دير هناك فوجدناهم في حزن عظيم، فقلنا لهم: ما شأنكم؟ فقالوا: كان عندنا شيخ كبير ابن مائة سنة، فلما كان اليوم مات على الإسلام. فقلنا لهم: خذوا هذا بدله وسلموا إلينا صاحبنا. قال: فوليناه فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه مع المسلمين، وولوا هم ذلك الرجل، فدفنوه في مقبرة النصارى، وقيل إنه سمي بالبكاء لكثرة بكائه بسبب هذه الحادثة.

23
 

ويحيط بالمسجد البكّاء بالخليل من الناحية الجنوبية الشرقية عدد من المباني تعود للعهد العثماني، في حين تحيط به من باقي الجهات شوارع ومبان حديثة. وتم بناء المسجد على ثلاث مراحل بفترات مختلفة، بدأ البناء في عام 670 هـ، وقد قام ببنائه (عز الدين أيدمر العلائي) المسؤول الإداري عن فلسطين وبلاد الشام في زمن الظاهر بيبرس، وقد أكمل البناء الأمير (حسام الدين طرنطاي) نائب القدس في عهد الملك المنصور بن قلاوون عام (681 هـ).

 وللزاوية مسجد له أروقة وقباب ومئذنة مميزة لا يزيد طولها على خمسة عشر مترا، وحفر في الرخام آيات من القرآن الكريم وأدعية على قاعدة المئذنة، ووجد لوحة من الرخام مثبتة بسور الزاوية تعود للعصر المملوكي، دونت عليها معلومات إنشاء المئذنة، من أمر بإنشائها مع أوصاف التبجيل والتعظيم للسلطان المملوكي الذي بناها:

"بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بإنشاء هذا الحرم المبارك الأمير الأجل الكبير المجاهد المرابط الغازي حسام الدين طرنطاي الملكي المنصوري أدام الله أيامه على ضريح الشيخ الصالحي علي البكاء رحمه الله عليه بالخليل عليه السلام بولاية الفقير إلى الله علي بن محمود في شهر محرم سنة إحدى وثمانين وستمائة".

وكانت المئذنة مزدوجة الاستخدام، فهي من ناحية منارة لرفع الأذان ومن ناحية أخرى منصة للرماة لحماية مدينة الخليل من الغزاة من الجهة الشمالية.

25
 

يقول إمام وخطيب المسجد الشيخ أبو اسنينة إن للمسجد أهمية تاريخية ذكرها الذهبي في كتابه "تاريخ الإسلام" وابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" وغيرهما من كتب التاريخ، وبيّن أن المئذنة بواقعها الحالي بنيت عام 702 للهجرة، وأن ما يميز المسجد اليوم كثرة الخدمات المقدمة فيه، وبينها لجنة الزكاة بعياداتها وأطبائها ومكتبة تحتوي أهم الكتب في التاريخ الإسلامي وأكثر من 700 ألف كتاب إلكتروني لفائدة طلاب العلم.

التاريخ المقاوِم

وكان للمسجد أهمية في التاريخ المقاوم في المدينة، فقد كانت حارة الشيخ من أهم الحارات التي اعتنت بالمقاتلين والمجاهدين وكان المسجد مقرًا ومخبأ لهم، وكان من أبناء تلك الحارة الذين احتموا بالمسجد هو الشاب عبد الحليم من عائلة الجولاني، وكان يطلق عليه اسم حركي (الشلف) وكان هذا الشلف يجمع الرجال والشباب ويتصل بالمهربين لإدخال سلاح من شرق الأردن لمقاتلة البريطانيين، وعندما يصل السلاح عبر نهر الأردن مرورًا بمسافر يطا وبني نعيم، يستقبله الشلف ويقوم بتخزينه في مسجد الشيخ على البكاء لعدة ليال، وبعدها ينقل على الحمير والخيل إلى مقر قيادة الثورة غربي الخليل في منطقة بين الجبال تسمى (شعب الملح).

ولم يتوقف دور المسجد في هذه الفترة بل لعب مسجد الشيخ على البكاء دورًا هامًّا خلال ثورة عام 1936م وخلال الانتفاضات الفلسطينية وكونه ملاصقًا لبيوت حارة الشيخ التاريخية وأزقتها وقناطرها، فكانت المنطقة ملاذًا آمنًا لتخزين السلاح في الأزقة المظلمة وبيوتها كل ذلك دعم الثورة والثوار، وكان الملتقى والتجمع دومًا هو مسجد الشيخ على البكاء.

أما المسجد اليوم يضم مركزًا كبيرًا لتحفيظ وتعليم القرآن، يتلقى فيه الطلبة علومهم القرآنية، كما يضم المقر الرئيس للجنة الزكاة والصدقات التي تهتم برعاية المئات من الأسر الفقيرة، كما يضم المسجد عيادة طبية كبرى مع مستوصف، وقاعات للمحاضرات العامة.

21
22


المصادر:

  • عمرو، يونس وآخرون، رقوم المسجد الإبراهيمي الشريف في خليل الرحمن، ط.1، منشورات مركز البحث العلمي بجامعة الخليل، الخليل، 1989م.
  • - العسلي، نقوش من نابلس والخليل، منشورات الجامعة الأردنية، عمادة البحث العلمي، عمان، 1992م.-العليمي، مجير الدين، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، دار الجيل، بيروت، 1973م.-أبو سارة، نجاح، الزوايا والمقامات في خليل الرحمن، جامعة الخليل، 1986.
  • ابن كثير، البداية والنهاية في التاريخ، تحقيق: أحمد أبو ملحم وآخرون، دار الكتب العلمية، ط.3، بيروت، 1987م.
  • الدباغ، مصطفى، بلادنا فلسطين، دار الطليعة، بيروت،1972م