شبكة قدس الإخبارية

29 عامًا على اغتيال القادة الثلاثة في تونس

91

يوافق اليوم الثلاثاء، الذكرى السنوية الـ 29 لاغتيال القادة الثلاثة صلاح خلف "أبو إياد" ورفاقه هايل عبد الحميد "أبو الهول" وأبو محمد العمري "فخري العمري"، الذين اغتيلوا في تونس على يد عميل للموساد الإسرائيلي عام 1991.

 شهدت الساعات الأولى من مساء 14/1/1991 حدثًا مأساويًا فلسطينيًا على التراب التونسي، أضيف إلى سلسلة الأحداث التي تعج بالأسى والفجيعة في تاريخ الثورة، فقد ارتقى كوكبة قادة كانوا من أبرز أعمدة العمل الأمني والوطني الفلسطيني، ولهم في حركة فتح مكان الصدارة بين رفاقهم المناضلين:

أولًا: صلاح خلف (أبو إياد) عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول الأمن الموحد في منظمة التحرير، أسهم في انطلاقة فتح وكان عبر مسيرة الكفاح الثوري رباط الوحدة الوطنية والساعي لديمومتها ورجل القبول الفلسطيني والعربي والدولي، لم يكن يخشى الموت فالشجاعة من أبرز صفاته، فقد كان يدرك أنه مشروع شهادة.

ثانيًا: هايل عبد الحميد (أبو الهول) عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول الأمن المركزي ومن خيرة رجالاتها الذين واكبوا التأسيس، فاجتمعت فيه صفات القيادة والقدرة على قراءة الحدث والتخطيط، وهو فوق كل ذلك إنسان بكل معنى الكلمة، طغت عليه البساطة وطيبة القلب عن وعي وإدراك مضافا لذلك الحس الأمني العميق الذي سخّره لحماية حركة فتح والدفاع عنها. كان أبو الهول يمتاز بأخلاقه الرفيعة وصداقته للجميع وعطاءه المميز وهدوئه الملفت وحنكته وصبره وحبه للمساعدة وتقدير ظروف الآخرين.

ثالثًا: فخري العمري (أبو محمد) وهو من الكوادر في أجهزة الأمن الفلسطينية ومن أقرب الأصدقاء لصلاح خلف، تلك الصداقة التي دامت عشرات السنين ولمفارقات القدر فقد أبى الصديقان أن يفارق احدهما الآخر حتى موعدهما مع الشهادة.

 تفاصيل عملية الاغتيال:

التحق المتهم القاتل "حمزة أبو زيد" بحركة فتح عام 1982، بعد أن غادر الأردن إلى سوريا عن طريق التهريب ثم التحق بمعسكر بيت نايم ومن هناك تم اختياره للسفر إلى يوغسلافيا في دورة خاصة، التحق بعدها مرافقا مع مدير المكتب في بلغراد، حيث اختلف معه ثم أعيد إلى دمشق حيث أرسله أبو بشير مسؤول امن السفارات مرافقًا وعنصرًا من عناصر الأمن إلى مكتبنا في باكستان حيث بقي هناك مدة قصيرة، ثم أعيد لتونس حيث التقى مع زكريا بعلوشة، الذي أعاده مرة أخرى ليعمل مع عناصر الأمن والحماية في مكتبنا بهنغاريا ثم اختلف مع مدير المكتب الذي أعاده لتونس/ وتم التحقيق معه في مكتب الأمن المركزي في حمام الشط ثم ألحقه الأخ أبو الهول لحراساته، وبعد ذلك تقابل مع حسني عبيد الذي أقنعه بترك الأخ أبو الهول والالتحاق بالأخ هواري/ في بغداد حيث التحق به هناك وخضع لفترة تدريبية، ثم وبسبب رغبة هواري في تسفير شبابه خارج العراق بسبب ظروف خاصة كان يتعرض لها أرسله مع غيره من الشباب إلى هنغاريا وانتقل منها لبولندا حيث أقام بها واختلط مع الطلبة.

وخلال وجوده في بولندا تعرف على المدعو ناصر الراشد وهو من مسؤولي تنظيم أبو نضال الذي استطاع بعد عدة لقاءات أن يجنده في التنظيم بعد أن عبأه فكريا ونفسيا وكان ذلك في شهر/4/1988 ثم تم ترحيله في شهر/5/1988 إلى يوغسلافيا حيث تقابل هناك مع المدعو كمال شكري الذي استأجر له غرفة إقامة وبدأ يعطيه مائتي دولار شهريا، كمخصصات له من المجلس الثوري وعرفه على المدعو خليل (مسؤول العمليات في جنوب شرق آسيا)، الذي أرسله في مهمات اختبارية إلى اليونان والفلبين في بداية شهر 7/1988.

في منتصف شهر 7/1988 زوده مسؤوله التنظيمي في المجلس الثوري/ خليل بتذكرة سفر إلى الفلبين وبمبلغ ثلاثة آلاف دولار بعدما وقع له على وصل استلام وكلفه بالسفر إلى الفلبين لتنفيذ عملية قتل إحدى الشخصيات الصهيونية التي يتوقع حضورها إلى الفلبين في منتصف شهر 8/1988 واعتقد أن هذه هي مهمة اختبارية وبالرغم من أنني بقيت في الفلبين منذ وصولي إليها في منتصف شهر 7/1988 ولغاية 2/2/1989. وبعد العودة من الفلبين أعلمني خليل/ بأنه سيسافر إلى ليبيا بناء على قرار التنظيم وتم السفر في شهر 5/1989.

ويضيف: عند وصولي لمطار طرابلس بتاريخ 14/5/1989 واجتيازي إلى الصالة استقبلني المدعو عيسى جرادات والذي يعرفني من صوري السابقة، فلفظ اسم التعارف وقال مشيرا نحوي “الرفيق محمد” أجبته نعم.. عندها رحب بي وأخذني بسيارته إلى فندق اليسر المجاور لفندق مرحبا. وبعد خمسة عشر يوما حضر عيسى إلى الفندق وبعدما سدد الحساب نقلني من فندق اليسر إلى مقر إقامتهم الخاصة والكائنة بالقرب من ساحة السويحلي.

في أواخر شهر 4/1990م حضر أبو عمار وأبو الهول إلى ليبيا لحضور احتفالات إحياء مناسبة ذكرى استشهاد القائد خليل الوزير أبو جهاد والتي أقيمت في قاعة الشعب، فكانت فرصة لي كي أقابل أبو الهول لطلب العودة للعمل معه. فذهبت صباحا وحاملا في رأسي الرواية التي ساعدني نعيم يوسف بتأليفها لأسردها أمام أبو الهول، وعند وصولي للفندق صعدت للطابق الثالث وقابلت احمد سعيد الذي قال لي ها هو أبو الهول في الداخل ومعه عبد الله الإفرنجي فطرقت الباب ودخلت للغرفة الكائنة في نهاية الكوردور بجهة اليسار حيث كانت غرفة احمد سعيد على الجهة اليمنى وبداخل الغرفة سلمت على أبو الهول ثم جلست وقلت أخ أبو الهول أنا بدي أرجع وبدي أعيد علاقتي وأنا أخطأت في السابق بهروبي من عندك وأنني على استعداد لتلقي أية عقوبة تفرضها علي، وأنا مستعد لأية محاكمة وأن تحاسبني على أي قصور سابق ارتكبته وأتمنى أن تقبل عودتي مرة ثانية لعندك، لم أحدث أبو الهول عن الأماكن والبلدان التي تنقلت وعشت فيها، حيث اختصر أبو الهول الجلسة قائلاً اذهب لأحمد سعيد واحكي له الذي حصل معك وبعدها خرجت وجلست مع أحمد سعيد وحكيت له القصة الوهمية وطردي من بولندا إلى يوغسلافيا وهروبي من المافيا إلى ليبيا وإنني كنت أريد الهجرة إلى أستراليا، أي أخبرته القصة التي ساعدني بتأليفها نعيم يوسف وبقيت مع أحمد سعيد إلى المساء.

استأذنت بعدها وغادرت الفندق إلى المقر حيث قابلت نعيم وقدمت له تقرير عن مقابلتي لأبو الهول وسردي القصة الوهمية لأحمد سعيد وأعلمته أنه يوجد شبه موافقة مبدئية من أبو الهول على إعادتي للعمل عنده فارتاح نعيم لما حدث معي وقال هذا جيد، وفي اليوم التالي ذهبت إلى الفندق وأقمت مع أحمد سعيد في غرفته مدة ليلتين، وفي يوم سفر أبو الهول قال أبو الهول لوائل سكيك اقطع لحمزة تذكرة ليسافر إلى تونس، وعند نزول أبو الهول رافقته إلى باب الفندق حيث ودعني قبل سفره قائلاً: لا تنسى يا حمزة تأتي إلى تونس، وعدت بعد ذلك إلى المقر وأخبرت نعيم يوسف أن أبو الهول وافق على إعادتي وعملي كحراسات في بيته.

بتاريخ 9/5/1990م حضر نعيم وقال بدنا نتقابل مع أبو نضال أجبته ماشي الحال ومباشرة نزلنا إلى الشارع بحيث ركبنا بسيارة بيجو والتي كان ينتظرنا بداخلها عيسى وأنا، جلست على المقعد الخلفي وقاد السيارة نعيم، الذي طلب مني أن أحني نفسي على المقعد الخلفي بحجة أن لا يراني أحد أثناء ركوبي معهم وسارت السيارة حوالي ثلث ساعة بعدها أوقف نعيم السيارة ونزلنا نحن الثلاثة ودخلنا إلى بناية مسرعين وصعدنا الدرج إلى الطابق الثاني حيث قرع نعيم جرس الشقة الواقعة على الجهة اليسرى وبعدها فتح الباب دخلنا إلى الصالة فطلب مني نعيم الجلوس على الكنبة الكبيرة وجلس إلى جانبي عيسى ثم دخل نعيم إلى إحدى الغرف وبعد ثلاثة دقائق خرج وطلب مني اللحاق به لغرفة أخرى بالشقة ودخلنا نحن الثلاثة إلى تلك الغرفة، وبعد لحظات من دخولنا دخل أبو نضال وهو يلبس بدلة سفاري لون جيشي وهو متوسط الطول ومعتدل البنية زلمة كبير بالعمر بالخمسينات، اصلع، فوقفنا نحن الثلاثة، وتقدم أبو نضال مني، وعندما صافحته قال لي "الرفيق أبو نضال"، ثم طلب منا الجلوس وبعد جلوسه جلسنا.

وجه أبو نضال حديثه لي أنا أحب الشباب عندما نأمرهم بأمر ينفذونه، أجبته: نعم، تابع نحن اخترناك لهذه المهمة وبدك تنفذها ولازم تنفذها.. وأنت الذي تصلح بهذه المهمة وخاصة أنك حصلت على موافقة أبو الهول لإعادتك وهذا أمر ولازم تنفذه وأمرنا لا تستطيع أن تعفي نفسك منه، أجبته: حاضر وماشي الحال، وتابع أنا مسؤول التنظيم بيدي أن أجعلك وأهلك تتمتعون بحياة سعيدة وإذا تقاعست بيدي أن أدمرك وأهلك، وتأكد أنه ستكون لك الحياة ولأهلك عند نجاحك بالتنفيذ، وكذلك ستكونون سعداء، ونحن مش حننساك كتنظيم وأنت عارف أن هؤلاء جماعة عرفات وخصوصاً أبو إياد قتله لصالحك وصالح التنظيم، وأبو إياد هذا خرب التنظيم، والاختيار صار عليك ولا تراجع عن هذا الاختيار ونحن عندنا أسلوب إما أن تعيش أنت وأهلك عيشة سعيدة وخاصة أن أهلك فقراء وتتمنى لهم السعادة أو الدمار يقع عليكم، وتعرف إحنا تنظيم إيدنا طويلة وهذه أوامر التنظيم.

ثم شرح لي كيفية تنفيذ عملية قتل أبو إياد بقوله عند حضور أبو إياد لبيت أبو الهول عليك أن تستخدم سلاح الحراسات الذي معك وتطلق النار بغزارة وعلى مقربة على أبو إياد وتصويب النيران على الجزء الأعلى من جسده، وتتأكد من موته ثم سألني هل تحسن استخدام السلاح والرماية، أجبته أنني رامي جيد وأجيد استخدام السلاح والرماية، فقال ستنجح بالعملية وخاصة أنك ستطلق النار على أبو إياد من مسافة قصيرة، وبعدما تتأكد من قتل وموت أبو إياد تهرب إلى تونس المدينة ومباشرة إلى القرى الشمالية التي تقع على حدود تونس الجزائر شمالاً، ونحن كتنظيم نستطيع التقاطك، إذا اعتقلت فإن التنظيم سينفذ عمليات مقابل استردادك، وتخليصك ووعدني بمكافئة حياة كريمة لي ولأهلي.

في هذه الغرفة التي قابلت فيها أبو نضال ولمدة حوالي ثلاثة أرباع الساعة، كنت أجلس أنا ونعيم على الكنبة الطويلة وكان أبو نضال يجلس على الكنبة الصغيرة المجاورة والتي كان يفصلني عنها فقط طاولة زجاجية وعيسى كان جالسا على الكنبة الفردية المجاورة لنعيم، وطيلة ذلك اللقاء لم ينطق عيسى أو نعيم بأية كلمة، وفقط كان الحديث دائما من أبو نضال.

وفي نهاية هذا اللقاء خرج أبو نضال بعد أن سلم علي بشدة بكلتا يديه، وأمرني بالتنفيذ وعدم التقاعس وكانت لهجته متعصبة وحازمة والتي كانت تغلب كل عباراته معي في ذلك اللقاء وبعد خروجه خرجت أنا ونعيم يوسف وعيسى وغادرنا الشقة إلى السيارة وبواسطتها ذهبنا إلى المقر حيث دخلت لغرفتي على أن يحضر نعيم لطرفي في اليوم التالي، وحضر في اليوم التالي وأخذ يردد عبارات أبو نضال بأن السعادة ستشملني وأهلي بعد تنفيذ قتل أبو إياد، وسيعم الخير على التنظيم وحذرني من التخاذل لأن التنظيم له أساليبه الخاصة في تدميري وأهلي الذين لن تقم لهم قائمة، فحاولت أن أدخل اسم عاطف أبو بكر الذي تسبب في شق التنظيم فرد بحزم القرار قرار والأمر أمر وقرار التنظيم أن تنفذ قتل أبو إياد وكان جافا وحازما، في حديثه معي، ثم ودعني ليعود ثانية وفي اليوم التالي عاد لغرفتي وسلمني مبلغ 850 دولار بعدما وقعت له على وصل استلام، ثم غادر الغرفة.

وبتاريخ 14/5/1990م ذهبت إلى مطار طرابلس وقابلت وائل سكيك والذي عرفني في المطار على علي قايم ابن أخ احمد سعيد والذي سافر معي إلى تونس للعمل كزميل لي في حراسات أبو الهول، وعند وصولنا إلى تونس التحقت بعملي كحراسات في بيت أبو الهول وبقيت أترقب مجيء أبو إياد لبيت أبو الهول من شهر 5 حتى 10-1990م ولكنه لم يحضر.

ووجدت هذه المدة فرصة لأتخلص من العملية المكلف بتنفيذها وفي بداية شهر 10/1990م قلت لأبو الهول أريد إجازة إلى ليبيا لرؤية أختي التي مضى علي اثنا عشر عاما دون أن أراها، وفرصة أنها حضرت إلى ليبيا وأتمنى الموافقة على أن أسافر لأرى أختي، فأعطاني أبو الهول إجازة لمدة أسبوع وتذكرة سفر اشتراها لي محمد حمدان وبتاريخ 4/10/1990م غادرت تونس جوا بموجب جواز سفري الأردني المزور باسم عساف جابر المهدي إلى طرابلس ومن المطار ذهبت مباشرة إلى المقر الكائن في منطقة السويحلي والخاص بجماعة أبو نضال، وبعدما طرقت جرس الباب فتح لي المخول بالمقر حيث يعرفني ودخلت لغرفتي السابقة وقابلت نعيم يوسف وقدمت له تقريرا عما حدث معي طيلة الخمسة أشهر وأخبرته أنني ترقبت خمسة أشهر مجيء أبو إياد إلى بيت أبو الهول ولم يحضر أبو إياد إلى ذلك البيت وربما لن يحضر أجابني نعيم يا أخي شو عرفك مش حيجي الزلمة..؟ شو استكثرتها خمسة أشهر، فأجبته: ربما قتله في بيته فاشلة.. حيث لا يحضر أبو إياد لبيت أبو الهول، فأجابني بحزم الخطة عليك بتنفيذها وكما وضعت.

وتابعت محاولا استبدال العملية بعملية قتل عاطف أبو بكر الذي شق التنظيم وشرحت لنعيم إنني أثناء وجودي في تونس تعرفت على تحركات عاطف ومكان سكنه بالمرسى فأجابني سيبك من عاطف أبو بكر، ونحن قادرين على الوصول إليه في أي وقت نريد ولكن الآن نحن نريد المهم وهو قتل أبو إياد، وصمم نعيم على رجوعي إلى تونس خلال أسبوع، وبقيت طيلة هذه المدة في المقر، ومرة خرجت إلى صالة فندق البحر المتوسط للتسلية على التلفزيون وأثناء جلوسي سمعت شخص جزائري يجادل شخص تونسي ففهمت انهما يتحدثان بخصوص جواز السفر ولعدم موافقة التونسي على شراء جواز السفر، ترك زميله وخرج فحاول الجزائري الخروج من الفندق فلحقت به وسألته هل كنت تعني أنك ستبيع جواز سفر، أجابني بعد تأمل.. نعم، واتفقت وإياه أن اشتري منه جواز السفر الجزائري بمبلغ 110 دينار ليبي وبعدما يضع عليه صورتي وسلمته الصورة وفي اليوم التالي وبالصالة تسلمت منه الجواز الجزائري عليه صورتي (باسم عبد الكريم بن ولهه) ودفعت له مبلغ 105 دينار تونسي بحجة أنني لا أملك غيرها وعندما عدت للمقر أخبرت نعيم قصة جواز السفر الجزائري وأبرزته أمامه فاستحسن ذلك ودفع لي ثمن الجواز مائة وخمسة دنانير ليبية.

وقال بعدما تنفذ عملية قتل أبو إياد تستخدم الجواز الجزائري بدخول الجزائر بدلا من جواز سفرك الأردني المزور. وخلال إقامتي في المقر كان يحضر إلي نعيم ويتكلم بلسان أبو نضال محرضاً تارة ومرغباً تارة أخرى. وفي 11/10/1990م غادرت طرابلس إلى تونس حيث سمح لي بالدخول كون اسمي موضوع قبل مغادرتي تونس وعدت لعملي كعنصر حراسات في بيت أبو الهول وكالعادة.

وفي يوم 14/1/1991م ذهبت عند المغرب لبيت زميلي رمضان سالم والذي كنت أتردد إليه باستمرار لحضور نشرة الأخبار على التلفزة حيث لا يوجد في منامتنا تلفزيون، وبعدها خرجت وإياه إلى سيارتي نوع/ اتوبيانكي/ وركبت وإياه بها إلى بيت أبو الهول لنقوم بمهمة الحراسة حيث وقتها كان عندنا دوام، وأوقفت السيارة بالنزلة الخلفية للبيت كالعادة ثم دخلت من الباب الخلفي وأخذت سلاحي الفردي وكالعادة نصعد إلى حديقة البيت للسلام على الشباب المناوبين وبعدها طلعت إلى حديقة البيت فشاهدت سيارة سوداء مصفحة، فسألت الحارس أمام الباب الرئيسي للبيت وهو علي قاسم من الزوار عندنا، فأجابني: بكلام لم أفهمه عندها دخلت إلى غرفة المرافقين المجاورة للباب الرئيسي فسلمت على الجالسين وشاهدت مرافقي أبو إياد ومباشرة خرجت لأقف إلى جانب علي قاسم وكنت متأكد من أن الزائر هو أبو إياد وذلك من خلال مرافقيه الذين شاهدتهم في غرفة المرافقة وبقيت أنتظره بالخارج قرب مكان توقف السيارات بالممر الداخلي، وأترصد خروجه لأطلق عليه الرصاص وأنسحب..

انتظرت كثيرا حوالي أكثر من ساعتين لكن أبو إياد لم يخرج، وأثناء وقوفي مزح معي علي بقوله شو رأيك أطخ على هذه السيارة ويقصد المرسيدس مقابل أن تعطيني مخصصك ومهمتك الشهرية، وكان وقتها واقفا إلى جانبنا رمضان سالم وجوهر عطيه “أبو شهاب” وحتى لا يشتبهوا بي عند سحبي أقسام البندقية قلت لهم يا شباب وين الرش ووين الحبة حبة حبة واضعاً إصبعي على الأمان، فأخذوا يضحكوا وقال أحدهم على الوسط رشا، فصرت أتكتك بالأمّان واستمريت واقفا بالممر بعدها ذهب رمضان وجوهر وعاد ليقول لي أن مهند عرب يطلب مني الذهاب إليه والقيام بحراستي على الباب الخلفي فأجبته انتظر قليلاً سوف أكلم الأخ أبو إياد كلمتين “شو صار بقضية فلسطين” وبقيت واقفاً إلى جانب علي وتململت قائلاً له: ما طلعش الأخ أبو إياد؟ وكنت في داخلي أفكر بإمكانية تنفيذ العملية عند موقف سيارة أبو إياد بداخل البيت حيث تكون عملية الانسحاب أقل خطورة، فحاولت إلهاء علي بقولي: شايف هذه اللمبة وأقصد المثبتة على مدخل المنزل فيها “ماس كهربائي”، واذهب يا علي وقول لهم وأقصد من بداخل المنزل أبو الهول أنه يوجد “ماس” في اللمبة فأجابني علي سيبك. وكنت أقصد باختلاقي موضوع الماس باللمبة حتى إذا شافني علي أطرق باب منزل أبو الهول لا يشك بي.

ومن الجدير بالذكر فإنني عندما عرفت أن أبو إياد هو الذي يزور أبو الهول في يوم 14/1/1991م من خلال مشاهدتي سيارته المتوقفة في فناء دار أبو الهول وكذلك من خلال مشاهدتي لمرافقي أبو إياد الذين كانوا يجلسون في غرفة المرافقة عدت لمكان توقف سيارتي على النزلة المجاورة للباب الخلفي للمنزل وأدرت محركها حيث أعدت توقيفها على مدخل الشارع المؤدي لبيت أبو الهول وأوقفتها وكانت مقدمتها باتجاه الشارع الرئيسي أي جهزتها لاستخدامها عند الهرب بعد تنفيذ قتل أبو إياد. وكان بداخل سيارتي مسدس (توغاريف) سبق أن سرقته في غفلة من أحد مرافقي أبو الهول، وكان المسدس وقتها في خزانة الأسلحة وأخفيت المسدس مدة طويلة منذ سرقته في شهر 8/1990م وقمت بمسح الرقم المدقوق عليه كي لا يتم التعرف عليه في حال ضبطه معي.

واستغليت دخول علي لغرفة المرافقين المجاورة للباب الرئيسي ودخلت إلى باب منزل أبو الهول وقرعت الجرس وبعدما فتحت الشغالة الفلبينية الباب دخلت للمنزل ومباشرة إلى الصالة وكان موجودا أبو محمد والذي لا أعرفه وأبو إياد وأبو الهول قاعدين، وبينهما الطاولة الصغيرة، فقلت مساء الخير ووجهت بندقيتي إلى أبو إياد وأطلقت النار بغزارة باتجاه أبو إياد، وأكيد أصيب أبو محمد بطلقاتي في كتفه اليسار والأخ أبو الهول أصيب بطلقاتي عند مروره من أمام النيران واستمر سائراً على قدميه وخرج من الباب وأنا بعدما تأكدت من موت أبو إياد أسرعت إلى باب المنزل فسمعت صوت المرافقين لا بل الشباب جايين وأنا لا أريد إطلاق النار عليهم فدخلت لداخل المنزل وأطلقت صلية على الأرض ثم صعدت الدرج إلى الطابق العلوي لأقفز من باب البرندة إلى الشارع.

وعلى الجانب الآخر من المشهد وبعد أن سمع الحراس والمرافقين إطلاق النار سادت الفوضى واعتقد بعضهم أن إطلاق النار من خارج المنزل فخرج بعضهم مسرعين كما فعل (فؤاد النجار – أحد مرافقي الشهيد أبو إياد) لمواجهة أي إطلاق من الخارج إلا أن صراخ أبو الهول الذي وصل إلي باب الفيلا (زاحفا) نبههم أن صوت الرصاص كان على القادة في الداخل وسمع الجميع أبو الهول يقول (قتلنا الجاسوس.. قتلنا الجاسوس) فقاموا بإخلائه فورا من المكان باتجاه المشفى حيث فارق الحياة هناك…

أما داخل المنزل فكان أول الداخلين / أبو أحمد الكباريتي وهم من قدامى مرافقي الشهيد أبو إياد حيث أذهله ما رآه في صالون المنزل (كما روي في إفادته بعد الحادث) حيث ذكر إنه رأى الشهيد أبو إياد جالسا وفوقه الشهيد أبو محمد العمري وحينما حاول إسعافهما لم يستطع حمل أبو محمد العمري وحده فالرصاص كان قد مزق جسده واستطاع حمله بمعاونة رفاقه حتى يحافظ على الجسد سليما أما أبو إياد فقد كان يجلس وقد فارق الحياة هو الآخر وتبين فيما بعد أنه أصيب بثلاث طلقات بينما أصيب أبو محمد العمري بأكثر من عشرين رصاصة مزقته تماما أما الشهيد أبو الهول فقد أصيب بطلقتين واحدة في رجله والأخرى في بطنه وذلك خلال وصوله إلى الباب، وهو الوحيد الذي فارق الحياة بعد وصوله للمشفى أما أبو إياد وأبو محمد فقد فارقا الحياة فورا.

وأثناء صعودي الدرج قابلتني زوجة أبو الهول (نادرة – أم رضا) وابنتها “رولا” وكانتا يردن النزول فقلت لهن انتظرا، ولكونهما أصرتا على النزول أجبرتهما على الصعود وأجلستهما بالغرفة وبعد قليل صعدت الخادمة الفلبينية فأجلستها معهن وإذ بأحمد سعيد ينادي من تحت يا حمزة انزل قتلتهم، فقلت له بدي أنا عاطف أبو بكر ولدي رسالة شفوية أريد أن أوصلها له وفي داخلي متأكد أن سبب مأساتي وقتل أبو إياد هو عاطف أبو بكر.

ثم نادى أحمد نادرة موجودة.؟ أجبته نعم، وقالت هي أنا موجودة يا أحمد، وبعد ذلك قال أحمد: عاطف ليس موجودا وهنا أبو ثائر، قلت له فليتكلم، وقال أبو ثائر من الأسفل: يا خالي أجبته: نادي لي عاطف أبو بكر، قال: طيب وراح ولم يعد، رجع احمد سعيد وناداني شخص من الأسفل قائلاً انه مسؤول من الداخلية، قلت أريد عاطف أبو بكر، أجابني هذا بالجزائر، عندها قلت له وماذا يثبت انك من الداخلية قال بطاقة التعريف، قلت: اقذفها لي بالأعلى، وفعلا قذفها فوقعت على الدرج عندها قال: انزل طولها، فقلت له ابعث واحد من عندك يأخذها واربطها بشيء ثقيل واقذفها لعندي ثانية، وفعلا صعد واحداً نازعاً ملابسه من الأعلى وطلب مني الأمان، فقلت له اصعد وأخذ البطاقة من على الدرج، ونزل وأعيد قذفها للأعلى باتجاهي، وبعدما تثبت من الهوية بإشعال عود الثقاب تأكدت أن صاحبها بلقاسم سنطح من الداخلية التونسية وبعد ذلك ألقيت له الهوية، وبسبب إصابتي بإرهاق نتيجة الوضع وبسبب النعاس قمت بحرق جواز سفري الأردني المزور حتى لا يتفطن أحد لذهابي إلى الفلبين وحرقت فواتير السيارة وناديت أنا نازل، وفعلا نزلت إلى الدرج وألقيت بسلاحي والمخزنين حيث تم اعتقالي من قبل الأمن التونسي والذين نقلوني مخفوراً إلى الداخلية التونسية رهن التحقيق.

رواية زوجة أبو الهول:

تقول زوجة أبو الهول، بأنها كانت نائمة في فراشها وأيقظها فجأة صوت الرصاص قادماً من غرفة المعيشة تحتها، وسمعت حمزة يصيح عدة مرات “دع عاطف أبو بكر يساعدك الآن” ثم سمعت زوجها يصيح”: ماذا فعلت يا حمزة؟ وهنا انطلقت عدة رصاصات وحاول أبو الهول أن يصل إلى الباب ولكنه، أي حمزة، عاجله برصاصة في رجله ثم في المعدة عن قرب.

أسرعت زوجة أبو الهول إلى الغرفة الملحقة حيث وجدت ابنتها ذات السبعة عشر ربيعاً مكومة في سريرها، فأخذتها بين ذراعيها وسمعت أقدام تصعد السلم واقتحم حمزة عليهم الغرفة وأغلق الباب وراءه وصاح بهم: إن الإسرائيليون هنا.. لقد قتلوا أبو الهول.. وصاحت: هل هو حي؟ دعني أدخل وأراه. لقد جرح، ولا تسأليني أكثر من هذا، جلستا معاً على الأرض في أحد الأركان، الابنة تصرخ والأم تحاول تهدئتها، بينما حمزة يجول في الحجرة صامتاً، وأخذ يلتقط أشياء صغيرة من مائدة زينة الفتاة، وكان يفحصها ثم يضعها مرة أخرى ثم يحدق من النافذة، رأى البرق وسمع الرعد وكان المطر يتساقط، كان الظلام شديد في الخارج وسمعته زوجة أبو الهول يسب عاطف أبو بكر أحد المنشقين من منظمة أبو نضال وأقسم أن يقتله.. ثم أخذ مظروفاً من جيبه وبحث فيه عن حبه ابتلعها ثم ابتلع أخرى وأخرى على مدى الخمس ساعات التي احتجزهم فيها كرهائن. وسمعوا سيارات تتوقف أمام المنزل، ووقع أقدام هنا وهناك، لقد وصل البوليس التونسي.

في الدور العلوي كان التليفون يدق ويدق.. وأخيراً أجابه حمزة.. كان هادئاً وسمعته يقول: لقد قتلت أبو إياد وأنا أحتجز الآن عائلة أبو الهول كرهائن ولن أطلق سراحهم إلا إذا أتيتني بعاطف أبو بكر.. لدي رسالة له.. وغمر البوليس التونسي المكان بالضوء واستخدم مكبرات الصوت ينادي حمزة: حمزة، اترك النساء ولا نريد منك شيئاً.. وأخذوا يكررون الرسالة نصف ساعة.. ثم ساد الصمت وكان حمزة يخرج الأقراص من مظروفه ويبتلعها. في ساعات الصباح الأولى ناداه البوليس ليقولوا له أنهم يريدون التفاهم معه.. ماذا كانت مطالبك؟ لقد طلب منهم طائرة تقله إلى خارج البلد، فقالوا له إنهم يحتاجون إلى تصريح من سلطات أعلى، وعندما عادوا قالوا له إنهم في حاجة إلى بعض معلومات عن شخصيته، فاقترح أن يلقي لهم ببطاقته الشخصية من النافذة، فقالوا إن المطر سيتلفها، ثم اتفقوا على أن يسلمهم البطاقة من خلال فتحة صغيرة في الباب الأمامي، ثم سمعته زوجة أبو الهول يغلق الباب ويعود إليهم يجر أقدامه ثم سمعت مدفعه يسقط على الأرض فاندفعت نحوه فوجدته ممداً على السلم فاقداً الوعي، واكتشف بعد ذلك أن البوليس وجه إليه غازات، وأسرعت بفتح الباب فدخل البوليس، وأمسكوا بالقاتل وقاموا بنقله إلى مقر الداخلية التونسية.

المصدر | مقال للواء محمود الناطور، شبكة قدس