شبكة قدس الإخبارية

مرضى الكلى بفلسطين: هل هناك أمل بالزراعة من متبرعين خارج الدائرة الأولى؟

42
توفيق المصري

قطاع غزة- خاص قدس الإخبارية: عاد الأمل قليلاً إلى قلب صفاء الحرازين (28 عامًا) من حي الشجاعية أثناء جلوسها على سرير غسيل الكلى بمجمع الشفاء الطبي في غزة الذي اعتادت إلقاء جسدها عليه 3 مرات اسبوعيًا، حينما دخل شاب قائلاً بصوت مرتفع: "أين صفاء فأنا أريد التبرع لها بإحدى كليتي".

كانت عجلة جهاز الكلى تدور وتسحب معها دم صفاء التي اصفر وجهها واقتربت من حافة الموت –كما في كل غسلة-، لكن ما جاء إلى مسامعها أنهضها من أوجاعها.

ركنت صفاء منظر دمها الذي يمر عبر انبوب من صدرها إلى داخل جهاز الغسيل، ونادت عليه: "أنا هنا لكن ألا تعلم يا صاحب القلب الرحيم؟"، قطعها متسائلاً بماذا وهو الذي التقط مناشدتها المنشورة على الانترنت، فقالت له بصوت متعب وبالكاد تستطيع التنفس: "لا تعلم كم أتمنى ذلك، لكن القانون يمنع ذلك لأنك لست من أقاربي".

تلك أمنية صفاء بعدما خاض جسدها تجربة منذ 10 أعوام، ولم يعد لها نافذة أمل للحياة عدا الغسيل وتتمنى الخلاص منه "مرة أخرى".

ويعاني 820 فلسطينيًا من غزة فشلاً كلويًا مزمنًا، حسب وزارة الصحة في غزة، فيما لا توجد إحصائية عن عدد المصابين بالمرض ذاته في الضفة، لكن وصل عدد المرضى في نابلس وضواحيها من مدن وقرى إلى 304 حالة، وفق جمعية مرضى الكلى في فلسطين.

مرض وانفصال

في عام 2010 أصاب صفاء إرهاقًا ومغصًا شديدين، ذهبت إلى المستشفى فوجد الأطباء دمها في النسبة الرابعة، وضغطها مرتفعًا، وبعد فحوصات اشتبهوا بضمورٍ في الكلى، كما تذكر.

تكمل: "قال الأطباء في غزة حينها لا يجب أن تغسلي وعليك السفر إلى مصر لتتأكدي أكثر.. فأُجريت لي تحويلة وسافرت، وهناك أُجروا فحوصات لي وتبين أنني أعاني من فشل كلوي مزمن".

أخبرها الأطباء أنه ما زال هناك أمل وأن أمامها خياران "إما الغسيل أو الزراعة"، تقول: "اخترت الأخير، وهناك غسلتُ كلى لمدة شهرين وأجريت فحوصات أنسجة مع والدتي التي رافقتني وتطابقت، وبعدها تم نقل كليتها لي وزراعتها".

عادت إلى قطاع غزة بلا ألم ولا معاناة، لكن في عام 2015 ظهرت نفس الأوجاع والآلام مرة أخرى، وطلبت تحويلة طبية للعلاج في الخارج، وسافرت إلى مصر، وحاول الأطباء علاجها بالكورتيزون والأدوية "لكنها لم تجدي نفعًا"، وتحتمّ على صفاء العودة لغسيل واستمر حتى يومنا هذا.

وفي أحد أيام العام المنصرم 2019، ظهر في حياتها أحد الأشخاص العاملين بالمستشفى وقرر الارتباط بها والتبرع لها بإحدى كليتيه.

43.JPG
 

مجددًا سافرت إلى مصر بعد محاولات من الرفض، تذكر: "لأننا أزواج جدد ولا بد أن يمرّ على ارتباطنا 3 أعوام... وبعد حصولنا على تحويلة وسفرنا، أظهرت فحوصات الأنسجة عدم التطابق فعدنا إلى غزة، واتخذت قرارًا بالانفصال عنه رغم أنه كان ينوي إكمال المشوار معي.. وكان خياري بفسخ خطبتنا لوضعي الصحي، ولأنني لم أرد أن أكون "أنانية".

مبادرات معلقة

مبادرات عدة طرحت، كانت أولها من والدها ووالدتها، لكن المشاكل الصحية على الرئة التي كان يعاني منها والدها الكبير في السن، أحالت دون تبرعه بكليته لها، ونقلت من والدتها بعد فحص توافق الأنسجة في مصر، فيما لم يطرح أي أحد من أقاربها فكرة التبرع لصفاء.

تفصح المريضة صفاء، أن عددًا من الأشخاص خارج العائلة "عرض التبرع بكليته دون مقابل، لكن القانون يسمح بالتبرع فقط من أقارب الدرجة الأولى، حتى يُمنع أصحاب الدرجة الثانية".

"القانون يمنع؛ لإمكانية حدوث تجارة أعضاء، لكن لا أعرف كيف يمكن أن نتخطى هذه المشكلة، وفي نفس الوقت يوجد الكثير من المرضى الذين يعانون، ويوجد متبرعون لهم"، تقول صفاء، مطالبة بأن يتم التنسيق عن طريق المستشفى بتشكيل طريق لجنة خاصة للتأكد من أن التبرع يجري بشكلٍ إنساني.

وحسبما تعلّم من واقع تجربتها فإنه في مصر "يُسمح بتبرع فلسطيني لآخر فلسطيني، بدون أي درجة، وأصبح منذ مدة ممنوعًا تبرع مصري لفلسطيني، حيث أن التبرع بين الجنسيات الموحدة فقط، وغير ذلك مخالف للقانون في مصر"، وفق ما أخبرها الأطباء المصريون سابقًا، حينما طلبت أن يوفروا لها متبرعًا.

وطالبت صفاء، الصحة بأن تتعامل بمرونة مع ملف مرضى الفشل الكلوي المزمن "حتى يُنقذ ما يمكن إنقاذهم"، موضحة أنها بحاجة لتغطية التكاليف من وزارة الصحة لإجراء عملية زراعة للكلى، بعد أن وجدت متبرعًا خارج الدائرة الأولى. وفق قولها.

صحة رام الله: لا نمولها

وأكد المتحدث باسم وزارة الصحة في رام الله أسامة النجار، أن القانون الفلسطيني لا يمنع زراعة الكلى، فيما يمنع تبادل الأعضاء، مشددًا على أن التبرع بين مرضى الفشل الكلوي يكون فقط ما بين أقرباء الدرجة الأولى في هذه الحالات: (أب، أم، أخ، أخت، زوجة، أبناء).

وقال النجار لـ"قدس الإخبارية"، إن زراعة الكلى موجودة في فلسطين وموطنة منذ أكثر من 10 سنوات، ويوجد عمليات زراعة لمرضى بعد برمجتهم ومراقبتهم خلال شهر قبل العملية على برنامج الزراعة.

وأوضح النجار، أن عمليات الزراعة في فلسطين تتم في مستشفى واحد فقط داخل "مجمع فلسطين الطبي" برام الله ولأهالي غزة عبر التحويلات، وبلغ عدد حالات الزراعة أكثر من 500 حالة خلال 10 سنوات، بنسبة نجاح 99.9%، وفق النجار.

كما أوضح، أن المتبرع فقط من أقرباء الدرجة الأولى، قائلاً: "لا يجوز التبرع من شخص غريب على الإطلاق، حتى لو جاء الشخص بمحض ذاته وقال أنا متبرع لهذا الشخص، فلا يوجد قانون في العالم يسمح بهذه العملية من عمليات الزراعة، حتى لو حصل على الموافقات فالطاقم الزراعي يرفض الزراعة لأن هذا يدخل في بند تجارة الأعضاء".

وأكد، أن "هذا البند محرم دوليًا، والأطباء لا يجرُؤون على القيام بها؛ فإذا أجروها وأُبلغ عنهم يصبحون مطلوبين دوليًا وبالتالي يمنعون من ممارسة المهنة وربما يتم اعتقالهم. وبالتالي لا يجوز تبادل الأعضاء ما بين غير الأقرباء".

ولفت إلى وجود إجراء قد يسمح بتبادل الأعضاء "إذا كان شخص يريد التبرع لأخيه وهو غير مطابق، ويوجد أخ لمريض آخر يريد التبرع له وهو غير مطابق أيضًا، إذا تطابقت أنسجته مع المريض الأول، والمتبرع الأول مع المريض الثاني، يمكن التبادل بينهم وهذا مسموح".

وحول من يتجهون للزراعة في الخارج، أشار إلى أنه يمكنهم ذلك لكن على حسابهم، وأن الصحة لا تُغطي عمليات زراعة كلى خارج الوطن، إذا لم يوجد متبرع من الدرجة الأولى، وأحيانًا يتم التحويل للزراعة بالخارج حسب حالة المريض".

وختم: "إذا كان المريض يريد جلب متبرع –من خارج الحلقة الأولى- ليشتري كليته، فيمكن السفر على حسابه وهذا الأمر يجده في سوق تجارة الأعضاء الذي يجري من تحت الطاولة في السوق السوداء، بمصر والهند والباكستان، وهذا الإجراء يمكن أن يقوم به المريض بعيدًا عن الصحة".

هروب للخارج

كان لزامًا على أم خميس أبو حصيرة أن تسافر لإجراء فحوصات تطابق الأنسجة في دولة الإمارات، بعد أن وجدت هنديًا يبيعها كليته مقابل 80 ألف دولار.

سنوات من الألم عاشتها أم خميس في قسم غسيل الكلى بمجمع الشفاء بغزة، لم يعرض خلالها أحدًا من أقاربها التبرع لها إلى أن أبرق أحد أبنائها الذين يقيمون في الخارج بأنه وجد لها كلية، وأحضرها لديه لإجراء فحوصات تطابق الأنسجة، كما يفيد نجلها.

وبدأت معاناتها في العام 2008 حينما اكتشف لديها المرض، واستمرت في غسيل الكلى لمدة 9 أعوام.

وفي 2012، سافرت للإمارات وأجرت الفحوصات اللازمة ثم سافرت لإجراء العملية في باكستان، لأن الصحة تمنع تبادل الأعضاء في فلسطين لغير الأقرباء، كما يقول خميس، وعادت إلى القطاع دون أن تتم الزراعة لصعوبة وضعها الصحي وضعف عضلة القلب، فكتب عليها ألا تزرع وأن تعود لألم غسيل الكلى، حتى توفيت خلال عام 2017 عن عمر 67 عامًا.

ليفربول في غزة

بخلاف ما أوضحته الصحة برام الله لـ"قدس الإخبارية" حول محددات التبرع، فإن المتحدث باسم وزارة الصحة بغزة، أشرف القدرة، أكد مضيهم في برنامجٍ سيسمح خلال الفترة المقبلة بالتبرع لمن هم خارج الحلقة الأولى للمريض.

وقال القدرة لمراسل "قدس"، إن وزارته استحدثت خدمات صحية جديدة تخفف من معاناة المرضى، لا سيما مرضى الفشل الكلوي، وهم في ازدياد مستمر بغزة.

وأوضح القدرة، أن الوزارة في غزة استحدثت زراعة الكلى، بالتعاون مع مستشفى ليفربول في بريطانيا، والطبيب عبد القادر حماد وفريقه، ببناء هذا البرنامج داخل قطاع غزة في عام 2013.

وأشار إلى أنه تم تدريب الكادر الطبي المحلي على زراعة الكلى، وتزويدهم بدورات مكثفة في بريطانيا وأيضًا تناقل الخبرات من خلال الوفد الذي يأتي تباعًا إلى قطاع غزة، وأجرى ما يزيد عن 86 عملية زراعة كلى من خلال البرنامج الأول، وهو برنامج ليفربول.

وبدأت الصحة في غزة بفتح برنامج آخر لزراعة الكلى، من خلال جمعية إغاثة أطفال فلسطين عبر فريق الطبيب وليد مسعود، واستطاع أن يقوم بإجراء أكثر من 17 عملية جراحية، حسب القدرة.

ولفت إلى أن مجموع الحالات التي زًرعت لها الكلى خلال الفترة الأخيرة تزيد عن 115، منوهًا إلى أن تبرعات الحالات كانت من الحلقة الأولى للمريض، موضحًا أن الفريق الطبي كان يأخذ عينات من أنسجة الكلى المتبرعة والمريض وإرسالها خارج قطاع غزة لفحصها.

وكشف القدرة، أن صحة غزة بدأت بإنشاء مختبر لفحص الأنسجة الذي عدَّه أنه "سيساهم بشكل كبير خلال الفترة المقبلة في تنمية الخدمة وفتح آفاق كبيرة، واتساع رقعة التبرع سواء من أقرباء الدرجة الأولى أو غيرهم".

فيما كشف مصدر طبي بغزة لمراسل "قدس الإخبارية"، أن الصحة ستبحث إيجاد المسوغ القانوني للتبرع من خارج الحلقة الأولى مع التشريعي، لإجراء عمليات زراعة خلال الفترة المقبلة بعد تنامي القدرات المحلية وتدريبها على يد خبراء دوليين.

القانون "يسمح"

طرحت "قدس" آراء الصحة في غزة والضفة حول شروط زراعة الكلى على المجلس التشريعي الفلسطيني بغزة، لكن رئيس اللجنة القانونية في المجلس النائب محمد فرج الغول، استهجن تحديد التبرع لمن هم في الحلقة الأولى للمريض فقط.

وأوضح الغول لـ"قدس الإخبارية"، أن المجلس التشريعي أصدر قانونًا رقم (1) لسنة 2012، بشأن نقل الأعضاء البشرية وزراعتها.

وأضاف، أن القانون يتكلم بصورة واضحة أن المتبرع "كل إنسان حي أو ميت يتبرع بعضو من أعضائه لإنسان آخر بدون مقابل مادي، وأن المتبرع إليه كل إنسان حي يتم نقل أو زرع العضو البشري في جسمه"، مؤكدًا أن القانون لم يشترط أن يكون المتبرع من الدرجة الأولى للمريض "مطلقًا".

ويتحدث القانون عن بطاقة التبرع حسب الغول، وهي البطاقة التي يثبت فيها الشخص المتبرع موافقته عن رضا تام وحرية بالتبرع بالعضو المحدد من أعضائه للغير.

ووضع القانون شروطًا ومنها: يحظر إجراء عمليات نقل الأعضاء أو زراعتها إلا في المستشفيات أو المراكز المرخص لها من قبل الوزارة وفقًا للشروط والإجراءات التي تحددها، ويستثنى من ذلك التبرع بما يتجدد من أجزاء الجسم كالدم ونخاع العظام والجلد، على أن يكون ذلك بقيود تمنع الضرر للمتبرع والمتبرع إليه.

وذكر المحظورات الواردة في القانون: منها حظر إجراء أي عمليات بيع أو شراء لأعضاء جسم الإنسان، ويحظر على الطبيب المختص البدء في إجراء أي عملية حال علمه بذلك "بيع وشراء" وذلك ممنوع، على أن يكون التبرع بدون مقابل.

كما يسمح القانون للوزارة بشراء الأعضاء من الخارج وفقًا لتشريعات سارية المفعول؛ ويقول الغول: "لو كان هناك أموات في الخارج، أو متبرعين من الخارج فلمصلحة الناس أن تسهل عليهم وأن تشتري لهم".

ولا يجوز أن يترتب على زراعة أو نقل العضو أية مكاسب مادية أو عينية لفائدة المتبرع أو ذويه أو رثته بسبب عملية النقل أو بمناسبته، حسب الغول. وبيّن وجود فروق في المحظورات بين نقل الأعضاء للأحياء وبين نقلها من الأموات.

فبين الأحياء: يحظر استئصال أي عضو فردي "كالقلب مثلاً" والذي يترتب عليه وفاة المتبرع، وعن نقل الأعضاء من الأموات يقول الغول: "قد يرغب شخص بالتبرع لشخص بعضو بعد وفاته وأن تنقل منه وبموافقته وبإرادته وبصورة مكتوبة، أما إذا مات فلا يجوز نقل الأعضاء إلا بموافقة ورثته أو عن طريق المحكمة، ويجوز بموافقة المحكمة الشرعية نقل الأعضاء من جثث الموتى مجهولي الهوية بعد مضي 3 أيام من تاريخ الوفاة، إذا كان في ذلك مصلحة راجعة للمنقول إليه، كما يجوز للمحكمة قبل انقضاء هذه المدة بناء على تقرير من اللجنة العليا الموافقة على النقل متى كان ذلك لازمًا لإنقاذ حياة انسان آخر في حاجة ماسة للعضو المتبرع به".