شبكة قدس الإخبارية

خلفيّات التصعيد الإسرائيلي في باب الرحمة وضرورة مواجهته    

2201919204142204
براءة درزي

مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للانتصار في هبّة باب الرحمة، يصعّد الاحتلال وتيرة استهداف المصلّى والمنطقة الشرقية التي يقع فيها المبنى، في محاولة لاستكمال جهوده التي بدأها بعدما تمكّن الفلسطينيون، من فتح المصلّى وأداء صلاة الجمعة فيه يوم الثاني والعشرين من شهر شباط/فبراير 2019،  لأوّل مرة منذ أغلقته شرطة الاحتلال قبل 16 عامًا. 

فمنذ اندلاع الهبّة وما أدّت إليه من نتائج على الأرض، حاولت سلطات الاحتلال تقويض الانتصار واستعادة الوضع الذي فرضته في مبنى باب الرحمة منذ عام 2003؛ وعلى الرغم من حملة الاعتقالات التي شنّتها ضدّ المقدسيين الذين شاركوا في الهبّة حاولت سلطات الاحتلال السيطرة على التطور وتداعياته عبر التواصل مع الأردن للتوصل إلى اتفاق يقضي بإغلاق مصلّى باب الرحمة بذريعة الترميم، ومن ثمّ تحويله إلى مكاتب إدارية للأوقاف. لكن رياح الموقف الأردني لم تجرِ وفق ما اشتهت سفن المحاولات الإسرائيلية، إذ أعلن الأردن أنّ باب الرحمة مصلى حكمه حكم سائر المصليات في المسجد الأقصى، ومع فقدان الأمل بإمكانية تحصيل إنجاز عبر المسار الدبلوماسي، كثّف الاحتلال جهوده في الميدان ليستعيد السيطرة على باب الرحمة، في ما يمكن وضعه في إطار محاولاته إثبات سيادته على الأقصى. 

إذًا، لم تهدأ على مدى العام الماضي محاولات الاحتلال إفراغ باب الرحمة من المصلّين، ومنع تكريس المكان على أنّه مصلّى فلجأت قواته إلى حملات متكررة من الاعتقال والإبعاد طالت المصلين والحراس الذين كانوا يفتحون باب المصلى أو حتى يوثقون اعتداءات الشرطة في المكان. وعمدت غير مرة إلى اقتحام المصلى بالأحذية ومصادرة القواطع الخشبية وخزائن الأحذية، فيما تعهّد مسؤولون إسرائيليون، في مقدمتهم غلعاد إردان وزير الأمن الداخلي، بإغلاق المكان ومنع الصلاة فيه، وعدم السماح بأن يكون في المسجد الأقصى مصلّى جديد.  

وفي الأيام القليلة الماضية صعّد الاحتلال وتيرة استهداف باب الرحمة ومحيطه، فاعتدت قواته بالضرب على المصلين والمرابطين في المكان، ورشّتهم بغاز الفلفل، فيما عمدت الشرطة إلى تفتيش حقائب الوافدين إلى المصلى لمصادرة أيّ طعام قد يدخلونه من أجل منع إقامة فعالية إفطار جماعي للصائمين، أمّا الاعتقالات فحدّث ولا حرج! 

إضافة إلى ذلك، قال مجلس الأوقاف والشؤون والـمقدسات الإسلامية بالقدس، إن شرطة الاحتلال حركت دعوى قضائية تطالب فيها محاكم الاحتلال بإصدار أمر بتجديد إغلاق باب الرحمة استنادًا إلى أوامر قضائية سابقة خاصة بتقييد استعمال "مكاتب لجنة التراث" الوهمية التي تتخذها شمّاعة واهية لتعلق عليها أطماعها ومخططاتها بخصوص المصلى.

فماذا وراء الهجمة الإسرائيلية المتصاعدة على باب الرحمة؟ 

شكّلت هبة باب الرحمة انتكاسة للاحتلال في الأقصى ولمشروع تهويده، لا سيّما مخطط التقسيم المكاني الذي ينطلق من المنطقة الشرقية للمسجد، التي فيها باب الرحمة. ومثل هبة باب الأسباط في تموز/يوليو 2017، أعادت هبة باب الرحمة التأكيد أنّ المقاومة الشعبية قادرة على تحقيق إنجازات وإجبار الاحتلال على التّراجع.

ومع اقتراب إتمام سنة على انتصار هبّة باب الرحمة، يشعر الاحتلال بالكثير من القلق إذ من المهمّ بالنسبة إليه ألّا يحتفل المقدسيون بمرور عام على النصر حتى لا يتكرّس لديهم الشعور بالقدرة على الإنجاز. وتزداد أهمّية "استعادة" باب الرحمة بالنسبة إلى الاحتلال قبل مضيّ عام على الهبة نظرًا إلى أنّ موعد الانتخابات الإسرائيلية (التي تقام للمرة الثالثة في عام واحد) سيكون بعدها بحوالي أسبوع، في الثاني من آذار/ مارس القادم؛ فما يعنيه هو تقديم "إنجاز نوعي" لـ "جماعات المعبد" قبل موعد الانتخابات عبر تقويض النصر قبل بلوغه عامه الأوّل. 

تستوجب الهجمة الإسرائيلية على باب الرحمة مزيدًا من التأهب والحضور لإحباط مساعي الاحتلال، إذ إنّ أيّ تراجع أو خسارة في النتائج التي تحققت في الهبّة ستسمح للاحتلال بمزيد من التمادي في اعتداءاته على المسجد الأقصى؛  ويمكن ذكر ثلاث نقاط في إطار الجهد المطلوب لمنع الاحتلال من تقويض الانتصار المحقّق في هبة باب الرحمة:

- يتصدّر المقدسيون وفلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948 مشهد الدفاع عن باب الرحمة، ومن الضرورة بمكان استمرارهم في الرباط والصلاة في المكان، وإقامة الفعاليات التي تضمن وجودهم فيه، مثل الإفطارات الجماعية؛ والصمود في وجه الاعتداءات الهمجية التي يرتكبها الاحتلال بحقّهم ليكسر بها إرادتهم.    

- كان الموقف الأردني من باب الرحمة عاملاً مساعدًا في منع الاحتلال من إغلاق باب الرحمة، ومن المهمّ بالنسبة إلى الأردن تأكيد التّمسّك بموقفه من باب الرحمة، لجهة كونه مصلى حكمه حكم سائر المصليات في الأقصى، ويخضع للوصاية الأردنية، لا لمحاكم الاحتلال أو القرارارت الصادرة عن المستوى الأمني الإسرائيلي.  

- العرب والمسلمون عليهم واجب التفاعل مع هذه الانتصار، وتبنيه، عبر تقديم الدعم المادي والمعنوي، والمؤازرة، والانطلاق من مبدأ أنّ باب الرحمة جزء من المسجد الأقصى لا يتجزأ، وهو من مقدسات المسلمين التي عليهم واجب الدفاع عنها.