شبكة قدس الإخبارية

عام أتى وعام رحَل .. والقُدس تحكي وجَعَها

81216139_472811706994343_8666822293374107648_n
فاطمة محمد أبو سبيتان

القدس المحتلة - قدس الإخبارية: لا يمرّ يومٌ على مدينة القدس وإلّا ويُسمع لها أنينٌ يعلو يومًا بعد يوم، فهي المدينة التي ترى فيها المحتل الإسرائيلي في كل زاوية منها، في مسجدك وبيتك وحارتك.

تبدأ الانتهاكات مع ساعات الفجر باقتحام المنازل واعتقال الشبان وإصابة سكان القرى والبلدات بالرصاص أو القنابل السامة، ثم باقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى خلال ساعات الصباح والظهر، وخلال ذلك تكون آليات بلدية الاحتلال قد بدأت بعملها في هدم وتدمير منشآت الفلسطينيين في العاصمة وتشريد أصحابها دون وجه حق.

وتُكمل المدينة وجعها مع ساعات الظهر والعصر وحتى المساء من خلال سلسلة من الاقتحامات للبلدات والقرى بسبب أو من غير سبب، وكأنها حرب لا تهدأ، وفرض المخالفات والضرائب على أصحاب المركبات والمحال التجارية. 

الشهداء وانتهاكات الاحتلال في المدينة

القدس في عام 2019 قدّمت سبعة شهداء فلسطينيين؛ سماح مبارك، رياض شماسنة، نسيم أبو رومي، فراس الحلاق، وفارس أبو ناب، موسى أبو ميالة، سمير عبيد، حيث اتّهمهم الاحتلال بمحاولة تنفيذ عمليات طعن ودهس فأطلق النار باتجاههم، أو أُصيبوا خلال المواجهات أو الاعتداء بالضرب، أما أبو ناب فقد طاردته شرطة الاحتلال جنوبي القدس وأطلقت النار عليه فاستُشهد في المكان.

سجّل هذا العام محاولات لأطفال وفتية صغار أعمارهم ما بين 12 و16 عامًا، تنفيذ عمليات عند أبواب المسجد الأقصى مثل الشهيد نسيم أبو رومي قرب “باب السلسلة”، وأشرف عدوان أيضاً عند “باب السلسلة”، ومحمد الصباح قرب “باب حطة”. 

ما يزيد عن ألفي معتقل فلسطيني من القدس وحدها خلال عام 2019، لم تسلم فيه النساء ولا الأطفال ولا القاصرين وحتى كبار السن ورجال الدين، ومعظم الاعتقالات كانت تجري بعد اعتداء عناصر الاحتلال عليهم بالضرب والدّفع والسّحل.

ناهيك عن الاستدعاءات التي طالت أهالي أطفال لم يتجاوز عمرهم الخامسة فقط، بحجة أنهم قاموا برشق الحجارة على قوات الاحتلال.

أمّا عن عمليات الهدم، فقد طالت أكثر من 250 منشأة فلسطينية، منها من قامت آليات بلدية الاحتلال بهدمها بشكل مُباغت لأصحابها، ومنها من أجبر الاحتلال صاحبها على الهدم “الذاتي”، فكان يضرب حجراً من جدران منزله وكأنّه يضرب أحد أعضاء جسده.

فتح “باب الرحمة” 

أمّا عن المسجد الأقصى وانتهاك الاحتلال ومستوطنيه فيه، فقد اقتحم أكثر من 30 ألف مستوطن وجندي وطالب يهودي باحاته، حيث تكثّفت تلك الاقتحامات في ظل الأعياد اليهودية.

وسجّل عام 2019 الأعلى من حيث الاقتحامات حيث شهد العام الماضي 2018 اقتحام 29،939 مستوطناً أما عام 2019 فقد شهد اقتحام 30،416 مستوطناً بحسب مصادر عبرية، و29610 بحسب دائرة الأوقاف الإسلامية.

واختلاف تلك الإحصائيات يعود لكيفية توثيق أعداد المُقتحمين، فمثلاً هناك مؤسسات لا تحسب الطلاب اليهود ممن يقتحمون الأقصى، وبالتالي لا تسجّلهم ضمن التوثيقات لكنّ أعدادهم كبيرة على مدار العام، وكذلك لا توثّق أعداد الجنود وضباط الشرطة والمخابرات الذين يقومون بجولات كشفية ما بين الحين والآخر. 

لكن فعلياً تلك الأعداد غير دقيقة، فهناك من يقتحم المسجد الأقصى على مدار شهور السنة تحت مسمّى “ضيوف الشرطة”، وهؤلاء قد يكونوا ضباطاً سابقين أو موظفين من حكومة الاحتلال أو أي يهودي آخر، ولا يُمكن تسميتهم بغير “مُقتحمين”، فالتسميات تختلف والحدث واحد وهو “الاقتحام”.

الحدث الأبرز في مدينة القدس 

لم نتوقّع أبدًا أن خطوةً كهذه من قبل الاحتلال قد تجعلنا أكثر غضبًا ووحدة وقدرة على انتزاع حقّنا في هذا المكان الذي أُغلق بأمر من الاحتلال لمدّة 16 عامًا ولم يستطع أحد الوقوف أمامه، لكن بهمة شباب ورجالات القدس أُعيد فتح “باب الرحمة” من جديد بسواعدهم.

“باب الرحمة” بقي مُغلقاً بأمر من محاكم الاحتلال لسنوات طويلة، ولم تستطع دائرة الأوقاف الإسلامية ولا أي جهة ردع الاحتلال عن ذلك، لكن بعد وضع قفل وسلاسل حديدية على البوابة الرئيسية المؤدية إلى مبنى ومسجد “باب الرحمة” من قبل شرطة الاحتلال في شهر شباط/ فبراير 2019 اقتنص المصلون هذه الفرصة الذهبية، فقاموا بنزعه، ثم قرروا المضيّ قدماً والتفكير في الخطوة الأكبر والأهم وهي المصلى ذاته.

في كل مرّة كانوا يكسرون فيه حاجزاً كانت الشرطة الإسرائيلية وقواتها الخاصة تُقابلهم بالقمع من خلال الرصاص المطاطي والقنابل وغاز الفلفل، لكنّهم صمدوا حتى فتحوا المصلى بشكل كامل، وتلك كانت لحظة تاريخية.

أُصيب من أُصيب واعتُقل من اعتُقل وكان الهمّ الأكبر هو الاستمرار في أداء الصلوات جميعها في مصلى “باب الرحمة”. ومنذ إعادة فتحه وحتى اليوم وشرطة الاحتلال تُلاحق كلّ من تواجد فيه أو حوله خاصة في ظل اقتحامات المستوطنين الصباحية وما بعد الظهر.

فالأطماع الإسرائيلية كانت حول هذا المكان، وتخصيصه وفق مخطط التقسيم المكاني ليصبح مكاناً لصلاة اليهود. 

وخلال هذا العام سلّمت شرطة الاحتلال أوامر بإبعاد أكثر من 400 فلسطيني، إمّا عن المسجد الأقصى أو البلدة القديمة أو القدس أو الضفة المحتلة، ومعظم هذه القرارات كان إبعاد عن المسجد الأقصى لوجودهم في “باب الرحمة” أو “عرقلة عمل الشرطة”، أو “عرقلة الزيارات” أي اقتحامات المستوطنين.

فرض السيادة على العاصمة

حاولت سلطات الاحتلال من خلال قوات المخابرات والشرطة فرض سيادتها على مدينة القدس من خلال إغلاق المؤسسات الإعلامية والوطنية والتعليمية، إلى جانب قمع الفعاليات الوطنية والاجتماعية وورش عمل قانونية وفعاليات رياضية ومنع إقامتها على مدار العام.

كانت حجّتها أنها تُموّل من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية، وكانت تذكر في قرار منع الفعاليات أو إغلاق المؤسسات أنه يتم تنظيمها “برعاية وتمويل السلطة الفلسطينية في القدس وذلك بخلاف قانون تنفيذ الاتفاقية المرحلية بخصوص الضفة وقطاع غزة (تحديد فعاليات) لسنه 1994 والذي يمنع أي إمكانية لإقامة أي فعاليات أو أعمال للسلطة الفلسطينية في القدس دون إذن مسبق”.

وهو ما اعتبره محللون وناشطون وباحثون في شؤون القدس محاولة لفرض السيادة في المدينة. 

رحل عام 2019، وترك خلفه أهل القدس ينزفون وجعاً على أسير وأسيرة في السجون، أو شهيد محتجز في الثلاجات أو في مقابر الأرقام، أو يبكون على منزل هدموه بأنفسهم عمره أكبر من عمر الاحتلال في القدس، لكنهم صامدون، يرفضون التخلّي عن الأرض، أو تهجيرهم منها، فهل ينتهي ذلك قريبًا؟.