شبكة قدس الإخبارية

اضطراب الحكومة الإسرائيلية

50493429_303
عبد الستار قاسم

تشهد الحكومة الإسرائيلية منذ بداية ثمانينات القرن الماضي اضطرابا وحالة عدم استقرار من حيث أنها لا تعمر وسرعان ما تنهار، منذ ذلك الحين، فقدت الأحزاب الكبيرة مثل حزبي العمل والليكود قدرتها على حصد عدد كبير من مقاعد الكنيست (البرلمان الصهيوني) تمكنها من تشكيل حكومة بسهولة وبدون تحالفات تسبب عدم الاستقرار وتبكير الانتخابات لكنيست جديدة. تراجعت شعبية الأحزاب الكبيرة، وفقدت العديد من المقاعد لصالح أحزاب جديدة طارئة لا يستمر وجودها طويلا.

ظهرت أحزاب صغيرة الحجم على المسرح السياسي الصهيوني وشكلت ظاهرة تشرذم سياسي أدت إلى مشادات سياسية ومنافسات سياسية غير بريئة ومرتبطة بمصالح حزبية وليس بالضرورة بمصالح عامة. لم يعد في الثمانينات بمقدور حزب تشكيل حكومة بيسر وسهولة، وإنما كان على الحزب الذي يحصل على أكثرية (وليس الأغلبية) المقاعد أن يتآلف مع أحزاب صغيرة ليتخطى حاجز ال 61 مقعدا لنيل ثقة الكنيست. عدد أعضاء الكنيست الصهيونية 120. وبما أنه لكل حزب مصالح ورؤى خاصة به، فإن حزب الأكثرية طالما تعرض للابتزاز من حيث المطالب الحزبية التي ركزت على مكافآت خاصة، ولم يكن أمام حزب الأكثرية إلا أن يخضع لكي يتمكن من تشكيل حكومة يحظى فيها بأغلبية الوزراء. وبالرغم من ذلك، لم تكن مهمة تشكيل الحكومة سهلة لأن الأكثرية كانت تصطدم بمطالب حزبية متضاربة ومتناقضة تهدد عملية التشكيل. أي كان على الأكثرية أن تبذل جهودا ضخمة من أجل التوفيق بين هذه المطالب وإرضاء كل الأحزاب الصغيرة المشاركة في الائتلاف الحكومي.

وعليه، بقيت الحكومة مهددة بالسقوط وفق أمزجة الأحزاب. وكان بإمكان حزب يحتل مقعدين أو ثلاثة في الكنيست لا يرضى عن تصرف معين لرئيس الحكومة أن ينسحب من الائتلاف فتفقد الحكومة الأغلبية والثقة وتنهار لتتم الدعوة لانتخابات جديدة. ولذا لاحظنا في العقدين الأخيرين للقرن الماضي حالة سقوط حكومات ونهوض أخرى بصورة أكثر تسارعا مما كان عليه الأمر من قبل.

تطور الأمر الآن ليصل إلى درجة عدم القدرة على تشكيل حكومة. نتنياهو لم يتمكن من تشكيل حكومة بعد الانتخابات الأولى، ولم يكن بمقدور منافسيه تشكيل حكومة أيضا. فتمت الدعوة إلى انتخابات من جديد. بقيت المعادلة في الكنيست على ما هي عليه بعد الانتخابات الثانية، وفشل الحزبان الكبيران في تشكيل حكومة ائتلافية أو حكومة وحدة وطنية، وبدأ الحديث عن إجراء انتخابات للمرة الثالثة عساها تتمخض عن معادلة ائتلافية جديدة. لم يستطع نتنياهو حشد واحد وستين صوتا في الكنيست لأن الأحزاب المستغرقة في رفض الحقوق الفلسطينية لم تستجمع ما يكفي من المقاعد لتشكيل ائتلاف حكومي. ويبدو أن المقاعد التي حصدتها القائمة العربية قد أثرت بصورة جذرية على عدد مقاعد المتطرفين اليهود. فكل مقعد إضافي تحصل عليه القوائم العربية يشكل خسارة للأحزاب الصهيونية وبالتالي يضعف ثقلها في المجلس البرلماني.

من الممكن نظريا تشكيل حكومة ائتلافية مع المقاعد العربية، لكن نتنياهو وصحبه يرفضون التآلف مع العرب من ناحية المبدأ. وخصومهم لا يجرؤون على التحالف مع القائمة العربية لأنهم يدركون مدى التشهير الذي يمكن أن يتعرضوا له، والذي سيؤثر سلبا على فرصهم الانتخابية. بالنسبة للصهاينة عموما من غير المقبول تسليم مستقبل الحكومة الصهيونية للعرب. وإذا كان للعرب أن يكونوا جزءا من المعادلة الحكومية فإنهم سيفرضون شروطهم على رئيس الحكومة، ويكون بمقدورهم سحب الثقة من الحكومة وطرحها أرضا. من المحرمات لدى الصهاينة أن يتمكن الغرباء (وفق تعريفهم للعرب) بمصير سياسي لكيان الصهاينة.

من الواضح أن انتخابات ثالثة ستجري، ولا يوجد أمام الأحزاب الصهيونية مخرج آخر. لكن المتابعين لا يرون أن الانتخابات القادمة ستؤدي إلى تغيير معادلة القوى في الكنيست. ربما تتغير النتائج بفارق مقعد أو مقعدين لهذا التجمع الحزبي أو ذاك، وذلك لن يمكن أي حزب من تشكيل حكومة.

ما يجري من تعثر في التشكيل الحكومي الصهيوني يعبر عن شرذمة سياسية والتي تعني أيضا شرذمة اجتماعية. بعض الأحزاب الصغيرة الموجودة الآن تمثل جماعات عرقية ومذهبية.

 للشرقيين أحزابهم، وللغربيين كذلك وهناك مجموعات روسية وأخرى إثيوبية وغير ذلك. خاضت الانتخابات الثانية أكثر من عشرين قائمة انتخابية، وهي تعبر عن أبعاد اجتماعية تتميز إلى حد بعيد بالعنصرية والتمسك بالمصالح الفئوية على حساب المصالح العامة. وأدت هذه الشرذمة الاجتماعية إلى اتساع الفساد المالي والإداري في الكيان الصهيوني ما أدى إلى ضعف التماسك الاجتماعي وانتشار الأمراض الاجتماعية التي تؤثر على نسيج الكيان وعلى معنويات الجيش الصهيوني. المعنى أن مثل هذا الوضع جيد بالنسبة للفلسطينيين من حيث ضعف المجتمع وتدهور معنويات الجيش وهبوط الانضباط، وبإمكان الفلسطينيين استغلال هذا المأزق الصهيوني وتعميقه بالمزيد. وبإمكان القائمة الانتخابية العربية أن تصر باستمرار على وحدة القائمة وتشجيع العرب على المشاركة في الانتخابات. وكلما ارتفعت أعداد المقاعد العربية ترتفع توقعات فشل الصهاينة في تشكيل حكومة.