شبكة قدس الإخبارية

"اختراق الشاباك".. حين أذلّ الشهيد حمّاد الضابط "أوشر"

81366692_748655815638464_8711533053249323008_n
محمد قبّج ورهف بركات

طائرة حربية عمياء تقصف بلا رحمة، ووشاية غراب أسود كشفت للجيش الغاشم عن ملجأ مخترق الشاباك معتصم حمَاد، ركعتين لله أثناء القصف، امتطى بندقيته وكبَر، اشتبك وقاوم، نال الشهادة وعانقت روحه الطاهرة عنان السماء، وفاحت رائحة الشهادة ليقف كُل من مرَ في تلك الطريق يشتم هذا العطر الذي لا مثيل له.

في صبيحةِ 26\1\1974 ولد "معتصم محمود عبدالله مخلوف"، في بلدة عنبتا شرقي طولكرم، درس في بلدته وبين أبنائها في مدرسة عبد الرحيم محمود حتى مرحلة الأول ثانوي، وكان معروفاً حينها بتفوقه العلمي ليحصل على شهادات التقدير في كل الصفوف، حتى انخرط في صفوف المقاومة خلال انتفاضة الحجارة، وهو ابن خمسة عشر ربيعاً رفقة مجموعة من أبناء جيله إلى أن اُعتقل خلال مرحلة الثانوية العامة.

مواقف من الذاكرة

يقول شقيق الشهيد والأسير المحرر زكريا مخلوف، أن معتصم كان على علمٍ مسبق بقدومِ الاحتلال لاعتقاله أسوة برفاقه في التصدي والدفاع عن الأرض الفلسطينية، "ذاتَ مره قدم الاحتلال إلى بيتنا القديم، معتصم قام بإبعاد أمي وأخذ السلم ووضعه على السطح، وكان حينها الجيش قد طوَق المنطقة، ونحن كنَا نظن أن معتصم قد لاذ بالفرار بالرغم من كثرة الجنود، وبعد مغادرة الجنود، أتى معتصم وكان قد تخفى بالحمام الشمسي على سطح المنزل، والجنود بجانبه لم يتنبهوا له، ولكنَه اعتقل بعد فترة قصيرة".

وعن فترة اعتقال معتصم، تقول شقيقته خولة "في مرحلة الثانوية العامة اعُتقل معتصم الاعتقال الأول وهو على مقاعد الدراسة على خلفية ذهابه لمساعدة الطالبات اللواتي أغلق الاحتلال عليهن المدرسة، ليؤدي امتحانات الثانوية العامَة في السجن، وحصل على معدل جيد، وتم الإفراج عنه، وبعد ذلك انتقل للدراسة الجامعية في جامعة القدس المفتوحة لدراسة إدراة الأعمال".

وتكمل خوله، أنه في عام 1990 قرر الشهيد معتصم أن يشق طريقه في الثورة، فشارك في عرض عسكري بقرية رامين وأصيب بقدمه خلال العرض، وتم نقله إلى مستشفى رفيديا وتعالج هناك ولم تتمكن قوات الاحتلال من اعتقاله وبقي مطارداً.

ويقول زكريا إنّه فور شفاء معتصم، عاد سريعاً للمقاومة، ففي إحدى الأيام وهم بالمدرسة سمع الشبان يقولون استشهد معتصم مخلوف خلال مواجهات مع الاحتلال، ولكنه تبين أنه كان مصاباً ولم يستشهد.

ويتابع زكريا "مكث معتصم 21 يوماً في مستشفى يخلوف, وغادر المستشفى ونحن صُدِمنا كيف خرج وهو مطلوب، الا أنه كان قد استطاع أن يزوَر هوية اسمه فيها (عبد العزيز) ووضعها في جيبه وخرج بهذا الاسم من المشفى, وبينما نحن على مائدة الفطور في شهر رمضان قدم علينا شاب يدعى محمد شفيق قبج وقال: معتصم في منزلنا الآن وهو في أمان".

ازداد جنون الاحتلال وحقده عندما علموا بذلك, ولسان حالهم يقول كان بين أيدينا ولم نعلم!

الاعتقال الثاني

وفي 21\6\1991 دخلت قوات خاصة بسيارة من نوع سوبارو إلى البلدة تتصيَد لمعتصم، حتى نالت مبتغاها واعتقلت معتصم ليمكث في زنازين التحقيق 40 يوماً، ويستخدموا معه أبشع أنواع التعذيب كالصعق بالكهرباء، والنتف والشبح، ويحكموا عليه بالمؤبد وخمسة عشر عام.

وبتاريخ 5/1/1996 ذهبت والدة معتصم إلى تأبين الشهيد يحيى عياش في نابلس، وعندها قدم شخص وقال معتصم سوف يفرج عنه في صفقة اتفاق أوسلو، وبعد ساعات قليلة بالفعل كان في البيت، وحين وصلت والدته عند المغرب، سقطت أرضاً من الفرحة، قبل أن تتمالك نفسها وتحتضنه وتقبله.

مواقف لا تُنسى

ويروي زكريا وعن إحدى المواقف التي لن ينساها حتى الآن "في يوم من الأيام كانت أمي في المشفى وحضر حينها معتصم  وطلب مني إعداد العشاء، وأثناء تحضيري العشاء سمعت دوي انفجار في المنزل، فخرجت من المطبخ مسرعاً حتى وجدت معتصم على الدرج يركض، وصعقت بالمنظر إذ ظهر أمامي معتصم غارقاً في دمه، لم يقل حينها سوى بضع كلمات، خذني إلى الطبيب وقم بفتح جميع إسطوانات الغاز، وصممّ على عدم الذهاب إلى المشفى، تساءل الجميع عن السبب وما الذي حدث ونحن نقول إسطوانات الغاز انفجرت، ونصحنا الطبيب بالذهاب فوراً إلى المشفى ولكن أصر معتصم على عدم الذهاب. وأنا في نفسي أتساءل لماذا؟!

فوجئنا بأن معتصم خلال فترات غيابه أتقن تصنيع المتفجرات وأصبح مهندساً فيها، ولكنّه وأثناء عملية التصنيع في ذلك اليوم أخطأ فبدلاً من أن يضع جهازه الخليوي في نقطة الشحن وضع الجهاز المفخخ".

 ويصف زكريا بيت معتصم المنفصل عن منزل العائلة الرئيسي ببضع مترات بحقل الألغام، إذ كانت لا تخلو منها زاوية إلا وقد وجد فيها جهازاً مفجراً أو عبوّة ناسفة.

هدم منزل العائلة

وعن حكاية هدم المنزل يقول زكريا "في عام ٢٠٠١  كنت جالساً على الشرفة نظرت إلى الشارع وإذ به ممتلئ بجنود الاحتلال، قلت لأخي اسامة أنا لا أريد أن ابقى هنا، المنزل يعجّ بالأسلحة والمتفجرات وإذا بقينا هنا سيُحكم علينا بالمؤبد، أخذنا السلم وغادرنا من السطح أنا وأخي، لكن تفطّن لنا الجنود، وفتحوا علينا الرصاص بكثافة، حتى سمعت أخي اسامة يتألم وتبيّن أنه أُصيب برصاصه في رأسه، قمت بسحب أسامة حتى وصلنا إلى بيت الجيران، وبسبب الصوت خرج عناصر مركز الشرطة الفلسطينية معتقدين أنّ هناك مشكلة ما حدثت، فاستشهد 4 منهم على إثر ذلك.

وفي الصباح تم تفتيش المنطقة واخذوني أنا، أما أسامة فقد خبأناه تحت السرير، فسألني عن اسمي وأجبته زكريا حماد أخ معتصم، قال هذا بيتكم أجبته بنعم.

وفور وصول ضابط مخابرات سألنا عن وجود شيء ما في المنزل، فقد قررنا أن نهدمه، قلنا له اهدمه، ولكن قال أنا أريد بيت معتصم بالتحديد وهو الجزء العلوي من المنزل فوضع به الديناميت وفجره، كان منظراً هائلاً تقشعر له الأبدان".

وتقول خولة شقيقة معتصم "كانت أمي لا تريد أن تخرج من البيت، فأتوا لها بالكلاب، وانفجر المنزل، وبينما كان الجميع يبكي، قالت أم المعتصم: "يا خسارة، راحوا الزيتات"، مما جعلنا ننسى الألم، فأمي كانت قوية ولا تهاب الجيش" وتضيف أن المادة المتفجرة التي صنّعها معتصم أسماها أم العبد نسبة لأمه.

اختراق الشاباك

 ازداد التحدي بين معتصم وضابط المخابرات الإسرائيلي "أوشر"، الذي لطالما اعتبره معتصم نداً، وذات يوم وقع انفجار على حاجز الطيبة والاستشهادي من بلدة عنبتا اسمه مراد أبو عسل، والمسؤول عن العملية المهندس معتصم حماد، إنه أخي المطلوب رقم واحد لدى الموساد، يقول زكريا، ويضيف "كان الشهيد مراد ينقل كل أخبار الموساد لمعتصم بحجة أنه يعمل مع الاحتلال ولكنه كان على العكس تماماً، وآخر خبر كان لمعتصم من مراد أن الاحتلال يريد تصفيته".

ويتابع "بعد العملية اقبل ضابط المخابرات إلى بيت العائلة وقال: أضرب التحية لوالدة معتصم، وسألها هل تعلمين ما الذي قام به ولدك اليوم؟ أجابت بلا، فرد عليها خطط لعملية تخريبية وقتل فيها ضابطين من جهاز المخابرات، وجاء رد أم العبد، لعله يقلع عيونكم، أنا سلمته إلى ربي، ووهبته لحبيبتي الاولى فلسطين".

حياة المُطارد

تبتسم خولة وتنظر إلى صورة معتصم التي وضعتها في الغرفة، وتروي: هاتفني معتصم قال أنا في طريقي إليكِ ولكن اعدّي لي الهريسة هل تستطيعي؟ قلت له على الرحب والسعة سأعدّها بسرعة، جاء إليَّ عصراً، وبدون أي تخطيط أتى والدي في نفس الوقت، وأثناء نقاشهم الذي دار حولَ تسليم معتصم نفسه باقتراح من الأب، أجاب معتصم مستنكراً أنت تقول هذا يا أبي! أنا أريد الشهادة، الشهادة لا غير، وأقبلت أمي تتمعن في وجه معتصم.

تقول الأم لابنها ألم يحن الوقت لكي أفرح بك يا ولدي، ردّ معتصم مبتسماً، ستشهدي لي عرساً كبيراً عمّا قريب أمّاه، وبالفعل كان العرس بعد يومين فقط.

الشهادة

في الثالث عشر من شهر آذار لعام 2002، وفي حدود الساعة الثالثة الا ربع مساءً، دوي انفجار في منطقة السهل الغربي، تحليق مكثف للطائرات، اشتباك مسلح يدور في المكان، تسارعت وتيرة الأخبار والمناخ كان مهيأ جيداً لأي رواية، معتصم شهيد؟ لا على ما يبدو ماهر البلبيسي، بل رامي الملحم، على الأرجح أن يكون أصيب أحدهم أم لم يصاب؟ عنبتا تشتعل، مشاهد فظيعة وأنغام الرصاص تصدح في كل الأرجاء، انتهت العملية وانسحبت قوات الاحتلال، ثلاث حالات وصلت إلى مبنى الهلال الأحمر الفلسطيني في عنبتا، ماهر ورامي والمخترق المهندس معتصم حمّاد، ما الذي حدث يا رامي 

ماهر صديق معتصم ورفيق دربه شهيداً على إثر القصف الصاروخي المباشر، معتصم كان في ذلك الوقت يصلّي ركعته الأخيرة لربه، تزامناً مع إنهاء صلاته بدأ القصف، حمل سلاحه واشتبك أصيب بالرأس مباشرةً مرة واثنتان وثلاث، أكثر من عشرون رصاصة اخترقت جسد المخترق، لتنتهي أسطورة معتصم بعبارة "هدية أوشر إلى معتصم".

أم العبد، والدة الشهيد معتصم لم تقدر على تصديق الخبر ورفضته كلياً، وعندما تأكدت بنفسها، رفضت البكاء، وعلى العكس تغنّت بابنها ولحنت: "سبّل عيونه ومد ايده يحنوله"، كبّرت وحمدت الله وأطلقت الرصاص بالهواء أثناء التشييع، أمّا والده فرفض التعازي مطلقاً، ارتدى بدلته واشترط على الناس بأن تبارك له شهادة ابنه معتصم بدلاً من تعزيته.

#الاحتلال #انتفاضة