شبكة قدس الإخبارية

يا بيرزيت.. تعالوا إلى كلمةٍ سواء

maxresdefault
أنس حواري

في ظل التوتر السائد في جامعة بيرزيت منذ أيام على خلفية منع "مظاهر العسكرة" خرجت الحركة الطلابية في الجامعة مساء أمس لتقلب الطاولة على الجميع وتعلن الإضراب المفتوح مع الاعتصام لتحقيق مطالب عدة، خلت جلها من أي إشارة إلى مسبب التوتر الذي أدى إلى إخلاء الجامعة مرتين وتعليق الداوم ليوم كامل.

يرى الكثيرون بأنّ هذه الخطوة في منتهى الذكاء، وهي كذلك بالفعل وتعكس قدرة الحركة الطلابية على إدارة الأزمة واستعمال أوراق القوة في الوقت المناسب، لكن وبرغم كل ذلك فلنتفق على أن ما يجري هو عراك للوصول إلى رأي يعتقد كل طرف أنه الأفضل لحل مشكلة التحريض التي يشنها الاحتلال على الجامعة وعليه يجب أن نتذكر أن المعركة الحقيقية مع المحتل وحده ولا يجب أن تتحول إلى معركة داخلية الكل فيها خاسر كجادعٍ أنفه بيده.

الحل يكمن في فهم الواقع ومتطلباته، علينا أن نُسلّم أن الجامعة بأكملها مستهدفة لأنها أزعجت الاحتلال ولم تضعف بسياسة "جز العشب"، ربما الجميع متفق على هذا لكن نقطة الخلاف الكبرى في كيفية التعامل مع تحريض الاحتلال وهجماته التي لا تنقطع.

ترى الجامعة أو من يدافع عن قرارها بمنع ما يسمى "مظاهر العسكرة" أن الاحتلال يستغل هذه المظاهر للتحريض على الجامعة وربما اتخاذ اجراءات لا يمكن تحمل نتائجها، وتقول الإدارة إن الجامعات ليست المكان المناسب لهذه المظاهر وهذا بديهي في كل جامعات العالم، نعم نتفق مع الإدارة بأن الجامعة مكان للدراسة وهذه المظاهر غير مناسبة، لكن هذا في "جامعات العالم" وليس في دولة تحت احتلال تعيش في ظرفٍ غير طبيعي.

"قد" يتقبل الطلبة قرار الإدارة لو أنها امتلكت من القوة ما يكفيها لمنع اقتحام قوات الاحتلال الخاصة حرم الجامعة واختطاف رئيس مجلس طلبتها من قلب الجامعة وأمام عدسات المصورين، أو منع الاقتحامات العسكرية للاحتلال بعشرات الجنود المدججين بالسلاح، أو اعتقال دكتورة في إحدى كليات الجامعة، أو منع اعتقال منسقة أعمال مؤتمر مجلس اتحاد الطلبة، نعم دافع الكثيرون عن الإدارة حين فشلت بمنع كل ما سبق وكنت من المدافعين ولكن هذا يعني بالضرورة أن لا تطالب الإدارة الطلبة بتصرفات طبيعية مثل كافة "جامعات العالم" ما لم توفر لهم الظرف الطبيعي الذي يعيشه كل العالم.

المشكلة الكبرى أننا لا نتعامل باستراتيجية واضحة وهذه مشكلة البلد ككل وليس بيرزيت وحدها، في المقابل يتعامل العدو بسياسة واضحة وخطوات مدروسة، فمثلًا حين اقتحم المستعربون حرم الجامعة في مشهدٍ إجرامي صادم، نفذ الاحتلال مخططه ومضى ولم يأبه برأي العالم وربما جنّد من إعلاميين وحقوقيين ودبلوماسيين من يتصدى لأي متابعة أو ردة فعل قد تنشأ في العالم على إثر الجريمة.

في المقابل نحن نجرّم مظاهر طبيعية وطنية سلمية ونحاول أن نلصق لها صفة العسكرة وكأننا نلفت نظر الكون كله إلى أن هذا الفعل "عسكري" بدل أن نحاول أن نظهره بمظهر طبيعي، وهو فعلًا هكذا، مظهرٌ وطني سلمي فما المشكلة ببنطال زيتي اللون وكوفية تلتف على وجه صاحبها كي لا يُلاحق من قبل عسكر العدو؟ لقد كان ثوار مصر إبان ثورة يناير يقولون: ما دون القتل فهو سلمية، ولقد شهد العالم أجمع أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى كانت شعبية سلمية، فهل لو كنا في عهدها لقلنا هذه تصرفات "تعسكر الانتفاضة"! أي منطقٍ هذا!

يجب أن يفهم الكل الفلسطيني أن المقاومة تعلو ولا يُعلى عليها وكل ما في الكون يجب أن يسخر لدعمها وإلا لاحقتنا الهزائم وطاردنا عدونا وشردنا من بيوتنا وباتت كل فلسطين له ولمستوطنيه وحينها العالم الذي نخشى رأيه سيقف متفرجًا على تشردينا معبرًا عن قلقه، في المقابل لو دافعنا عن المقاومة لثبّتنا أمرًا واقعًا لا نقاش فيه، تمامًا مثلما حدث في هبة البوابات وكأن الفلسطيني بعث برسالة حينها لكل مقاوم "افعل ما تشاء في الوقت والمكان الذي تشاء ومن خلفك أمة بأكملها تحرس نصرك".

في أزمة بيرزيت –هذه الجامعة التي تهم كل فلسطيني وكل حر وليس فقط طلبتها- لا بد من الوصول إلى رأي يساعد الجميع على النزول عن الشجرة، ولا أرى أفضل من العودة لأصل الخلاف للوصول إلى الرأي الذي يلتقي خلفه الجميع، بدأت المشكلة لأن ما تسمى ب"مظاهر العسكرة" مكانها الصحيح ليس الجامعة، ولكن سنتجاوز هذه النقطة كون الظرف الفلسطيني الأصل فيه الاستنثاء والغريب هو التعامل بشكل طبيعي، أما مواجهة الاحتلال وتحريضه فهذا ما يحتاج تظافر كل الجهود وتشكيل رؤية مشتركة للتصدي له، وبصراحة نحن بحاجة لشرعنة هذه المظاهر الوطنية المسماة "مظاهر العسكرة" وليس تجريمها والخجل منها والعمل على منعها.

لا بد للجامعة والأطر الطلابية من تشكيل لجان مختصة تواجه اجراءات الاحتلال في حال فعلًا بلغ التحريض مستويات يمكن أن تؤثر على الجامعة دوليًا، وقبل ذلك لا بد للإدارة من التعامل مع الحركة الطلابية من منطلق الشراكة وليس الأمر، فهم لا ينقصهم الوعي ولا الانتماء لإدراك خطورة الموقف إذا كان فعلًا بلغ مستويات لا يمكن تحملها، وعليه يمكن الخروج بحل يرضي الجميع على أن لا يكون الثمن التخلي عن المظاهر الوطنية التي تشكل رمزًا للهوية الفلسطينية.

صحيح أني لم أدرس في بيرزيت رغم رغبتي بذلك، إلا أن بيرزيت سكنتنا جميعًا وكما قال أحد الأساتذة العظماء حين كنا بدورةٍ متخصصة في الصحافة الاقتصادية في الجامعة قبل أسابيع "كل من يمر في بيرزيت تترك فيه أثرًا ويترك فيها أثرًا" ولذلك يخشى الجميع عليها من أن تنضم إلى جامعاتٍ تحظر على طلبتها حتى الكلمات الدالة على المقاومة في معارض القرطاسية على سبيل المثال!

إنّ جموع الأحرار حين رفعوا من مكانة بيرزيت لم يفعلوا ذلك إلا لأنها رأس حربة في كفاح شعبنا الفلسطيني فإن تساوت مع غيرها بمنع هكذا فعاليات ومظاهر وطنية، خسرت ألقها وتميزها والمكانة التي صنعها الأحرار بعد أن دفعوا الثمن من وقتهم وحريتهم وحتى حياتهم، وأني لأعجب من نخبٍ عابت على جامعاتٍ بالأمس منعها لوجود مظاهر وطنية داخل أروقتها، تتكلم اليوم بلسان المتعقل الذي يمتلك الحكمة والبصيرة التي لا يمتلكها "المتحمسون" من قومه!

*الصورة من اقتحام جنود الاحتلال بزي مدني لحرم جامعة بيرزيت واختطاف رئيس مجلس اتحاد الطلبة عمر الكسواني في آذار من العام الماضي.

#الاحتلال #بيرزيت