شبكة قدس الإخبارية

نشر صُور الشهداء الصادمة، هل هو حقا غير أخلاقي؟

76722807_1483951545101435_5967442511843557376_n
عبدالله شرشرة

تعتبر الصور ومقاطع الفيديو، من أنجح الوسائل التي تلجأ إليها الصحافة في توثيق القصة الصحفية، ومنح التغطية الإخبارية المصداقية الملائمة، في عالم أصبح بالإمكان فيه التشكيك بأي شيء، وفي فلسطين للصورة الصحفية مكانة خاصة، فهي واحدة من أهم وسائل توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.

وفي كل مرة ترتكب فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرةَ جديدة، يخوض الفلسطينيون نقاشا أخلاقيا وقانونيا حول نشر صور انتهاكات جيش الاحتلال ذات الطابع الصادم، والقاسي كجثث الشهداء، وأشلاء المصابين. ويعيب العديد من المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي على وكالات الأنباء، ونشطاء الإعلام الجديد نشرهم هذا المحتوى، حيث يستند هؤلاء على قضيتين أساسيّتين : الأولى تتعلق بأن نشر الصور ينتهك خصوصية الضحايا وعائلاتهم ويبقى المأساة قائمة، ولا يساعدهم على الشفاء من آثار الصدمة جرّاء هذه الانتهاكات. أما الحُجة الثانية فهي تتعلق بأن نشر هذه الصور ذات المحتوى العنيف والصادم ينتهك قواعد حقوق الإنسان، المتمثلة باحترام الموتى، أو المعايير المتعلقة بقواعد النشر الخاصة بالصور الخاصة بالأطفال والقُصّر.

ولا يعد هذا النقاش فريدا في العالم، فهو نقاش متجدد مع كل طلقة من بندقية في ربوع العالم! وتعد صورة " Napalm girl" الملتقطة عام 1972 في الفيتنام، وهي صورة تمثل طفلة عارية، بعد أن ألقيت قنبلة نبالم حارقة على قريتها، فاحترقت ملابسها، وجسدها الهزيل. حيث قام Nick Ut وهو مصور وكالة Associated Press، بالتقاط لحظة هروب الفتاة وهي عارية وسط القرويين الفارين والجنود الفيتناميين. وقد كان محررو صحيفة New York Times مترديين في نشر الصورة، إلا أن نشرها كان واحد من أهم عوامل التأثير على الرأي العام الأمريكي لوقف حرب الفيتنام، نظرا للتأثير الكبير الذي تسببت به الصورة في وجدان العالم.

وللأسف فإنه وحتى الآن، لا يوجد معايير واضحة، ومتفق عليها في فلسطين يمكن الاستناد إليها لتحديد إذا ما كانت مسألة نشر الصور القاسية من عدمه أخلاقيا أم لا، حيث أن المعيار الواضح، والمستخدم حاليا هو الركون الصحافة الفلسطينية للعاطفة كمحدد أساسي لمسألة النشر من عدمه.

وفي الحقيقة، لدي إيمان راسخ، أن نشر الصور القاسية والصادمة للشهداء والجرحى وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، لا يعد أمرا غير أخلاقي، أو غير قانوني، إذ لا يمكن نقاش هذه المسألة بمعزل عن أن هذه الصور توثق انتهاكات لحقوق الإنسان ترتكب من دولة عضو في الأمم المتحدة، وبالتالي فهي توثق جرائم على قدر من الخطورة بحيث لا يمكن وضعها مع الصور ذات طابع جنائي المحلي كصور حوادث السير أو ضحايا السرقة والاغتصاب التي يضفي عليها القانون ومدونات السلوك الأخلاقي للصحفيين حماية خاصة في سلة واحدة.

إذ أن الصور التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة في الحالات التي يكون نمط الانتهاكات واسع النطاق، كالحروب مثلا، وإن كانت قاسية، فإن ذلك يبرر نشرها، " فلاّ أخلاق " يكمن في وجود هذه المشاهد وليس في نشرها.