شبكة قدس الإخبارية

عن غزّة والحقوق المؤجلة

92
خالد بركات

كتب غسان كنفاني رواية صعبة وقاسية تدور أحداثها في قطاع غزة  وهي روايته الثانية بعد "رجال في الشمس" وقد اختار لها اسم "ما تبقى لكم".. يمكن القول أيضًا أنها رواية الحصار.. نعم الحصار الذي بدأ في تلك الأيام.. وَلم ينته بَعد!

ونقرأ في الرواية عن شخص بذيء وخائن، له روح ميتة ورائحة نتنة، يَدُل العدوّ على رجال المقاومة، كان اسمه (زكريا) اغتصب فتاة فقيرة وبائسة (مريم) وزرع في أحشائها جنينًا صار يكبر ويتكوّر في كل دقيقة ويفضح سرّها.

إنها رواية العار.. لكن أيّ عار؟

وكلما طلبت منه مريم أن يتزوجها لتخرج من الكابوس "لأن الساعة تدق وتدق وتدق" قال لها زكريا وهو يتمَطّى على الأريكة:

لكن مَهرِك كُلّه مُؤجل!

كل الحقوق مؤجلة؟ نعم، كلها..

رواية ما تبقى لكم، هي قصة غزة المحاصرة بين الأمس واليوم، قصة شعب بين فكيّ الوحش، العدو والخيانة. قصة زكريا ومريم وشروط الحقوق المؤجلة في بطن الحصار.. إنها قصة شقيقها الفتى أيضًا، الذي أراد اليحث عن أمه التي تركتهما وسافرت إلى الأردن .. صار يتعّين عليه أن يقطع الصحراء أولاً..

لم يترك الوحش (الصهيوني والخائن) أي خيّار أمام مريم، كان لابد أن تستل سكينها وتطعنه حتى الموت، فيما يلتقي حامد في وسط الصحراء، أحد جنود العدو الذي شرّدهم من يافا.. ويشتبك معه. لقد أراد غسان كنفاني أن يقول إن التعايش مع العدو والخائن وقبول الذل والحصار مسألة مستحيلة ولا يمكن أن يكون الخلاص فرديا، كما حدث مع الرجال الثلاثة في روايته الاولى والذين ماتوا في الخزان تحت شمس الصحارى العربية لأنهم أسلموا مصيرهم لخائن جبان .. وليس لأنهم لم يقرعوا جدران الخزّان فقط !...

تذكرت رواية الحصار، أو "ما تبقى لكم" وأنا أقرأ عن الشاب "يحيى" الذي قرر أن يحترق أو ينفجر بعد أن حاصرته جيوش الخديعة وبعد أن مات والده وتركته أمه وسافرت إلى الأردن.. وصارت كل حُقوقه مؤجلة!

لا، لا تولد القصص من عدم، ولا الأسماء تولد هكذا بالصدفة، من زكريا و مريم إلى قصة يحيى الذي احترق وانفجر.. إنها قصة الحصار الطويل الذي لم ينته بعد .. حكاية "الوحش أبو قرنين" قرن صهيوني وآخر خائن.. وحش قاتل .. لم نذبحه بعد.