شبكة قدس الإخبارية

حرية التعبير عن الرأي للقضاة: بين المعايير الدولية وترويج الأوهام

29
عصام عابدين

هنالك مصطلحات عامة، يتم تداولها أو ترويجها، بين الحين والآخر، في خضم الحديث عن الحق في حرية التعبير عن الرأي للقضاة الفلسطينيين، تتعلق بهيبة ونزاهة واستقلال القضاء، للدلالة على أنها واردة في المواثيق الدولية كضوابط على حرية التعبير عن الرأي كالمبادىء الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1985 وهي مسألة تستحق الكتابة بشأنها.

ما يثير الاهتمام، أنه يتم الاكتفاء بذكر تلك المصطلحات فقط، دون الإشارة إلى المعايير الدولية الراسخة للحكم على سلامة تطبيق ضوابط تلك المصطلحات في الممارسة؛ أي يتم تجاهل "الفحص ثلاثي الأجزاء" واجب الإعمال، الذي يُوصف بالفحص الصارم، وينبغي اجتيازه، بمستوياته الثلاثة، بنجاح، للقول بصحة أيّ قيد يرد على حرية التعبير عن الرأي، للقضاة وغير القضاة، داخل منظومة حقوق الإنسان، للحكم على صحة إنفاذه بموجب الاتفاقيات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما يؤدي بالمحصلة النهائية للوصول إلى نتائج غير صحيحة، من شأنها أن تُضلل الرأي العام؛ مفادها أن هناك تطبيقا أمينا لحقوق الإنسان في حين أننا أمام تجنٍ على مبادىء وقيم وعالمية حقوق الإنسان التي لا تقبل التجزئة.

يؤكد، المستوى الأول، من الفحص الثلاثي الصارم، للحكم على صحة أيّ ضابط أو قيد يرد على حرية التعبير عن الرأي - وغيرها من الحقوق والحريات - أنه يتوجب أن يكون منصوصاً عليه بنص قانوني واضح وصريح، ومحدد بدقة، يُمكّن القضاة من الحكم على سلوكهم وقياس تصرفاتهم من خلاله، وأن لا يكون عاماً وفضفاضاً، لأن المصطلحات العامة والفضفاضة من شأنها أن تُفرّغ الحق من مضمونه وأن تُعرضه للخطر في الممارسة العملية؛ وهذا ما يحصل للأسف عندما يتم الاكتفاء بذكر الضوابط الواردة على حرية التعبير عن الرأي، للقضاة وغير القضاة، وتجاهل الفحص ثلاثي الأجزاء (الاختبار الحاسم) اللازم للحكم على صحة وسلامة تطبيق أيّ قيد، وارد في المواثيق الدولية، في التشريع والممارسة العملية.

الاكتفاء بالقول؛ إنّ هيبة ونزاهة واستقلال القضاء، ضوابط على حرية التعبير عن الرأي للقضاة، دون تحديد المقصود منها "بدقة كاملة" وكافية لقياس الأداء من شأنه أن يُفرّغ حق القضاة في التعبير عن آرائهم بحريه من مضمونه، وأن يُعرضه للخطر، وهنا يصبح القيد أو الضابط مخالفاً للمعايير الدولية، وينتهك حق القضاة في التعبير عن آرائهم، فلا يجوز الركون إلى مصطلحات عامة، غير محددة، بدقة، والتعامل معها على أنها ضوابط على حرية التعبير، وإنما يتوجب تحديد القيد بدقة لأنه استثناءٌ وليس الأصل، والأصلُ ضمانُ حرية التعبير عن الرأي للقضاة وعدم تجريدهم من حق طبيعي لصيق بالإنسان.

ومن ذلك؛ أن نقول مثلاً إن إنخراط القاضي في حزب سياسي معين من شأنه أن يمس بهيبة ونزاهة القضاء، صحيحٌ أن انخراط الأفراد في حزب سياسي حق من حقوقهم المدنية والسياسية (الجيل الأول من أجيال حقوق الإنسان) لكن ممارسة القاضي لهذا الحق من شأنه أن يؤدي إلى تزاحم في الحقوق؛ بين الحق الفردي للإنسان في الانتساب إلى حزب سياسي معين وبين الحفاظ على نزاهة واستقلالية وحياد القضاء كحق للمجتمع ككل؛ والأخير هو الأجدر بالحماية والرعاية، ولأنه كذلك، فإن الأمر يتطلب والحالة تلك إنهاء عضوية القاضي من الحزب أو التنظيم السياسي إذا ما أراد ممارسة العمل القضائي.

وبذلك نجد أن المادة (16) من قانون السلطة القضائية الفلسطيني لسنة 2002 تنص على أنه "يُشترط فيمن يتولى القضاء أن ينهي عضويته عند تعيينه بأي حزب أو تنظيم سياسي" ونجد أن هذا الضابط أو القيد متفقٌ مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، لأنه واضح ومحدد بدقة في النص القانوني ويمكن للقضاة قياس الأداء عليه؛ وبذلك فهو قادر على هذا الأساس على اجتياز الفحص الصارم ثلاثي الأجزاء.

ما يهمنا؛ أن الضابط في المثال المطروح، واضحٌ تماماً، ومحدد بدقة، وغير فضفاض، ويمكن للقاضي أن يقيس تصرفاته عليه، ولا يخضع للاجتهاد الشخصي وإيهام الناس أن المسألة قابلة للجدل أو المساومة وهناك آراء مختلفة! في حين أننا أمام عدم معرفة، أو تضليل، يطال مبادىء وقيم دستورية، ومساس بخصائص حقوق الإنسان القائمة على العالمية وعدم التجزئة وعدم التمييز، ومساس بحق القضاة الفلسطينيين، وغير القضاة، في التعبير عن آراهم بحرية، ليس فقط كحق فردي، وإنما كقيمة مجتمعية.

وإذا كان المقصود من الاكتفاء بالإشارة للمصطلحات الواردة في المواثيق الدولية ومدونات السلوك (هيبة ونزاهة واستقلال القضاء) وتجاهل الفحص الثلاثي في المعايير الدولية للحكم على سلامة تطبيقها على الأرض، وترك الأمر "لإدارة القضاء" لتقرر ضوابط حرية التعبير عن الرأي للقضاة بالتعميمات وغيرها؛ فإننا أمام تضليل للناس، وتجنٍ على المعايير الدولية، وانتهاك لحقوق طبيعية لصيقة بالقاضي الإنسان.

لا يجوز الاكتفاء بترديد مصطلحات واردة في المواثيق الدولية بشأن حرية التعبير عن الرأي سواء للقضاة أو غير القضاة، كما هي، وقراءتها على نحو مجتزأ، لأننا بتلك القراءة الهشة نتجنى على المعايير  الدولية ومبادىء وقيم حقوق الإنسان، ونبقى بذلك في مجال "المصطلحات الفضفاضة" التي لا يمكن قياس الأداء عليها، في الممارسة العملية، وتصبح عُرضة للاجتهادات الشخصية والآراء المتضاربة، وإيهام الناس (مصدر السلطات) أننا أمام اجتهادات مختلفة وآراء ومدارس هنا وهناك، والحقيقة أننا أمام تجاهل "للمعايير الدولية" وخصائص حقوق الإنسان وعالميتها وعدم قابليتها للتجزئة، وتجاهل لأصول الفحص ثلاثي الأجزاء كمعيار دولي، أساسي وموضوعي، وصارم، للوقوف على الضوابط الواردة في الاتفاقيات والمواثيق الدولية.

تماماً كأن نقول إن المادة (19) فقرة (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه دولة فلسطين بدون تحفظات تضع ضوابط على حرية التعبير عن الرأي تتعلق بالأمن القومي والنظام العام والصحة العامة والآداب العامة، ومن ثم تقوم السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية (الإدارة القضائية) بالتضييق على حرية التعبير وفق اجتهادات شخصية على اعتبار أن تلك المصطلحات واردة في العهد الدولي المذكور، وأن تتجاهل الفحص الصارم ثلاثي الأجزاء للحكم على صحة وسلامة تطبيق تلك القيود أو الضوابط وفق المعايير الدولية، وأن تتجاهل أن الاتفاقية لا يمكنها وضع تعريف موحد للدول الأطراف بهذا الخصوص كونها تفترض أنّ الدول الأطراف تطبق الفحص الثلاثي على تلك المصطلحات، وأن ترديدها وإخضاعها للأهواء والأمزجة، بمعزل عن الفحص الثلاثي، هو فشلٌ في المستوى الأول للفحص الذي يوجب أن يكون القيد محدداً بدقة وبالتالي هناك انتهاكٌ لأحكام الاتفاقية.  

وفي ذلك، تقول اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في التعليق العام (34) على المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بحرية التعبير عن الرأي وتحديداً في الفقرة (25) من التعليق المذكور "لأغراض الضوابط الواردة على حرية التعبير  عن الرأي (المادة 19 فقرة 3) يجب أن تُصاغ القاعدة التي ستعتبر بمثابة قانون، بدقة كافية، لكي يتسنى للفرد ضبط سلوكه وفقاً لها، ويجب إتاحتها لعامة الجمهور". فيما تؤكد الفقرة (26) من ذات التعليق العام المذكور على أنه يتوجب أن تكون الضوابط الواردة على حرية التعبير عن الرأي متوائمة مع "الشروط الصارمة" الواردة عليها (أي الفحص ثلاثي الأجزاء) وأن تكون متوائمة أيضاً مع أحكام هذا العهد الدولي وأن لا تكون قائمة على أيّ تمييز.

بعد اجتياز المستوى الأول، من الفحص ثلاثي الأجزاء، بنجاح، للحكم على صحة وسلامة أي ضابط يرد على حرية التعبير عن الرأي، للقضاة وغير القضاة، نأتي إلى المستوى الثاني للفحص الذي يتمثل في وجود مصلحة عامة مشروعة وملحة من وراء الضابط على حرية التعبير عن الرأي، وينبغي اجتيازه أيضاً بنجاح، والمقصود هنا أن لا يتم وضع الضابط اعتباطاً، أو حسب الأهواء والأمزجة، وإنما هناك مصلحة عامة وملحة أدت إلى وضعه، وينبغي أن تكون المصلحة العامة من ورائه واضحة بدقة، لا أن يتم الاكتفاء بالقول إن الضابط على حرية التعبير عن الرأي هو المصلحة العامة، أو إن الضابط على حرية التعبير  عن الرأي للقضاة يتمثل في هيبة ونزاهة واستقلال القضاء؛ لأن ذلك يعني فشلٌ في المستوى الأول للفحص.

وهنا نجد أن التعليق العام (34) على المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (حرية الرأي والتعبير) يؤكد في الفقرة (21) على أنه "لا يجوز أن تُعرّض القيود الواردة على حرية التعبير عن الرأي الحق ذاته للخطر ويجب ألا تنقلب العلاقة بين الحق والقيد وبين القاعدة والاستثناء". فيما تؤكد الفقرة (15) من ذات التعليق العام الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة على أنه "ينبغي للدول الأطراف أن تأخذ في الحسبان مدى تأثير التطورات التي طرأت على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مثل نظم المعلومات الالكترونية القائمة على خدمات الانترنت والهاتف النقال، في إحداث تغيير كبير في ممارسات الاتصال حول العالم، وتوجد اليوم شبكة عالمية لتبادل الأفكار والآراء لا تعتمد بالضرورة على الوسطاء التقليديين لوسائط الإعلام الجماهيري، وينبغي للدول الأطراف أن تتخذ جميع التدابير الضرورية لتعزيز استقلال هذه الوسائط الإعلامية الجديدة وأن تضمن سبل وصول الأفراد إليها".

وأمّا المستوى الثالث، من الفحص ثلاثي الأجزاء، الذي ينبغي أيضاً اجتيازه بنجاح، للحكم على صحة أيّ ضابط على حرية التعبير عن الرأي للقضاة وغير القضاة، بعد أن يكون القيد واضحاً ومحدداً بدقة ويهدف إلى حماية مصلحة عامة مشروعة وملحة، فيتمثل في توفر شرطي "الضرورة والتناسب" بين الضابط أو القيد الوارد على الحق؛ والحق المراد حمايته، أي أن يكون القيد ضرورياً في مجتمع ديمقراطي ومتناسباً يشكل الإجراء الأقل تدخلاً لتحقيق الغاية المشروعة من ورائه. ولا يمكن القول بأن منع القاضي من ممارسة حقه في التعبير عن الرأي في الشأن العام قيدٌ يمكن تصوره في مجتمع ديمقراطي ومنفتح لأن هذا القيد "يفشل" في المستويات الثلاث للفحص في المعايير الدولية؛ لأنه فضفاض ولغياب مصلحة عامة مشروعة وملحة ولأنه غير ضروري وغير مألوف في مجتمع ديمقراطي وغير متناسب مع الحق المراد حمايته.

تؤكد اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في التعليق العام (34) وتحديداً الفقرة (11) على وجوب أن تضمن الدول الأطراف الحق في حرية التعبير عن الرأي بما في ذلك الحق في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، دونما اعتبار للحدود، ويشمل هذا الحق التعبير عن المعلومات التي تشمل أي شكل من أشكال الأفكار والآراء بما يشمل "مناقشة حقوق الإنسان" والتعليق على "الشؤون العامة"، وتؤكد الفقرة (7) من ذات التعليق الصادر عن الجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة على أن التقيّد باحترام حرية التعبير ملزمٌ لكل دولة طرف ككل، وفي وسع جميع فروع الدولة (التنفيذي والتشريعي والقضائي) وغيرها من السلطات العامة أن تتحمل مسؤولية الدولة الطرف.

إرادة مشرّعنا الدستوري، حاسمة، مفادها أنّ حرية التعبير عن الرأي للقضاة الفلسطينيين حقٌ دستوريٌ مكفولٌ لهم في المادة (19) من القانون الأساسي، وإنّ التمييز بين القضاة وغير القضاة في ممارسة هذا الحق الأصيل ينتهك المادة (9) من القانون الأساسي، وانتهاك تلك النصوص الدستورية الواردة في الباب الثاني من القانون الأساسي الخاص بالحقوق والحريات العامة يشكل جريمة دستورية موصوفة في المادة (32) من القانون الأساسي لا تسقط بالتقادم وتستوجب المحاسبة، وإرادته منسجمة مع المعايير الدولية.

وبالرجوع إلى قانون السلطة القضائية لسنة 2002 نجد أنه ينص في المادة (16) فقرة (5) على أنه "يُشترط فيمن يتولى القضاء أن ينهي عضويته عند تعيينه بأي حزب أو تنظيم سياسي" وقد سبق القول إن النص المذكور لا يتعارض وحق القضاة في التعبير عن آرائهم بحرية المكفول في القانون الأساسي والاتفاقيات والمعايير الدولية. والحال كذلك في المادة (29) فقرة (2) التي تنص على أنه "يحظر على القضاة ممارسة العمل السياسي". وينبغي، على هذا الأساس، قراءة المادة (28) فقرة (1) من القانون المذكور التي تنص على أنه لا يجوز للقاضي القيام بأي عمل لا يتفق واستقلال القضاء وكرامته ويجوز لمجلس القضاء الأعلى أن يقرر منع القاضي من مباشرة أي عمل يرى أن القيام به يتعارض مع واجبات الوظيفة وحسن أدائها.

ولمّا كانت حرية التعبير عن الرأي للقضاة الفلسطينيين حقاً دستورياً مكفولاً لهم في القانون الأساسي الفلسطيني والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، فإنه لا يمكن القول بأن إرادة مشرّعنا الدستوري الواضحة والصريحة تتعارض مع استقلال القضاء وكرامته، أو تتعارض مع واجبات الوظيفة وحسن أدائها، وهنالك فرقٌ واضحٌ بين "ممارسة العمل السياسي" كنشاط حياتي وبين "علم السياسة" كعلم متفرع عن العلوم الاجتماعية وإطار نظري في ميزان القانون وحرية التعبير عن الرأي للقضاة في المعايير الدولية، ولا يمكن تجريد القضاة من حقوقهم الدستورية كمواطنين في التعبير عن آرائهم بحرية في الشأن القضائي والشأن العام، فهذا حقٌ طبيعيٌ تُمليه الرقابة المجتمعية على الأداء العام، وليس منّه من أحد، طالما أن الحق مستندٌ لأساس راسخ في القانون الأساسي والاتفاقيات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ولا يمكن مصادرة حق القضاة في التعبير عن آرائهم، بذريعة أن القاضي يمكن أن ينظر بقضية سبق وأن عبّر عن رأيه فيها، فهذا استدلالٌ بالقياس الفاسد، واعتداءٌ على استقلال القضاة، فلا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، والقانون يعالج المسألة بإجراءات واضحة، في باب التنحي والرد في قانون الأصول، ولا يصح للمجلس القضائي (الإدارة القضائية) أن يقتحم تخوم مبدأ سيادة القانون وسلطان القاضي.  

وأمّا بشأن مدونة السلوك القضائي 2006، التي أُقرت في عهد رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي الحالي، فهي وإنْ كانت متواضعة ولا ترقى لجودة المدونات الإقليمية والدولية، ولا تقوى على القانون الأساسي وإرادة المشرّع الدستوري والاتفاقيات والمعايير الدولية، فهي لا تتعارض مع الحق الأصيل للقضاة في التعبير عن آرائهم، وما ورد فيها بهذا الشأن تكرارٌ لما ورد في قانون السلطة القضائية لسنة 2002. وهذا ما تؤكده المادة (39) من مدونة السلوك التي نصت على أنه "بما لا يتعارض مع أحكام القانون وواجباته الوظيفية للقاضي أن يعبر عن رأيه بوسائل التعبير كافة". وهي بذلك تكفل حق التعبير عن الرأي للقضاة.

ولّما كانت حرية التعبير عن الرأي؛ حقٌ طبيعيٌ لصيق بالإنسان، ومكفولٌ دستورياً وفي الاتفاقيات والمعايير الدولية للقضاة الفلسطينيين، وقيمة مجتمعية، وحيث أن مبدأ سيادة القانون أساسٌ دستوريٌ راسخٌ في قانوننا الأساسي، وحيث أن المادة (42) من مدونة السلوك المذكورة تنص على أنه "يتوجب على القاضي أن يكون مطلعاً على الاتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية التي تكون فلسطين طرفاً فيها" فإن إنزال حكم القانون يقتضي قيام مجلس القضاء الأعلى الانتقالي بإلغاء كافة التعاميم التي صدرت عن رؤساء مجالس القضاء السابقين، ورئيس المجلس الانتقالي الحالي، التي تمس بحرية التعبير عن الرأي للقضاة.

وختاماً، يقول المستشار طارق البشري، نائب رئيس مجلس الدولة المصري الأسبق: إن ثمة أمرين متلازمين لا يكتمل التكوين القضائي إلا بهما، أولهما نظامي يتعلق بالتكوين المؤسسي المستقل للجهاز القضائي، وثانيهما نفسي تربوي يتعلق بتكوين القاضي الإنسان، وكما أنه لا كفاءة لعالِم في أيّ من فروع العِلم الطبيعي أو الاجتماعي إلا بالصدق، ولا كفاءة لجندي مقاتل إلا بالشجاعة، ولا كفاءة لرائد فضاء إلا بروح المغامرة، ولا كفاءة لتاجر إلا بروح مضاربة، فإنه لا استقلال لقاض ولا حياد له إلا بروح استغناء.