شبكة قدس الإخبارية

قصة البيان رقم (1): دعاية عسكرية أم موقف عربي رسمي ؟

75226522_1150812521776195_1756974733137543168_n
عبدالله شرشرة

في شهر أيار عام 1948 قامت طائرة حربية يُعتقد أنها عربية، بإلقاء منشورات على مستوطنة (مناحميا) التي أقامها الاحتلال الإسرائيلي، على أرض مدينة بيسان،  بالقرب من غور الأردن، كان المنشور مكتوبا بلغات ثلاث: العربية، والعبرية، والألمانية. وقد احتفظت عائلةٌ إسرائيلية بالمنشور العربيّ لسنوات طويلة، حتى قامت مؤخراً بالتبرع به لجمعية (زوخروت) الإسرائيلية، وهي جمعية يديرها إسرائيليون وفلسطينيون وتنشط في مجال رفعي وعي الجمهور الإسرائيلي بآثار النكبة وحق العودة.

وقد نشرت، جمعية زخروت،  صورة عن البيان، الذي يبدأ بتفسير أسباب إلقاءه على المستوطنة اليهودية، فتشير الفقرة الأولى منه إلى (أننا قد رأينا ضرورة  توجيه الكلمة التي تلك الفئة غير القليلة من اليهود الذين يعيشون في فلسطين تحت ضغط عصاباتهم الإرهابية المغتصبة، رغبة منا في إيضاح الحقائق التي ربما حُجبت عنهم قصدا والتي ربما تساعد معرفتها على وضع حد لسفك الدماء البريئة) .

وكما هو واضح من البيان، فقد تبنى المنشور موقفا سياسيا لم يكن منسجما مع ماهو سائد عربيا قبيل هزيمة عام 1948، حيث يوضّح المنشور، للجمهور اليهوديّ إلى أن الدول العربية لا تخطط لأي توسعّ إقليمي من خلال عملياتها العسكرية، كما أنها لا تخطط  للاعتداء على "  ممتلكات الشعب اليهودي في فلسطين "، أو للمساعدة في (طغيان) طائفة على أخرى على حد وصفها، أو فرض حل بقوة السلاح.

بل أن السبب الأساسي لقيام الجيوش العربية، بشن عملياتها العسكرية على حد وصف البيان ( أنه لم يعد يخفى على أحد ما تمارسه بعض القوات المسلحة اليهودية في فضائح وتشنيع النساء والأطفال ، والمطامع التوسعية لليهود التي تتنافى مع روح العدالة والمبادئ القومية، وتهديد هذه المطامع التوسعية للمصالح القومية للعرب في فلسطين).

وكما يبدو فقد اختيرت المصطلحات الواردة في البيان بعناية، خاصة تلك التي تحمل دلالات قانونية ذات أبعاد عسكرية، فالمنشور يصف الحرب عام 1948  (بالعمليات الحربية) وهو مصطلح القانوني الذي تبناه القانون الدولي الإنساني عبر اتفاقية جنيف الرابعة لاحقا، وهي الاتفاقية الهادفة لحماية الضحايا أثناء النزاعات المسلحة؟

وعلى الرغم من إطلاق البيان مصطلح ( العصابات الإرهابية ) على اليهود المنخرطين في عملية التطهير العرقي للعرب في فلسطين، إلا أنه قد عاد واستخدم مصطلح (القوات المسلحة اليهودية) ، وهو ما يعزز فرضية خضوع المنشور لتدقيق قانونيّ قبل طباعته، حيث يوحي هذا المنشور إلى أن جيش الإنقاذ العربي، المكون من جيوش عربية ستّة، لم يبدأ عملياته الحربية تجاه مهاجرين يهود عزل ، كما كانت تدعي الدعاية الصهيونية، بل ضد قوات نظامية مسلحة ارتكبت الفظائع ، وهو ما يبرر استخدام القوة المسلحة بحسب القوانين الدولية .

لم يخلو المنشور من موقف سياسيّ واضح لأصحابه لحل القضية الفلسطينية، حيث ينص البيان في الفقرة التقرير أي إلى دعوة اليهود إلى ( أن ينشروا فيما بينهم مبدأ القبول بالدولة الموحدة، والدستور الواحد المؤسس على المبادئ الديمقراطية السائدة في جميع أنحاء العالم ). وقد ورد في المنشور الحربيّ - ذو الرسائل السياسية الواضحة - أن الدول العربية لن تتدخل مطلقا في تقرير  أي فرد من سكان فلسطين لحقوقهم الشرعية المقدسة في تقرير نظام الحكم الذي يختارونه. وهو ما يخالف موقف جامعة الدول العربية التي ختمت اجتماعها في 17 كانون الأول من عام 1947 بقرارها حول ( الاحتفاظ بفلسطين عربية، مستقلة، موحدة).

وعلى الرغم من أن البيان لا يحمل أي توقيع أو إشارة واضحة وصريحة إلى الجهة التي قامت بإلقاء هذه المنشورات من الطائرات حسب إدعاء جمعية زاخروت، إلا وثائق جامعة الدول العربية تشير إلى أنه وبتاريخ 30/4/1948 انعقد في عمان أول مؤتمر لرؤساء أركان الجيوش العربية، فإن فقد خلص قادة الأركان العرب إلى  أن التغلب على القوات اليهودية يتطلب ستة أسراب من الطائرات المقاتلة والقاصفة. وتشير وثائق عسكرية، إلى أن التحركات العسكرية لجيش الإنقاذ كانت تتضمن قصفا مركزا لطائرات سورية وعراقية، ونظرا لأن مزارع ملّحمية، أو ( مناحميا ) حاليا، تبعد عن طبريا 5 كلم فقط، فإنه يعتقد أن هذه المنطقة كانت ضمن القطاع الذي عمل فيه الجيش السوري آنذاك، وهو ما يشير إلى احتمال وقوف الجيش السوري خلفه.

إن الأهم من الجهة التي وقفت خلفه، هو تحديد ما إذا كان محتوى البيان، جزء من دعاية عسكريةّ عربية؟ أم موقفا عربيا رسميا، خاصة وأن محتواه يتناقض مع الموقف العربيّ الرسمي آنذاك.

 

نص الوثيقة العربية

نص الوثيقة العبرية