شبكة قدس الإخبارية

فلسطين.. انتخابات العّبيد ليست حُرّة ولا نزيهة!

622
خالد بركات

حَق البشر في الحُرّية وفي الاختيار الحُر لا تُنكره إلا سُلطة غاشمة ولا تنقُضه إلا عقول مُغلقة غشيمة وتقليديّة والذين يخافون من صوت الناس وإرادة الشعب في التعّبير عن خيّاراته الوطنية الحُرّة...غير أن هُناك فرقًا كبيرًا أيها القارئ العزيز بين الاختيار الحُر، الفرديّ/ الجماعيّ / التعّدُدي، وبين هذه الانتخابات الفلسطينيّة الفاسدة والمزُّيفة سَلفًا التي يجري هندّستُها والاستعداد لها في الضفة والقطاع، والمُفَصلة على مقاس فريق أوسلو وكيّانه التابع والهزيلْ.

نعم، إنها مسرحيّة هزليّة مُكررة ومُعّدَة للخدم والرّهائن والعبيد وليس لمواطنين ومواطنات أحرار. وعليه، فإن الموقف الوطنيّ والشعبيّ ينبغي أن يكون رفضها ومقاطعتها ، وفي الوقت ذاته ، تقديم البديل الوطني الديموقراطي الواقعي والممكن لتحقيق المُشاركة الشعبية الفلسطينية في حماية القضيّة واستعادة وتحرير المؤسسات الفلسطينية المنهوبة والمُصادرة.

انتخابات حُرّة، أم طبخة أوروبيّة أمريكيّة مَسمومة؟

هذه " الانتخابات الفلسطينية" لا تعدو كونها طبخة أوروبية أمريكية جاهزة ووصفة تحت الطلب تُستدعى الى الواجهة السيّاسية والاعلاميّة كلّما استدعت الحاجة لذلك ، ويُمكن أن تُشطب وتَحضُر وتُؤجل بقرار أجنبي، طالما أنها تأتي بتمويل وقرار أجنبي، مَن يدفع يُقرر الوجهة ومسار المركبة ، وهذه عمليّة مَسمومة تجري برعاية مُباشرة من دوائر المخابرات الامريكية والإتحاد الأوروبي والنظام العربي الرّسمي بل وبتسهيلات من الاحتلال نفسه. 

معسكر العدوّ الاستعماري والرّجعي، الذي أسس كيان الاحتلال الاستيطاني العنصري في فلسطين وأنشأ كيان أوسلو الكارثيّ، هو الطرف الذي يُموّل هذه الانتخابات الفلسطينية " الديموقراطية " وسيدفع كما قلنا كل مصاريف وتبعات " العرس الديموقراطي " والاشراف عليها بما في ذلك ثمن بطاقات الانتخابات والصناديق الجديدة والاعلانات، زهذه لا تساوي شيئاً مقابل ما يدفعه شهريًا لطبقة أوسلو!

الانتخابات.. مَصلحة " إسرائيلية " أيضًا.

إن الأهداف المُعادية من وراء هذه العملية المُزيفة كثيرة ولا حصر لها. ومن بينها إشاعة الوَهم مُجددًا عن إمكانية التعايش مع منظومة صهيونية عنصرية في فلسطين وامكانية تحقق الديموقراطية والتنميّة تحت الاحتلال . الهدف بالطبع هو تكرّيس الاحتلال في كل فلسطين وتشريع كيان أوسلو ( سُلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود ) كخيار وحيد وأخير أمام شعبنا ، سواء في فلسطين المحتلة عام 48 أو في الضفة والقطاع والقدس.

ويستلزم تشريع نظام الفصل العنصري والاستيطان الاستمرار في عملية التدجين السياسي والثقافي اليوميّة والتدحرُج في مشروع تصفيّة فلسطين ــــــ القضية، " وبموافقة فلسطينية شعبية" أولاً، بأيدي الفلسطينيين أنفسهم.. تماماً مثل حال عُمالنا الفقراء الذين لا يجدون لقمة الخبز ولا حماية اجتماعية واقتصادية لهم فيضطرون للعمل في مصانع العدوّ وفي بناء المستعمرات والجدار.

ما هي هذه " الانتخابات الحُرة والنزيهة " التي يجري الإعداد لها اليوم " لسكان المناطق " بينما يرزح عشرات المعتقلين السياسيين في سجون السلطة بالضفة المحتلة؟ إنها انتخابات العبيد في المناطق والمعازل والجيتو.. انتخابات غزة وسكان يهودا والسامرة !

وفي عالم العُبودية المُقوننة والزيّف الشامل يمكن بسهولة أن تُهندس " انتخابات “تُشبه الانتخابات و "رئيس " يشبه الرؤساء و " برلمان " يشبه البرلمانات وتسوقها لجمهور مُحاصر ومُستلب الوعي والإرادة، يُقال له كل يوم " عندك دولة تشبه الدول “ ، وستوفر لك الدول النفطيّة والمانحة كل طواقم وفرق الرّقابة الدوليّة والعربية وترعى كل العملية الانتخابية وتعلن عن النتائج... ويقال لك : نحن نَعِدك بانتخابات حُرّة ونزيهة !

ـــ واذا لم تأتِ النتيجة على المقاس الصهيوني ــــ الأوسلوي ؟

يجيب العدوّ: بسيطة، نفعل ما فعلناه عام 2006، نُخربها، ونُحول النتائج إلى عبء على الفلسطينيين ونسرد شروطنا كلها من الاعتراف بيهودية الدولة إلى وقف العنف والارهاب والتخلي عن حق العودة وقبول الكتل الاستيطانية وتسليم سلاح غزة و....واللائحة طويلة لا تنتهي. ويعود الفلسطينيون إلى انقسامهم مرّة أخرى... وهكذا!

ويقول لنا فريق أوسلو: هناك من سيحصي ويعد الأصوات الصحيحة والغير صحيحة في شفافية تامّة أيضًاً، فماذا تُريد بعد؟ هل سبق وان زوّرنا نتائج الانتخابات؟

هذا المشهد الفلسطيني البائس يُذّكرني بمسرحية الفنان زياد الرحباني " بالنسبة لبكرة شو " حين قال مدير المطعم للنادل زكريا : “ زَبَطْ معك الحساب بس خَرَبتلنا بيتنا "!

غير أن هذا كُلّه لا يَمنع من حقيقة أنها ــــ الانتخابات ــــ عمليّة مُزيفة سَلفًا وغير شرّعية بل هي فاسدة شَكلاً ومضموناً، لأن كل ما تأسس على باطل هو باطل بالضرورة، ولأن الشروط والظروف المحيطة والأجواء العّامة التي تَسبِق وتُصاحب أيّ انتخابات هي التي تُحدد مدى حُرّية ونزاهة العملية الديمقراطيّة برمتها وليس الأوراق والبطاقات والصناديق والحبر، هذا مجرد الشكل فقط،، الاسياد يمنحوك الشكل كُلّه اذا اردت ثم يصادروا منك الجوهر والمضمون... وكل الارض!

والواقع هي أقرب إلى انتخابات مجموعة من الرهائن يختارون من بينهم من يحمل المفاتيح والاقفال ومن يدير شؤونهم ولكنهم في نهاية الامر رهائن. الناخب والمنتخب ، رهائن.

ويجب ألا ننسى أن هذه الانتخابات مشروطة بثلاثة ضوابط وضعها محمود عباس بعد العام 2007 جوهرها الالتزام بـ( م.ت.ف) وكافة تعهداتها واتفاقياتها الموقعة مع كيان العدوّ ! إذ يستقوي فريق أوسلو بهذه الاشتراطات الصهيونية والأمريكية ويسوقها لنا باعتبارها " التزامات فلسطينية " و" قانون دولي " وهو يعرف انه يكذب!

يقول الكيان الصهيوني للعالم مثل كل مرّة  " أنا الديموقراطي الوحيد في هذه المنطقة “. فهو ينتخب برلمانه (الكنيست) حتى لو اضطر إلى عقد الانتخابات 3 مرّات في السنة ويريد للفلسطينيين، في يهودا والسامرة، أن ينتخبوا "ممثليهم".

وهذا ما يطلبه الفلسطينيون أنفسهم!

ويقول العدوّ للعالم أيضًا: انظروا، نحن لا نتدخل في انتخاباتهم ولا في شؤونهم الداخليّة، إنهم أحرار، هناك، ونحن هنا، سيكرر نتنياهو وإيهود باراك وقادة العدو نص الاجماع الصهيوني في كل خطاب ، ويضيف غانتس من عنده " وهذا كل شيء.. لينتخبوا " !

ونحن الفلسطينيين لسنا خارج الوصفة الاستعمارية للتصفيّة والذوبان، فما يجري في فلسطين هو حرفيًا القانون والمبدأ الذي حكم سياسة وكيانات استعمارية استيطانية من الطينة ذاتها في التعامل مع السكان الأصليين ومع السود والأقليات المضطهدة، هكذا تصرّفت الولايات المتحدة واستراليا ونيوزليندا وكندا وفرنسا وغيرها مع السكان الأصليين في تذويب حقوقهم، بالخديعة تارة وبالتقسيط المُريح تارة أخرى.. تذويبها وصهرها كما يذوب الملح في الماء، وهكذا جرت تصفية ثورات شعبية وحركات تحرر وقضايا عادلة كبرى بل شعوب وقبائل.

صحيح أننا " مش هنود حُمر " كما يقول بعض الجهلاء في نظرة استعلائية عُنصرية بائسة، غير ان الحقيقة الباردة أيضا هي أننا بشر " وما في ع راسنا ريشة “! يُمكننا أن نسرد لك الآن ألف قصة وقصة عن كيف يذوب ملايين الفلسطينيين لو اردت. وكيف تتصدع الهوية الفلسطينية وكيف يجري تمزيق شعبنا كل يوم !

وبقدر ما يرفض الكاتب المشاركة العربية في انتخابات (الكنيست) برلمان العدوّ الصهيوني بقدر ما نرفض هذه الانتخابات الفلسطينية المزيفة تحت سقف واشتراطات أوسلو. كلاهما حالة استعمارية مفروضة على شعبنا ولا تحقق له نتائج جادة، العكس تمامًا، تسرق قطعة من حقوقه وتُدمر هويته وتدفعه الى دوائر اليأس والاحباط.

إن رفض الانتخابات وفق هذه الشروط ومقاطعتها تعطينا حقوق ومساحات أكثر وحرية أكثر وتعفي الناس من قوانين واشتراطات احتلالية جديدة تُضاف على رأسهم ، وهذه رسالة الى هذا العالم : لا انتخابات ديموقراطية تحت بساطير الاحتلال والحصار.

والحالة الفلسطينية لها خُصوصيتها المعروفة والمختلفة. ولم يحقق شعبنا التحرير والعودة والسيادة الوطنية حتى تُمارس الجماهير حقّها الطبيعي في تقرير المصير فوق ترابها الوطني، (ضع/ي خطين تحت عبارة فوق التراب الوطني) وهذا هو المعنى الجوهري لحق تقرير المصير وليس كما يحلو لصائب عريقات أن يُعّرفه على مزاجه ويختزله ويمسخه إلى "دولة فلسطينية " وهميّة ، يعلم عريقات أنها كذبة كبيرة شارك هو في حياكتها ، دولة لن تأتِ، مثل هذه الانتخابات المهزلة التي لا يمكن أن تكون حُرة أو نزيهة!

إذن،

للعدوّ والدول القوية والغرب حرية الحركة والراي والفكر وحق الاختيار، لهم انتخابات الأسياد والديموقراطية والنظام والقانون.. ولنا نحن انتخابات العبيد والخدم تحت الاحتلال وفي افران الحصار بل وفي بشروط أسوأ من قوانين جمهورية افلاطون قبل 3000 سنة في ترتيب العلاقة بين طبقة النبلاء وطبقة العبيد.

ويكذب اعلام السلطة حتى يتخيّل الشعب صورة غير موجودة في الواقع فيصدق وجود " دولة " و " رئيس " و " لواء " و " وسفير “.. و" برلمان “ و "قانون " و" انتخابات " !..

الشعب الفلسطيني في اكثريته الشعبية بات يدرك حقيقة الخديعة الكبرى التي تعرّض لها منذ ربع قرن ، يدرك أن محمود عباس هو رأس الفساد السيّاسي فاقد لصلاحيته منذ العام 2007 وفق قوانين سلطة الحكم الذاتي وما يسمى " القانون الأساسي " ، لقد تقادم نهج الرجل ومعه كل هذه الطبقة / السلطة البائسة التي وصلت إلى نهاياتها، شاخت وفشلت وصارت " كادوك."

ويدرك شعبنا أكثر من أي وقت مضى أن هناك عصابة تقبض على روح القضية وتهيمن على قرار  م.ت.ف من رام الله وتتصرف في مؤسساته الوطنية وأمواله وحقوقه كأنها مُلكية خاصة ومزرعة ورثوها . يدرك كل هذه الحقائق وأكثر لكنه يدرك ايضا انه لا يملك قراره الشعبي المُوحد حتى الآن ولا يقبض على الآليات والمؤسسات الوطنية التي تُمكّنه من إحداث التغيير الذي يريده، لأنها مؤسسات مسروقة ومصادرة وصار يجب تحريرها..

ولا يرى شعبنا أمامه من خيارات أخرى سوى ما يُقدّمه العالم له من فتات و5% حُرية، وتستنفر العرّافات وكتائب الدّجالين وهي تقدم له الحل السحري الوحيد: صندوق العجب، هذا الصندوق " الانتخابي " الوهميّ هو في الواقع مجرد قيّد إضافي على كاهل الناس وجزء لا يتجزأ من الحّل التصفويّ الشامل.

وهناك من يريد إقناعنا أن الانتخابات الفلسطينية " تشبه الانتخابات " في بوليفيا وتونس والبرازيل وغيرها وغيرها وأنها الحل لكل مشاكل الشعب وللخروج من الانقسام! وهذه خديعة مُكررة ومجربة. لا يريد أصحابها إلا المزيد من كسب الوقت والمزيد من العبث والمزيد من تكديس الثروة في حاسباتهم البنكية. وإذا كان هناك ثمة انقسام فلسطيني فإنهم صنعوه ويتحلموا المسؤولية عن ما آلت اليه قضية شعبنا .. يجب محاسبتهم لا انتخابهم..!

سيجد الأوسلوي الصغير جمهوراً واسعاً وكبيرًا ، ان له من الضحايا والفقراء والموظفين والبسطاء والسحيجة والمضللين ما يكفي من الأعداد البشرية المفقرة والجاهزة لعقد " عرسه الديموقراطي " خُصوصًا في قطاع غزة. فهُناك كتلة شعبية كبيرة اليوم في غزة باتت مقتنعة أن الحل هو الانتخابات. بل الحل الوحيد لأزماتها الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة في بطن الجوع وتحت العدوان اليومي والحصار! ويجب ان لا نلوم الناس...هناك قوى محليّة واقليميّة ودولية تكالبت ودفعتها دفعاً إلى هذه الخلاصة.

غير أن المصارحة والأمانة مع الذات تقتضي إثارة وطرح الأسئلة الآتية :

هل ينكسر الحصار حقًا إذا صارت الانتخابات أم يصير أسوأ وألعن ؟ وأين الضمانات على كسر الحصار بالانتخابات ؟ من يوفرها لك ؟ وماذا لو جرت الانتخابات وفازت كتلة محسوبة على المقاومة ؟ ماذا لو وقعت مجازر أهلية كما حدث في الماضي 350 ضحية فلسطينية في غزة عام 2007 ، كيف ننسى ؟ ومن المسؤول عن تلك الجرائم وهذا الدم ؟ وماذا عن التورط في الحرب الأهلية القادمة ؟ أليست ممكنة في ظل قيادات فاشلة غير مؤتمنة وجرّبها الناس 50 سنة، ولا شيء في ذهنها إلا كسب رضى أمريكا والصهاينة وانجاز مشروع التمكين والسيطرة على القطاع وهي لن تهدأ حتى تجلب رأس المقاومة للعدوّ على طبق من ذهب. هذا طريقها الوحيد لتأمين مواقعها وامتيازاتها في حضن أمريكا والاتحاد الاوروبي وأنظمة الهزيمة..

الانتخابات الفلسطينية هي انتخابات العبيد والخدم ليس لأن الكاتب يقول هذا الكلام بل هكذا يتصرف معنا " المجتمع الدولي “ و الاحتلال و" الأشقاء العرب " و" جماعة الرئيس" ، بوصفنا أقل من الآخرين، وبشر من الدرجة الثانية والثالثة والعاشرة، ولا يوجد تجمع فلسطيني واحد يُمكنه أن يصل إلى " الدرجة الأولى"، هذه قصة تحتاج الى ثورة وحرب تحرير شاملة!

وَحدُهم العبيد من يذهبون ويشاركون في انتخابات على هذه الشاكلة وفي مثل هذه الأجواء وتحت سقف هذه الشروط، فضلاً على أننا جرّبناها في الماضي مرّتين وفشلت، وبعد كل انتخابات فلسطينية يخسر شعبنا أكثر ويدخل حالة حصار أقسى وألعن وينقسم القوم الى شظايا تنقسم بدورها الى شظايا أصغر، أوليس هذا هو مشروع التصفيّة بعينه؟

أجواء مسمومة:

لو كانت انتخابات فلسطينية حُرة ونزيهة لكانت مرتبطة بمشروع تحرر وطني وأهدافه الوطنية الكبرى. فتكون الانتخابات الفلسطينية محطة نضاليّة تأتي في سياق وطني ديموقراطي هدفهُ التقدم معًا لإنهاء الاحتلال. وهذا يعني توفير أسباب وعناصر نجاحها قبل موعدها، وهذا يعني أيضًا إطلاق سراح كافة المعتقلين في سجون السلطة وضمان حرية الوصول والتنقل من والى القدس والضفة وغزة وحتى الداخل المحتل 1948.

ولو كانت حُرة ونزيهة لكانت خطوة نحو كَنس الاستيطان والجدار وسبقها رفع العقوبات والحصار المفروض على شعبنا في قطاع غزة ، وخطوات تعزز الثقة ، ولصارت ورشة عمل وطنيّة تجمع ولا تُفرّق، ترافقها انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني في المنفى تضمن وحدة شعبنا السيّاسية وتعيد إليه مؤسساته المسروقة.

وهذه في الحقيقة مهام وطنية ونضالية مطلوبة اليوم ، ويجب أن تكون شروط فلسطينية يفهمها يقبلها العالم، وهكذا تتحول الانتخابات إلى مهمة نضاليّة مشتركة يخوضها شعبنا والكل الوطني ولا تعود أداة للتصفيّة والتدمير الذّاتي وإعادة تكرار التجارب الفاشلة.

وفي هذه الأجواء فقط يُمكن أن يكون للنقاش وجهة مختلفة وتستطيع أن تنتخب الناس وتمارس حقّها وفق إرادة شعبيّة حُرة، تعرف سلفًا ماذا تريد وما الهدف الذي ستحققه وماذا ستكون الحَصيلة في اليوم التالي للانتخابات.. وحينها لن يكون مهما من يفوز ، لأن الشعب كله يفوز.

لقد خاض شعبنا معركة تحدّي تاريخيّة وصراع كسر عظم مع العدوّ في العام 1974 وانتصر فيها بقيادة الجبهة الوطنية الموحدة في الأرض المحتلة. وكان المطلب الشعبي الوحيد هو إجراء الانتخابات البلدية وفق إرادة الشعب. رفضت الجماهير مبدأ تعيين رؤساء البلديات والمجالس المحليّة من قِبل الادارة المدنيّة (الاحتلال). ولم تكن انتخابات بلدية بل كانت معركة سيّاسية بامتياز، وانتصر فيها شعبنا.

إن هذه الانتخابات " التشريعية " اليوم فشلت مرّتين، وهي فكرة قديمة وسخيفة سبقت " اتفاق أوسلو " بعشرين سنة، وكانت مبادرة من العدوّ ، رفضها شعبنا لأنها كانت تعني انتخابات كيّان محلي وحكومة عميلة للعدوّ، هدفها تأسيس بديلٍ لـ منظمة التحرير الفلسطينية وفي إطار مشروع التقاسم الوظيفي بين الاحتلال والنظام الأردني. وقدّم شعبنا تضحيات وشهداء واسرى وجرحى لمنع تحقيق هذا المخطط ... فماذا تغير في الجوهر بين تلك المبادرة الصهيونية وبين حالنا اليوم مع سلطة وكيان اوسلو ؟ صار أسوا ..

مأزق السلطة :

هُناك مأزق خانق تعيشه السلطة. مأزق وجودي ولا حل له، وأنه مأزق فتحاوي وقديم لكنه يتفاقم اليوم، جوهره فشل قيادة حركة فتح في " مشروعها الوطني " وهي تعيش اليوم حالة مسعورة من القلق والصراع الداخلي المكتوم والعلني، صراع على المكاسب والمواقع، وهناك مأزق آخر حمساوي جديد يتلخص في تعثر مواصلة العمل بالطريقة ذاتها..

إن مشروع السلطة كله وصل إلى الجدار الأخير. يتزايد الغضب الشعبي الذي لا تخطأه العين. وهناك ازدواجية وتعددية في المرجعيات وتآكل لشرعية " رام الله " و "غزة " خاصة في رام الله حيث تجري برامج التنسيق الامني ومطاردة المقاومة والتغول على حقوق البشر.

فالعدو يريد المزيد من التنازلات ، والشعب يريد وقف النزيف وقطع الطريق عليه ويطالب بالتغيير والتقدم... وتجد كل من فتح وحماس نفسها بين مطرقة العدوّ وبين سندان الضغط الشعبي ومخاطر انفجاره.

ولا يمكن فهم تصرّفات الحركتين إلا كتعبيرٍ واضحٍ عن أزمة اليمين الفلسطيني في شقيه: الديني والليبرالي. إن مصلحة شعبنا ليست في انتخابات فاسدة على هذه الشاكلة بل في تحقيق الوحدة الوطنية وإعادة بناء م.ت.ف عل أسس وطنية وديموقراطية واعتبارها جبهة للمقاومة والتحرير.. مؤسسة يملكها الشعب ، مرجعيتها الشعب . وان وحدة السلاح الفلسطيني تكون في مواجهة العدوّ وفي حماية الشعب أو لا تكون ، إذ ليس المطلوب " وحدة الهروات " ولا وحدة الشرطة وأجهزة القمع!

يسعى اليمين السلطوي في رام الله إلى حل أزمته الداخليّة والهروب إلى الأمام على حساب المصالح والحقوق الوطنية العُليا لشعبنا ويجد في الانتخابات فرصته الذهبية. هذا اليمين السلطوي في رام الله ينافس " يمين " حركة المقاومة بعد ان خرج منها ـ ولكل طرف منهما حشد من الديكور الفصائلي والجاهز..

والمأزق الحقيقي هو مأزق طبقة فلسطينية بعينها تحكم وتدير، وتريد حل أزمتها اليوم على حساب حقوق الطبقات الشعبية المُفقرة والمخدوعة..

ولنتذكر: حين تتوافق الفصائل الفلسطينية على الانتخابات وبهذه الطريقة فإنها في الواقع تساهم في حل أزمتها هي لا حل " أزمة الشعب " هذه الخطوة تُعتبر وحدة وطنية للخلف دُر.. وليس خطوة جماعية تدفعنا إلى الأمام. وحدة سلبيّة وتراجع فاجر عن قانون ومبدأ التوافق الوطني وقد صدّعوا رؤوسنا به طوال 13 سنة ثم تراجعوا عنه الآن؟

وليس المُهم أن تتوافق الفصائل " على أيّ شي والسلام " بل المهم تحقيق التوافق الشعبي الواسع على برنامج وطني تحرري مفهوم ينقلنا في الوطن والشتات خطوة واحدة نحو فضاء أرحب ويستجيب لمطالب الناس ويعزز صمودهم في مواجهة الاحتلال ونضالهم من أجل العودة.

الضامن الوحيد في ذلك (وطنية الوحدة وقاعدتها السياسية) وهذه أهم ألف مرة من وحدة فصائلية شكليّة وهشة لن تصمد طويلاً. يمكن تدميرها بتصريح واحد من الأرعن عزام الأحمد أو بخطاب للمدعو أحمد المجدلاني.. من مؤتمر هرتسليا!

ما هو البديل إذن؟

البديل هو إطلاق دعوة وحركة الى التغيير الداخلي ومن القاع الشعبي، داخل وخارج الوطن المحتل هدفها إسقاط مشروع / مرحلة أوسلو وكيان السلطة الفاسدة وعزله جماهيريًا والتمرّد عليه.. هذا هو البديل الشعبي والثوري والديمقراطي والوحيد والواقعي والممكن .

استعادة الشعب لهيبته وحضوره، والعودة الى بديهيات القضيّة الوطنية في صورتها الأولى وإلى قوانين الصراع الوجودي التناحري مع كيان العدّو، ويستند شعبنا على تجربة تاريخيّة طويلة وعلى قدرته في اجتراع الرؤية الوطنية الجامعة والفهم العام الذي تجسد في الميثاق الوطني الفلسطيني الذي صاغه الفدائيون الأوائل. فهذا الشعب لا يبدأ نضاله من الصفر..

والمطلوب هو إعادة الاعتبار لمعنى وجوهر وحدة الشعب ووحدة الأرض، قبل وحدة الفصائل وما يُسمى " شطري الوطن ". شعبنا هو المشطور إلى نصفين بين وطن ومنفى منذ العام 1947، وهذا شطري القضية / الوطن معاً، وهو يريد أن يوحّد جسده مرّة أخرى في مشروع تحرري وفي نهر فلسطيني يصُب في مجرى التحرير وانتزاع حقوقه الوطنية كاملة غير منقوصة..

وأخيرًا ،

هل تُحقق له هذه الانتخابات المزعومة ما يريد أو حتى نصف أو ربع ما يريد؟ وهل تضعه في حيز المبادرة الشعبية والتقدم لحماية قضيته وحقوقه من براثن الشطب والتصفية ؟ هل تساهم في استئناف طريق العودة والتحرير وتحقيق الاستقلال الناجز على كامل ترابه الوطني؟

إن هذه الانتخابات فاسدة تُشرّع الاحتلال وتكرس سلطة بائسة وتُزَوِّر الإرادة الشعبية الفلسطينية .. وإنها ليست حرة ولا نزيهة .. هي كأس السُم فلا تشربوه...