شبكة قدس الإخبارية

فيسبوك ليس منصة للتعبير الحر

2018_1_26_10_54_35_592
جون إيفانز

فيسبوك ليس منصة للتعبير الحر، بل هو تضخيم خوارزمي موجه للتعبير عن الغضب في هذا الأسبوع ألقى مارك زكربيرغ كلمة أثنى فيها على أهمية "إعطاء كل شخص صوتًا" والمحاربة "من أجل التمسك بأوسع تعريف ممكن لحرية التعبير"، وهو أمر عظيم بالطبع! فحرية التعبير هي إحدى حجارة الأساس، إن لم تكن حجر الأساس الأهم، في الديمقراطيات الليبرالية، فمن يمكن أن يعارض ذلك؟ لكن المشكلة هي أن فيسبوك لا يوفر حرية التعبير، بل يوفر حرية التضخيم، إذ إن أحدًا لن يهتم كثيرًا لأي شيء تنشره على الفيسبوك مهما كان مدى صحته أو خطئه أو نشره للكراهية إن كان على الناس تصفح صفحتك الخاصة لقراءة ما يدور في ذهنك كما كان الأمر عند بدايات ظهور الموقع.

ولكن ما يقرأه الناس في واقع الأمر على الفيسبوك هو ما يظهر لهم في التغذية الإخبارية (News Feed)... والتي بدورها تحدد محتوياتها لا من خلال إعطاء الجميع أصواتًا متساوية، وليس من خلال وجود إطار زمني (timeline) ثابت أيضًا، إن ما تقرأه على الفيسبوك يحدد كليًا من خلال خوارزميات فيسبوك التي تتجاهل الكثير (أي أنها تحظر الكثير، هذا في حال اعتقدت خاطئًا أن التغذية الإخبارية توفر مكانًا لحرية التعبير) وتضخم القليل في الوقت ذاته.

ما الذي تضخمه؟ إنها تضخم نوعان من المحتوى، فبالنسبة للمحتوى الأصلي تعزز الخوارزميات التوجه نحو التفاعل، وهو ما يعني بالمقابل أن يقضي الناس وقتًا أطول على الفيسبوك ومن ثم وقتًا أطول بصحبة النوع الثاني من المحتوى المضخم: أي الإعلانات الممولة. هذا بالتأكيد ليس بالأمر الثابت في جميع الأحوال، إذ يشير زكربيرغ في كلمته إلى أن فيسبوك يعمل على إيقاف انتشار أمور مثل التضليل والمعلومات الطبية المغلوطة، وذلك حتى في حال دعم الخوارزميات لها، ولكنه شدد بالتحديد على أن فيسبوك لن يحاول إيقاف انتشار المعلومات السياسية المغلوطة مدفوعة الثمن.

بالنسبة لي فأنا لا أتفق مع هذا القرار، ولكنني أعتقد أنه أمر يمكن للعقلاء أن يختلفوا حياله، ومع ذلك فإنني أجد أنه من المضلل الزعم بأن الأمر يتعلق إلى حد ما بالدفاع عن حرية التعبير، فإن حاول شخص أن ينشر إعلانًا سياسيًا واضح الكذب على أي منصة أو شبكة فهل سيعتبر أي قرار يتخذ بعدم السماح لهذا الإعلان بالظهور من باب الاعتداء على حرية التعبير؟ بالطبع لا، ناهيك عن أن أي رأي مغاير يجب أن لا يؤخذ على محمل الجد.

أما القضية الأهم فهي أن فيسبوك يبدو أنه يعتقد أنه إن كانت الخوارزميات "لاأدرية المحتوى" فهي تكون بذلك منصفة، فعندما يتحدث زكربيرغ عن إعطاء الناس صوتًا فإنه يعني في الواقع إعطاء الأشخاص الذين تختارهم خوارزميات فيسبوك صوتًا، وعندما يقول "إن امتلاك الناس القوة للتعبير عن أنفسهم على نطاق واسع هو نوع جديد من القوة في العالم- وهذه هي السلطة الخامسة"، فما يعنيه بالفعل هو أن خوارزميات فيسبوك نفسها هي السلطة الخامسة.

فيما يبدو فإن الاعتقاد هنا هو أن أي حكم بشري مبني على محتوى خارج نطاق الحد الأدنى المطلق الذي يفرضه القانون ويكون مشمولًا ضمنيا في أي عقد اجتماعي (وهو ما يعني إسقاط خطاب الكراهية والإٍساءات والمعلومات الطبية المغلوطة الخطرة، والتي يشدد عليها جميعها في كلمته) يكون خطيرًا وخاطئًا، وأن هذا ينطبق على كلا نوعي المحتوى الأصلي والإعلانات الممولة، فوفق هذا الاعتقاد تعتبر خوارزميات فيسبوك منصفة من حيث التعريف طالما أنها لاأدرية المحتوى. وهذا الاعتقاد خاطئ تمامًا، فكما رأينا جميعنا فإن "التوجيه نحو التفاعل" غالبًا ما يعني التوجيه نحو التعبير عن الغضب والاستقطاب والمعلومات المغلوطة المضللة.

وصحيح أنه لا يعني التحيز إلى أي طرف في أي قضية، ولكنه يعني التحيز للتطرف ولداعمي نظرية المؤامرة ولمن يستخدمون الهجاء اللاذع من جميع الأطراف، وهو ما يعني التحريض على انعدام الثقة والشك والصراع في كل مكان. جميعنا رأينا ذلك وعشناه إن قرار فيسبوك بقبول الإعلانات السياسية بغض النظر عن محتواها هو امتداد منطقي بالأساس للتوجه الذي تعزز الخوارزميات التفاعل باتجاهه، وهو يعبر عن قناعاتهم بأنه طالما لم يكن هنالك حكم مبني على محتوى، فإن تغييرهم المستمر واللامتناهي لما يمكن للناس أن يرونه أو لا يرونه (ولنتفق على أن ذلك هو ما يعني الرقابة إن كنت تعتقد أن الأمر يتعلق بحرية التعبير) أمر منصف وعادل، وعلى الرغم من أن هذا الاعتقاد كان يمكن الدفاع عنه قبل عشر أو حتى خمس سنوات، إلا أنه لا يمكن الدفاع عنه اليوم. ولكنه أيضًا أمر غير قابل للتغيير، فخطيئة فيسبوك الأولى لم تكن الإعلانات السياسية، بل هي التوجيه نحو التفاعل بحيث يرى المستخدمون إعلانات أكثر بجميع أنواعها، وهذا هو الأمر الذي يجب تغييره في فيسبوك لكي يصبح قوة إيجابية في العالم... وهو أيضًا ما لن يحصل أبدًا، لأن هذا التفاعل هو المحرك الأساسي لنموذج الأعمال الخاص بهم.

 

المصدر: تك كرانش