شبكة قدس الإخبارية

"مراد ويامن" طفلان بغزّة سرقت الرمال حياتهما.. من المسؤول؟

92
دعاء شاهين

غزة- خاص قدس الإخبارية: مفارقة واضحة بين حالتين تبدو للمتجول في مدينة الزهراء وسط قطاع غزة، فالأولى تعكس مشهدا للأبراج المصفوفة جانب بعضها البعض يزين طرقاتها الأشجار الخضراء يتوسطها متنزه، أما الثانية وهي حالة معاكسة تماما تجسد حياة لأناس يغلب على معيشتهم الطابع القروي المهمش شرق المدينة ذاتها.

فمعظم البيوت من " زينكو" تنبعث منها رائحة الطهي على الحطب وتجد الأطفال يعبثون ويلهون في بيئة بالكاد توفر لهم مقومات الحياة الجيدة وهنا كان يعيش الطفلان مراد الهواري (5أعوام) ويامن الأشهب (4 أعوام) قبل أن تسرق الرمال حياتهما.

في الثامن من أكتوبر الحالي، كان التوقيت الزمني أقرب للعصر حين طرق مراد باب منزل يامن ليخرجا للعب سويًا كما العادة، رغم أن والدة الثاني حاولت منعهما وأصرت على بقائهما في المنزل، لكنها فشلت أمام دموع طفلها المدلل الذي نجح في إقناعها للسماح لهما بالخروج للترفيه، واشترطت عليهما ألا يبتعدا ليبقيا تحت ناظريها، فوافقا وانطلقا سويًا وضحكاتهما البريئة تركض معهما بفرح وسعادة.

رغم ذلك ظل قلب الأم قلقًا على ابنها لأن شعورًا ما يراودها ينذر بخطر ما سيلحق بالطفلين لكنها ذهبت للنوم حتى تحمي نفسها من التوجسات، ولم يغمض لها جفن حتى صارت الساعة الخامسة والشمس أوشكت على المغيب ولم يعد الطفلين بعد من الخارج. فارتأت مناداة ابنها الأكبر ليخرج ويأتي بكل واحد لبيته فقد انتهى وقت اللعب، فبحث عنهما ولم يجدهما.

هنا توسد الخوف في قلب الأم وذهبت بنفسها مرتدية عباءتها وغطاء رأسها لإعادتهما بنفسها بعدما حلّ الظلام وبدأت تسير وتسأل الجيران، لكن لم يعثر عليهما أحد، وصارت تنادي على يامن في جميع أنحاء المنطقة لكن لا مجيب لها سوى الصدى، فعادت لمنزلها تنتظر أي خبر عنه.

لكن جاءها صوت آخر يطرق على المنزل بيد مرتبكة، إنه أحد أبناء الجيران قال لها "وجدنا يامن ومراد" لكنه لم يكمل، فخرجت على صوت الاسعاف والدفاع المدني وهما يحاولها إخراج جثتهما من تحت رمال حفرة ابتلعتهما بالقرب من المنزل، فكانت الفاجعة بالنسبة لها ولسكان المنطقة الذين عاشوا مساءً حالك السواد.

"كنت أمشي فوق الرمل ومش عارفة أنه ابني مدفون تحته".. لم تتوقف والدة يامن عن تكرار هذه العبارة في كلّ لحظة تتذكر فيها وفاة ابنها وسط حالة من الانهيار والبكاء، حتى استطاعت أخيرًا الحديث لشبكة قدس قائلة: "كان يامن يحب اللعب والترفيه دائما يدفعني للخروج معه للتنزه، لكن المنتزه في منطقة الزهراء، ولا يتوافر معي المال دائمًا، لا يوجد أي متنفس للأطفال في الحارة سوى اللعب في المناطق المفتوحة، لكنها ليست آمنة، وين يروحوا"؟

تضيف: كثيرًا أحاول منعه من اللعب، بالرغم من حقه كباقي الأطفال الخروج للترفيه عن نفسه، لكنه لا يعلم بأن حتى حقه في اللعب محروم منه، كونه يعيش في منطقة مهمشة وليس ذنبه.

وعُقب الحادثة أصدرت العائلتان بيانًا استنكرت فيه ما حدث لطفليهما وحمّلت الجهات الحكومية المختصة مسؤولية الحادث، كما وجهت اتهامها للبلدية.

"شبكة قدس" خصصت زيارة، للمنطقة التي وقعت فيها الحادثة والتقت بشهود عيان أفادوا بأن هنالك أيادٍ خفية تأتي بشكلٍ دائم وتقوم بسرقة الرمال بشكلٍ عشوائي في المنطقة التي يعيش بها الأطفال وتترك خلفها حفرًا على شكل كهوف، ويأتي عادة الأطفال يلعبون في هذه المساحة التي تشكل متنفسًا للأهالي، هي ذاتها التي وقع فيها الطفلان ضحية.

كما رصدت "قدس"، مجموعة من الحفر الرملية الممتدة شرقًا في نفس المنطقة خلف قصر العدل مباشرة واللافت وجودها بين أماكن سكينة ومدرسة.

ولم تقتصر معاناة السكان في المنطقة ذاتها على وجود حفر رملية، فمنذ عام ونصف تصاعدت شكواهم ضد وجود عمارة سكنية أيضا آيلة للسقوط تشكل خطرًا على أبنائهم، ووقّعوا على عريضة وقدموها للبلدية، لكن لا مجيب سوى بعد الحادث وهذا ما جعلهم يتهمونها بالتقصير.

البلدية: ليست مسؤوليتنا.. وضعنا لافتة

اتهامات الأهالي، ردّ عليها مدير البلدية جلال طومان، نافيًا مسؤوليته، بالقول إن "الأرض التي وقعت فيها الحادثة خارجة عن سلطته وتتبع وزارة الاقتصاد، كون الرمال من الموارد الطبيعية المهمة، فتقع عليها مسؤولية المتابعة ومراقبة من عمليات حفر وسرقة الرمال بشكل عشوائي، وضبطهم، ووضع حد لهم؛ لتفادي أي خطر".

وأضاف طومان في حديثه لـ"قدس"، فيما يتعلق بالعمارة الآيلة للسقوط، أنها "تتبع وزارة الأشغال العامة والإسكان وبالتالي خارجة عن سلطته أيضًا، وليست من مسؤولية البلدية متابعتها بشكل مباشر".

وتابع: "تكمن المهام المباشرة للبلدية، في متابعة كل ما هو متعلق بالبيئة، الطرقات، الصرف الصحي، لكن رغم ذلك قمنا بالاستجابة لشكوى الأهالي وقدمنا طلبهم لوزارة الإسكان والأشغال العامة وننتظر الرد، كما وضعنا يافطة في منطقة الحادثة للحدّ من سرقة الرمال، كنوع من الرقابة".

الأهالي قالوا إن البلدية استجابت لهم بعد وفاة الطفلين، ووضعتهم اليافطة لامتصاص غضبهم، وأشاروا إلى أن البلدية كانت تشاهد أحيانا من يقومون بسرقة الرمال وتغض الطرف عنهم وأحيانًا أخرى تمنعهم.

وخلال بحث شبكة قدس توصلت لمعلومات تفيد بأن الأرض التي وقعت فيها الحادثة تعتبر منطقة خضراء خصصت من قبل سلطة الأراضي للمواطنين للانتفاع بها كمتنفس لهم ولإقامة متنزه عليها وبذلك تصبح هذه الأرض تحت صلاحيات البلدية وهي المسؤولة على الاشراف عليها.

وتساءل طومان: "هل من واجب البلدية حراسة الأرض ليلا ونهارا للحد من سرقة الرمال؟ فالأشخاص الذين يقومون بهذه الأفعال، بساعات متأخرة من الليل والفجر، وهذا خارج عمل الكادر الوظيفي للبلدية".

سلطة الأراضي لا تعليق.. والأشغال: "مش شغلنا"

وتوجهت شبكة قدس لتقديم سؤالها لسلطة الأراضي حول من يراقب وعلى عاتق من تقع المسؤولية؟ لكن مسؤوليها امتنعوا عن الإجابة على الأسئلة، ورفضت سلطة الأراضي التعقيب والإدلاء بأي إفادة.

وعن ردّ وزارة الأشغال العامة والإسكان على خطاب الذي بعثته لها البلدية قال وكيلها ناجي سرحان: "إن الأرض خاضعة لسطلة البلدية وهي المسؤولة بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد، لمتابعة ما قد يحدث تجاه أي أمر كان، فنحن كوزارة تكمن صلاحيتنا في متابعة مشاريع الإسكان قيد الإنشاء والبناء، وتظل تحت مسؤوليتنا لحين انتهاء مرحلة البناء كاملًا تخرج عن نفوذنا".

وحول إشكالية العمارة الآيلة للسقوط، لفت إلى أنه مازالوا يتحققون في الأمر، لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بالتعاون مع سلطة الأراضي والحكم المحلي، مؤكدًا أن هناك تكامل في المسؤولية ما بين وزارة الاقتصاد والبلدية وسلطة الأراضي.

من جهته، قال مدير عام الادارة العامة للمصادر الطبيعية بوزارة الاقتصاد عبد القادر بنات، ردًا على تحميل كل الأطراف السابقة بعض من المسؤوليات لها، بشأن المراقبة والإشراف على الرمال كونها ثروة طبيعية، إن "مهامه تقتصر على متابعة ومراقبة الرمال في المقالع التي تشرف عليها وزارة الاقتصاد، ومرخصة منهم، وما غير ذلك تكون مسؤولية البلدية وسلطة الأراضي".

وأشار الى أن طواقمه التفتيشية تقوم بمراقبة الحفر المكشوفة في مقالع التي تتبع وزارته وتحاول قدر الإمكان طمرها بالرمال حتى لا بتقى مكشوفة، وفي حال تم ضبط أي تعدٍ مشبوه وسرقة رمال يتم إحالتهم للتحقيق.

ونفى وجود أي من الحفر المكشوفة على شكل كهوف في المنطقة الممتدة شرق الزهراء، بالرغم من رصد "قدس" بالميدان لوجود حفر غير مطمورة، لكنه بنات أعاز الأمر إلى أنه قد يكون بسبب قصف إسرائيلي، خلافًا لما أكده الأهالي وشاهدته قدس بأنها نتيجة عمل يدوي، من سارقي الرمال.

وما زالت وفاة الطفلين "يامن ومراد" تضع علامات استفهام كبيرة، بعد أخلت جميع الجهات التي تم مساءلتها في قضيتهم، مسؤوليتها عن الحدث، ليبقى السؤال بأي ذنب حرموا من حقهم في الحياة؟!، وما مستقبل الأهالي في المنطقة؟.

#غزة #العناوين #الزهراء #الرمل #العمارة