شبكة قدس الإخبارية

حول مباراة المنتخب السعودي في القدس المحتلة

87
حيدر عيد

أثار قرار المنتخب السعودي زيارة الضفة المحتلة للمشاركة في مباراة أمام نظيره الفلسطيني (ضمن التصفيات لكأس آسيا وكأس العالم يوم 15 تشرين الأول/ أكتوبر)، العديد من ردود الفعل في العالم العربي عمومًا، وفي فلسطين بشكل خاص. كان التساؤل واضحًا حول اعتبارها نوعًا من أنواع التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، أم تضامنًا مع أهل فلسطين المحتلة ورياضييها من منطلق "زيارة السجين".

صدرت العديد من البيانات المنددة وشديدة اللهجة من قبل تنظيمات رئيسية، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وذهب البعض أبعد من ذلك، ووصف الزيارة بـ"الخيانة" ومحاولة للترويج لصفقة القرن التصفوية على الصعيد الشعبي. ولكن، وفي الطرف الآخر، هناك من اعتبرها مساندة للصمود الفلسطيني، حيث قامت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، بالترحيب بالزيارة واعتبرتها "حدثًا مهمًا وله دلالات متعددة، أهمها متانة العلاقات الفلسطينية - السعودية، على كافة المستويات، وتعبيرًا صريحًا عن موقف الملك السعودي خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز وولي عهده سمو الأمير محمد (بن سلمان)".

من الطبيعي أن يتم انتظار موقف اللجنة الوطنية للمقاطعة بما تمثله من مرجعية لتعريف التطبيع، وكونها تضم الغالبية الساحقة لتحالفات وأطر ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، بالإضافة إلى قواه السياسية ممثلة بلجنة القوى الوطنية والإسلامية. وللتذكير مرة أخرى، فإن تعريف التطبيع الذي اعتمدته اللجنة، وكانت قد عملت على صياغته الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، ينص على أن "التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصًا للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات)، ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني. وأهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية...".

لكن ما يهمنا في هذا السياق، هو أن اللجنة الوطنية تعتبر أيضًا أن مواقف لجان وحملات المقاطعة في الدول العربية ملزمة لسكان هذه الدول، حتى وإن كان سقف التعريف أعلى مما اعتمدته لجنة المقاطعة الوطنية نفسها. وبناء عليه، يجدر بنا أن نأخذ بالحسبان موقف الشعب السعودي من التطبيع مع الاحتلال، وهو موقف واضح وضوح الشمس ولا غبار عليه.

وبالعودة إلى البيان الذي أصدرته اللجنة الوطنية، فإنها وبعد أن ذكرت بأنها تُفرّق وفقًا لمعايير "التطبيع بين الزيارة من خلال تأشيرة (فيزا) صادرة عن دولة الاحتلال، والتي تعتبر تطبيعًا، وبين تصريح من سلطات الاحتلال يتم استصداره من خلال السلطة الفلسطينيّة، ولا يعتبر تطبيعًا رغم مساوئه الواضحة". وبالتالي، اعتبرت أن زيارة المنتخب السعودي لا تتعارض مع معايير مناهضة التطبيع بشرط "ألا تقام خلال هذه الزيارات أي علاقة مع دولة الاحتلال أو مؤسساتها"، وهو ما لا ينطبق على زيارة المنتخب للضفة المحتلة التي يسيطر عليها جنود الاحتلال بالكامل.

والنقطة الأكثر أهمية في بيان اللجنة الوطنية، تكمن في تركيزها على "السياق السياسي" الذي تتم من خلاله الزيارة. فبعد التذكير برفض المنتخب ذاته مثل هذه الزيارات في العام 2015، تقر اللجنة أنه "لا يمكن إلا أن نقرأ قدوم المنتخب السعودي إلى فلسطين المحتلة في هذا الوقت... تحديدًا... في سياق التطبيع الرسمي الخطير للنظام السعودي - ومعه الأنظمة في الإمارات والبحرين وعمان وقطر وغيرها - مع إسرائيل والعلاقات الأمنية والسياسية التطبيعية المتنامية بينهما، ضمن محاولات تصفية القضية الفلسطيني من خلال المشروع الإسرائيلي - الأميركي المسمى بـ’صفقة القرن’".

وبالتالي، لا يمكننا أن ننظر لهذه الزيارة من منطلق المعايير التي أقرتها اللجنة بمعزل عن السياق السياسي، ألا وهو "صفقة القرن" التصفوية. وهنا لا بد من التذكير بأن السعودية بالشراكة مع الإمارات، هي أول من روج لهذه الصفقة. وقد نقل عبر الإعلام الغربي والإسرائيلي أن ولي العهد الأمير محمد بن سلطان كان، في العشرين من شهر آذار/ مارس، خلال لقائه مع ممثلين عن منظمات يهودية في نيويورك قد قال إنه "خلال الأربعين عامًا الماضية فوتت القيادة الفلسطينية مرةً تلو الأخرى الفرص ورفضت أي اقتراح قُدم لها... وأن الوقت حان ليوافق الفلسطينيون على الاقتراحات، وأن يوافقوا على الحضور إلى طاولة المفاوضات، أو فليخرسوا ويتوقفوا عن الشكوى".

ولكن من الملاحظ أن هذه الزيارة تأتي في الوقت ذاته الذي منعت إسرائيل لاعبي "خدمات رفح" من إجراء مباراة في الضفة الغربية. بالإضافة لمنعها إقامة دوري فلسطيني في الضفة وغزة وعدم السماح بسفر الرياضيين الفلسطينيين للخارج. فما الذي يجب أن يشعر به لاعب كرة القدم الغزي عندما يرى أشقائه من لاعبين سعوديين ومغاربة (نادي الرجاء) يتنقلون بسهولة، ويصلون في المسجد الأقصى، ويتمازحون مع مضيفيهم، وكل ذلك بأمر من السجان وتحت بساطير الاحتلال!

ألا يحق لنا أن نتساءل عن مفهوم التضامن والشراكة في السياق العربي؟ وهل يستطيع أي لاعب من المنتخب أن يعتذر عن اللعب في رام الله المحتلة، دون أن يتعرض للمحاسبة الشديدة؟

الحقيقة هي أن الغالبية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني والأمة العربية تنتقد هذه الزيارات، وتعتبرها تكريسًا للاحتلال من خلال تبييض وجهه، وإبراز صورة منافية للحقيقة عن الطبيعة العنصرية لنظام إضطهاد مركب ركيزته الاستعمار الاستيطاني.

لا شك أن لاعبي المنتخب السعودي الشقيق يعلمون أن سكان قطاع غزة البالغ عددهم نحو مليوني مواطن ممنوعون تمامًا من زيارة الضفة الغربية، بما فيها القدس والصلاة في مسجدها. والأنكى أن 70 في المئة من سكان القطاع (دون سن 18) لم يزوروا المدينة المقدسة، ولا مدن الضفة الأخرى بما فيها رام الله على الاطلاق، لا من تحت ولا من فوق بساطير جنود الاحتلال.

ولا شك أن هذه الزيارة ستستغل أيما استغلال من حملة الهاسبرا (الدعاية) الإسرائيلية التي تشرف عليها وزارة الأمن والشؤون الإستراتيجية (وزارة محاربة المقاطعة)، والتي تعمل جاهدة على تصوير إسرائيل على أنها دولة حضارية ديمقراطية تمارس فيها حرية الرياضة.

ففي الوقت الذي تقوم به إسرائيل بشيطنة حركة المقاطعة وملاحقة نشطائها ومحاولة اغتيالهم مدنيا وإبعادهم عن فلسطين، حيث تعاني إسرائيل من عزلة دولية متنامية نتيجة لجهود نشطاء حملة المقاطعة وشركائهم الدوليين، تجد من يعمل، بعلم أو من دونه، على تبييض وجه الاحتلال القبيح والملطخ بدماء أطفال الضفة وغزة والقدس نفسها. وعلى الرغم من التواطؤ الرسمي الفج للحكومات، ومنها العربية، فإن فالمجتمع المدني الدولي لم يعد يغض الطرف عن جرائم "إسرائيل". فما هي الرسالة التي يوجها المنتخب السعودي لأبناء فلسطين المحرومون من التنقل بحرية بين مدن الضفة وغزة؟

وبما أن المقارنة مفيدة في هذا السياق، فإن حملة مناهضة الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، التي نستلهم الكثير من دروسها، كانت تنتقد بشدة أي زيارة يقوم بها مواطن غير جنوب أفريقي حتى للمدن السوداء، مثل سويتو، إبان نظام التفرقة العنصرية البغيض، واعتبرها فعلا تطبيعيًا فاضحًا يعمل على تجميل وجه النظام العنصري، والتسويق لسياساته المعادية للإنسانية.

مما لا شك فيه أن التنسيق للمنتخب السعودي قد تم مع الاحتلال على الرغم من الادعاء أنه لم يتلق تأشيرة دخول إسرائيلية، وأن جوازات سفر اللاعبين لم تُختم. ولكن يبقى السؤال، هل من الممكن القيام بتلك الزيارة دون موافقة الاحتلال؟ عادةً تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالتأكيد على أن الزيارات العربية، على الرغم من ندرتها، تتم بالتنسيق مع وزارة الأمن الإسرائيلية، وبإشراف شرطتها وقوات أمنها. إذ لا يمكن لأي شخص الوصول إلى القدس وباقي مدن الضفة الغربية من دون علم وموافقة السلطات الإسرائيلية.

تحتاج "إسرائيل" لكل الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه، حتى لو جاء من بوابة الرياضة العربية، لأنها تعلم علم اليقين أنها الخاسر الأكبر، وأن عزلتها الكاملة قادمة لا محالة. فشبح نظام الأبارتهايد يؤرق حكام تل أبيب، كما أرقت المقاطعة الرياضية والثقافية مضاجع حكام نظام الأبارتهايد العنصري، على الرغم من وجود بعض أصوات النشاز الأفريقية.