شبكة قدس الإخبارية

التضليل الإعلامي وآثاره الكارثية على الشعوب

كل
جهاد رجب

أعطني إعلام بلا ضمير .... أعطيك شعب بلا وعي

اكذب ثم اكذب ثم اكذب .... حتى يصدقك الناس

كل هذه العبارات خرجت من مشكاة واحدة وهي عقل "جوزيف جوبلز" وزير الدعاية النازية والمحرك العقلي لرأس "أدوولف هتلر" الزعيم النازي الألماني الذي كان يسعى إلى تدمير العالم وإغراق ألمانيا في حروب مدمرة بالرغم من هذا كانت الجماهير تهتف له.

فجوزيف جوبلز رسخ لمفهوم التلاعب بعقول الجماهير والكذب وهو المنهج الذي تتبعه اليوم الكثير وسائل الإعلام حول العالم لخداع شعوبها وحماية الأنظمة الحاكمة.

جوزيف جوبلز لم يستطع الانضمام إلى الجيش الألماني بسبب تسطح أخمص قدميه فبعد انتهاء الحرب انضم إلى الحزب النازي بالرغم من معارضته الشديدة لهتلر لكن سرعان ما أصبحا رفقين لا يفترقان.

وقد تتدرج جوبلز حتى أصبح وزير الإعلام وقد اعترف هتلر في كتابه "كفاحي" بفضل جوبلز بتدريبه على الحماسة في الخطابات التي ميزت خطابات هتلر، وبرعاته في استخدام الدعاية في صالحه وضد خصومه.

جوبلز لم يخفي سعادته بوصفه الخبير الأول في التضليل الإعلامي ويتفاخر بأنه قادر على تعبئة الجمهور وتعزيز معنويات جيشه.

ومن أشهر كلمات جوبلز ( كلما كبرت الكذبة كان تصديقها أسهل)  و ( كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي) فهذه  إشارة إلى أن الوعي هو السلاح المضاد لعمليات غسيل الأدمغة والدعاية عبر الإعلام وتوجيه الشعوب.

فالتلاعب في العقول يعتبر السلاح الذي يغيب العقول ويتلاعب بإرادة البشر ويسلبهم القدرة على التحليل والتدبير فيصبحون تابعين لوسائل الإعلام وتحريكهم كيفما أرادت لتحقيق أهدافها الخاصة.

والتلاعب في المعلومات موجود منذ زمن طويل، فكلما تطور الاهتمام بالرأي العام على المستوى الدولي جعل هذا الأمر أكثر وضوحاً، وكلما كان لرأي الجمهور وزن وتأثير في تحديد توجهات السياسية الخارجية، كلما كان هناك حاجة إلى التلاعب في المحتوى من أجل إعطاء قدر معين من الأخبار الصادقة والصحيحة لإخفاء القدر الأكبر المغلوط أو المزيف في محاولة لصناعة أمر ما يقترن ببعض المصداقية بكذبة كبيرة.

 لذا أرى أن التعددية والتنوع الإعلامي هما الطريقة الوحيدة لمكافحة التزييف وكشف التلاعب الإعلامي، فمن ناحية أخرى لابد من توفر وسائل تقنية للاستثمار في مشاريع إنشاء قنوات تلفزيونية، لأن من يمتلك المال والإمكانيات يتحكم في المعلومات والأخبار لمصلحته وأهدافه.

فنجد التلاعب بالعقول قد يحدث من خلال الدعاية السوداء التي قد تثار والتي تبدأ بالتلاعب في الوعي لدى الفرد فهي تفتقد للموضوعية وإلى الحيادية والمهنية وهي عنصر مدمر لأنها تبدأ بالكذب والتزوير والتضليل والدسائس من أجل تحقيق أهدافها.

ومن يستخدم هذه الدعاية يستخدم جزء من دعايته بشيء من الواقع حتى يشعر المشاهد أو المستمع أنه صادق ويستند إلى معلومات دقيقة ويلجأ إلى المبالغة حتى يغرس في اللاوعي لدى الإنسان.

وهنا لا بد أن نشير إلى أن الأسلوب المستخدم في عملية الدعاية يعمل على التصديق من خلال مثالين

  • الأول: قد تستخدم معلومات وحقائق دقيقة وصادقة لكنك تلجأ إلى أسلوب ضعيف وغير مقنع في التأثير على الآخرين فتحصل على نتائج عكسية وهي عدم تصدقيك من قبل الجماهيري.
  • الثاني: قد تستخدم حقائق مزيفة ومبالغ فيها وتلجأ إلى أسلوب احترافي في التأثير فتنال ثقة الجماهيري ويقوم بتصديقك.

.

أساليب التلاعب في العقول :

  1. أسلوب التحريف: يكون من خلال قص وحذف وتغيير مسار الخطاب حسب ما يريده مستخدم هذ اٍسلوب لتحقيق أهداف معينة .
  2. أسلوب لفت الأنظار: ويكون هذا من خلال توجيه الناس إلى قضية ما أقل أهمية من القضية التي يريدها الجمهور أو الشعوب مثل " الاقتصاد، الصحة، والتعليم" وغير ذلك.
  3. التكرار: يقول جوبلز (أكذب حتى يصدقك الناس ) لذلك إذا أرت نشر  فكرة كاذبة عليك تكرارها وكما  يقال في المثل الشعبي الذي يقول " الزن على الودان أمر من السحر".  فكلما  تم تكرار الكذبة أو الدعاية يضاف لها الجديد، الأمر الذي يوجد لها أرض خصبة في مرحلة معنية أو في توقيت معين.
  4. الإشاعة: هي خبر مختلق يداوله الجمهور بدون تحقق أو تأكد منه يتعلق بأمور تمس الحياة اليومية للجمهور وتستخدم في تأليب الرأي العام لصالح أهداف من يروج لها.

كيف نواجه التلاعب في العقول:

  1. تنوع مصادر المعلومات، والتمهل في ترديد الأخبار لأن كما يقال الإشاعة عمرها قصير وسندها ضعيف.
  2. الامتناع عن متابعة وسائل الإعلام الصفراء التي لا تستند، والتي يثبت عدم مصداقيتها أكثر من مرة لأنه تصبح غير جديرة بالثقة.

فالأسلوب واللغة المستخدمين في الدعاية لهما تأثيرهما الخاص في تحقيق أهداف الدعاية والتضليل و إنشاء الكوارث الناشئة عن هذا التضليل من حروب أهلية أو أعمال قتل جماعي، مثلما حدث في روندا من مذابح نفذتها قبائل الهوتو ذات الأغلبية الكبرى من السكان ضد قبائل التوتسي وتراوح عدد القتلى في ذلك الوقت من ثمانمائة ألف إلى مليون بعد أن عمل الإعلام على تقسيم الشعب الروندي إلى شعبين (شعب هوتو، وشعب توتسي ) وطلب الإعلام صراحةً  أن يقوم الجار بذبح جاره.

وفي عام 1993 تحطمت طائرة الرئيس الروندي فوجه الإعلام أصابع الاتهام إلى الجبهة الوطنية الروندية التي يقودها التوتستي بالوقوف خلف الحادثة فهاجمت وسائل الإعلام أفراد التوتسي  وعلى المتعاطفين معهم من الهوتو بوصفهم ( بالثعابين والصراصير)  مطالبة بقتلهم ومن يتعاطف معهم.

فكان أبرز الإذاعات المحرضة ARTLM وكانت إذاعة خاصة مدعومة من الحكومة فنصب عملها على التحريض والتطهير العرقي، وفي عام 2003 قضت المحكمة الجنائية لروندا بالسجن المؤبد على كلاً من حسن نيغيري مالك ورئيس تحرير صحفة كانفورا وجان بوسكو أحد مؤسسي وعضو مجلس إدارة محطة ARTLM و مدير محطة ARTLM فيرديناند ناهيمانا  حيث جاء في لائحة الاتهام( أن المحطة والصحيفة قامتا بشكل صريح ومتكرر دون كلل، باستهداف قبائل التوتستي لتدميرهم، بتشويه صورهم بوصفهم "العدو" الذي يحمل صفات شريرة ودعت هذه الوسائل الإعلامية إلى القضاء على جماعة التوتستي العرقية).

التضليل الإعلام لا يقتصر على الأخبار أو البرامج التي تقدمها القنوات لتشويه صورة حزب سياسي أو معارض للأنظمة بل تعدى الأمر أكثر من ذلك فهو يصل إلى السينما أيضاً من خلال تقديم محتوى سينمائي لتحريض على عرق أو لون أو دين وتأليب الرأي العام عليه وتشكيل قوة رافضه لوجوده أو تواجده في المجتمعات التي تقوم بهذه الأفعال.

ونذكر هنا مثال للذكر وليس للحصر، حيث يتم من خلال التحريض على الدين الإسلامي ووصفهم بالإرهاب وأنهم خطر على الشعوب، فلقد عرض في أمريكا فيلم " القناص الأمريكي" ويتحدث الفيلم عن قناص أمريكي كان في العراق وقتل عدد ما يزيد عن 150 ويعتبر أحد أهم الأبطال الأمريكيين بأسلوب عنصري اتجاه العرب والمسلمين وينتهي الفيلم بقتل هذه القناص، وبعد انتهاء الفيلم ظهر هاشتاق اقتل مسلماً ونتج عن هذا الهاشتاق قتل ثلاث شباب مسلمين على يد جار لهم وهم من الشباب المسلمين الناشطين في العمل الخيري.

لذا يجب مواجهة أساليب الدعاية والتحريض بنفس الأساليب الموجه في التحريض فإذا كان التحريض عن طريق فيلم فيجب أن يواجه بفيلم يكشف زيف الفيلم الذي تم عرضه، وكذا إذا كان خبر أو سينما  فردة الفعل يجب أن تكون بنفس ردة الفعل الموجه.