شبكة قدس الإخبارية

جامعتنا التي نحبها... هل تحبنا؟

11717431_879614885442110_8019062421208933395_o
أنس حواري

قبل خمس سنوات دخلت جامعة النجاح الوطنية لدراسة الإعلام، ومع آواخر سنتي الدراسية الأولى سمعت طلبة في الكلية يتحدثون عن زميلٍ لنا ممنوع من التسجيل لمدة فصل بسبب مقالٍ تحدث فيه عن طبيب عيادة الجامعة، حينها كان طلبة يدعون لوقفة تضامنية مع الطالب، تشاورت مع أصدقائي للذهاب فمنعني أحدهم من منطلق "بخصناش"، وبحكم أنّ معظم من عرفت من الأصدقاء حينها كانوا "بخصهمش" اضطررت أن أتجاهل الموضوع.

 لكنّ تلك الحادثة أشعرتني بنوع من الرهبة وأنّه يمكن ببساطة أن تحرم بضع كلمات طالب في سنته الأخيرة من التخرج وتؤخره إلى ما يشاء الله، وهو ما منعني ذات يوم من أن أكتب مقالًا أعكس من خلاله حنقتي وقهري من تغيير مدرس مساق اللغة الإنجليزية إلى مُدرّسة أجنبية لا تتحدث العربية -بعد انتهاء الوقت المسموح به لسحب المساق مع الاحتفاظ بالحق المالي- ربما خوفي هذا متوقعًا لأنني كنت طالبًا لكن الذي لا أستطيع تقبله هو الرقابة الذاتية التي جعلتني أتردد بكتابة هذه الأسطر حتى بعد عامين من التخرج!

اليوم تضج صفحات ومجموعات الطلبة على مواقع التواصل الإجتماعي بالمنشورات والتعليقات الساخرة من "ضعف الاقبال على التسجيل" حتى تساءل البعض عن كم الكراهية التي يحملها الطلبة لجامعتهم وضعف الإنتماء لها وهو ما شجعني لخط هذه السطور، نعم، كان الإنتماء للنجاح حتى زمن ليس ببعيد فخرًا يُكسِب صاحبه الثقة والاعتزاز، لكنّه فخرٌ ليس بالبنايات المهندسة بطريقة إبداعية ولا بالساحات الخضراء والمرافق النظيفة والتقنيات التي تعجز عن توفيرها باقي الجامعات الفلسطينية، كان فخرٌ من نوعٍ آخر، فهذه الجامعة في كلٍ شبر منها تفوح رائحة شهيد، معتقل، محاصر، حتى جاء الجيل تلو الجيل فيُقال هنا جلس يامن فرج، هنا تهامس ابراهيم الراعي مع رفاقه، هنا صلّى محمد الحنبلي، هنا ألهب قيس عدوان حماس الجماهير، هنا ابن الشبيبة والكتلة الإسلامية واليسار الثوري، هنا إرث المقاومة، بين أروقة الكليات تشتم رائحة الشهادة، تسمع أصوات هتاف الجماهير، تعيش الخوف خلف الأسوار حين الحصار، في جامعة النجاح كل حجرٍ يناديك قم فأنت سيّد هذا المكان وأنت سليل من رَحل.

 لنعد إلى واقعنا فاسترجاع بعضٍ من أمجاد الماضي لا يكون دون الوقوف على مأساوية الحاضر، قبل حوالي أربع سنوات كنت في إحدى المحاضرات ووصل نبأ استشهاد شاب من كلية الحقوق اسمه عزمي نفاع، وبعد دقائق تراجعت وسائل الإعلام عن الخبر واتضح أنّه مصاب واعتقله الاحتلال، وعلى إثر ذلك تجمهر بعد وقتٍ قصير عشرات الطلبة في "الساحة البيضاء" في الحرم الجديد لجامعة النجاح في تمام الساعة ال12ظهرًا للتضامن مع زميلهم وما هي إلا دقائق حتى انفضت الوقفة بالقوة –على ما أذكر كان المبرر عدم الحصول على إذن- هل سيحتاج الفلسطيني ل إذن للغضب؟ هل سيكتم قهره وشعوره بالعجز حتى يحصل على موعدٍ مناسبٍ للغضب بإذنٍ رسمي؟

توالت القصص حتى بات من الصعب حصرها، فذات يوم تُمنع فعالية لدعم انتفاضة القدس لأسباب لن أخوض بها، وفي آخر تُمنع فعالية لنصرة الأقصى لان المنظمون للفعالية طلبوا الإذن بإقامة ندوة لنصرة الأقصى في حين كانت الدعوة للطلبة بعنوان "مؤتمر حاشد"!، ولا زلت أذكر حين استضاف طلبة في قسم الصحافة الأسير المحرر محمد القيق الذي كان في حينها قد انتصر حديثًا بمعركة الأمعاء الخاوية، حينها تجمهر الطلبة حوله بعد انتهاء اللقاء وطلبوا منه التقاط الصور، حينها كان أمن الجامعة يطلب منه مغادرتها بسبب انتهاء الوقت المحدد له، لا أعتقد أنّي سأنسى ذات يوم ذلك المشهد، ما الذي يمنع من التقاط طلبة وطالبات للصور مع شخص شاهدوا فيه العظمة والقدوة والشخصية العنيدة التي انتصرت على السجان؟ وهب أنّ الوقت المحدد قد انتهى هل يعادل المبرر لهذا الفعل الحسرةَ التي نتجت عن هكذا تصرف؟

ليس المقصد من هذا تبيان سلبيات الجامعة إنّما هي رسالة أتمنى وصولها إلى أصحاب القرار في الجامعة بأنّها –برأيي- غير مستهدفة بمؤامرة، إنّما قليلٌ من فهم مزاج الطالب سيقلب الحال ويُعيد الطلبة للفخر بجامعتهم التي أحبّوها وكانوا يأملون أن تكون البيئة التي يجدوا فيها ذواتهم.

وبعيدًا عن العمل النقابي داخل الجامعة، لا بد أيضًا أن تنظر الإدارة باهتمام أكبر لمطالب الطلبة وأهمها الارتفاع الكبير في أسعار الساعات الدراسية التي ارتفعت في بعض التخصصات مؤخرًا 10دنانير للساعة وهو رقم مهول لا يزال يثير الجدل بين الطلبة، كما لا بد من سماع شكاويهم ومطالبهم التي يكررونها كل عام، ولا أرى للجامعة أفضل من نشر إستبيان بنية جادة لمعرفة آرائهم وشكاويهم ومطالبهم وما يعجبهم في الجامعة وما يزعجهم، فالطالب لا يكره جامعته ولم يفتقد الإنتماء لها بل على العكس تمامًا، وإنما كره السلبيات التي يراها وحالة العجز التي يشعر بها، هل يُعقل مثلًا ونحن على مقربة من العام 2020 أن تكون جامعة بحجم ومكانة النجاح لا يوجد بها نوادي كليات للطلبة!

في بداية عهدي بدراسة الإعلام، دعت الكتل الطلابية لتظاهرة باتجاه حاجز حوارة، أتذكر تجربتي كطالب إعلام لم يكن حينها قد امتهن الصحافة ولم ينسج من العلاقات ما يكفيه ليذهب مع أحد الصحفيين لتغطية الحدث وتجربة التواجد في الميدان، لكن رغم كل ذلك كنت مصرًا على الذهاب، فتوجهت للكلية لأطلب "سترة الصحافة الصفراء" فرفضوا –لكن للإنصاف لم أكن حينها ملتحقًا بمساق التصوير الذي يسمح استعارة المعدات من القسم- لكن لو كان في الكلية ناديًا للإعلام ألم يكن سيكفيني الذهاب لمحلات "كماليات السيارات" لأشتري سترة صفراء شبيهة ثم أٌلقيها على قارعة الطريق بعد أن سَخِرتُ من بلاهتي وذهبت للتصوير دونها؟

لقد أحببنا النجاح وكلياتها ومدرسيها وأصدقاءنا فيها وذكرياتنا ومحاضراتنا صيفًا وشتاءً، أحببنا جُلّ المرافق التي تنشرها صفحة الجامعة على مواقع التواصل يوميًا، لقد أحببنا كل لحظةٍ فيها فهل أحبتنا كما فعلنا؟!

#جامعة النجاح #الإعلام #محاضرات