شبكة قدس الإخبارية

"مهوسو الإعجابات" حين يصبح قمعهم واجبًا

2017_8_3_22_37_12_572
أنس حواري

مرّت ساعات الليلة الماضية بتباطئٍ ليئم، وبات الفلسطيني متمسمرًا جنب وسائل الإعلام ينتظر بشيرًا يطرق أبواب قضيته من الحدود الشرقية لتلك البقعة الجغرافية التي جمعت كل التناقضات، أو نذيرًا يزيده قهرًا فوق قهر.

لم يكن النبأ هينًا حين انقشع غبار المعارك  وإن كنت أظنّ أنّ مصطلح "معارك" تعديًا ظالمًا على "الموضوعية" فكيف يكون لقاء بضع شبان ربما تسلّحوا ببنادق أكل عليها الحصار وشرب، بجيشٍ يملك أعتى الأسلحة وأكثرها فتكًا وترصد طائراته كل حركةٍ وسكنة في القطاع المحاصر، كيف نجرأ أن نسمي هذا كله بمعركة! لكن لا بأس ربما كان من المتاح لي أن أقول ما أشاء وقتما أشاء كيفما أشاء، لأنني "صحافي" أو عالأقل هكذا يعتقد البعض!

قبل اجتياح "السوشل ميديا" لحياتنا كان يُعاب الصحافي إذا انحاز لطرف أو استغل مادة إعلامية ليوصل من خلالها رسائل مبطنة بعيدة عن جوهر الموضوع، اليوم أتمنى لو تعود هذه التجاوزات فعلى الأقل خلفها أصحاب فكر يحاولون إيصال رسالة ما حتى لو خالفت أفكارنا، أما اليوم فطغت المصلحة المادية على كل شيء عند البعض الذي جعل "الإعجابات" مرجعه، وزيارات موقعَه الإلكتروني الغاية التي تُبرَر في سبيلها كل وسيلة مهما بالغت في الوضاعة.

لا بأس إذن –لدى هؤلاء- من اختلاق الأكاذيب فإن كُشفت شائعاتهم نسبوها للإعلام العبري، ذاك الإعلام الذي يقف أحيانًا حائرًا من القدرة الخارقة للتأليف واختلاق القصص ونسبها على لسانه، ولتكتمل حلقات المهزلة يقوم أحيانًا إعلام العدو هذا بنقل أخباره عن الإعلام الفلسطيني -الذي بدوره ينشر وينسب له- فيشترك إعلام الجلاد مع إعلام الضحية بالسذاجة والرغبة في الشهرة، والمثير للسخف والغرابة في الآن ذاته أنّ "كبار مروجي الشائعات" يحظون بمتابعة ضخمة وكأنّ الجمهور الفلسطيني -أو قسم كبير منه- يثني عليهم لأكاذيبهم، نعم أعلم أنّ "الصراع" أحد أهم القيم الإخبارية والخبر الذي يحوي ضخامة في هذه القيمة حتمًا يحصل على زيارات وتفاعل كبير، لكن اكتشاف كذب ناشر الخبر مرة واثنتان وعشر ومائة، يجعل من فكرة متابعته نوعًا من أنواع البلاهة.

ومما يزيد من تعقيدات الصورة أنّ المتصفح للأخبار على الفضاء الإلكتروني لا يكترث -بالعادة- بصاحب الخبر، إذ يسيطر محتوى الخبر على مداركه كافة حتى إذا اكتشف الكذب هاجم كل الإعلاميين بما فيهم من كان يُحذّره من هكذا أخبار! هي بالفعل تحديات يواجهها الإعلام الفلسطيني الذي يسعى لنقل الخبر للجمهور بدقة وسرعة ومهنية وهي ذات التحديات التي يواجهها أصحاب مواقع الطقس الذين ينسف جهدهم بضع صفحاتٍ تنشر الأكاذيب ذاتها كل عام ويصدقها الناس كل عام ثم يشتمون المواقع التي كانت تحذرهم من هذه الأكاذيب.

ولربما كان اختلاق الأكاذيب أقل كارثية من فقدان المسؤولية الإجتماعية بنشر الأخبار  ونسف القيم المهنية والموضوعية وحتى القيم الإنسانية، ففي الوقت الذي لا يمكن أن يُنشر اسم أي قتيل "إسرائيلي" في الإعلام العبري قبل إبلاغ ذويه، نرى البعض ممن نسب نفسه للإعلام الفلسطيني ينشر صور أشخاص على أنهم شهداء، ليست الكارثة فقط بأن يكونوا أحياء ولا علاقة لهم بالحادث أو مصابين ولم يستشهدوا، ولكن حتى من استشهد منهم كيف يمكن لعاقل أن ينشر صورة أحدهم قبل أن تعلن الجهات المختصة، كيف يمكن وصف ردة فعل أمٍ تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي فترى صورة نجلها وتقرأ نبأ استشهاده؟! 

ذات يوم في محاضرة في كلية الإعلام في جامعة النجاح أخبرنا المحاضر أنّ الصحافي إذا كان بحوزته مادة إعلامية عن جريمة وهناك شبهات حول قاتل لا يجوز له أن يطلق لفظ "مدان" لا زلت أردد كلماته "أنت لا تُدين، هذا شأن المحكمة فلندعه لها"، أما انا فلا أدري هل الصحافي الذي يحرر خبرًا واصفًا فيه إحداهم/ن "داعشي أو مجرم أو ارهابي" هل سمع ذات يوم بشيء يُدعى "أخلاقيات المهنة"؟ لكن ليس كل المسؤولية يتحملها الصحافي فلو كان على أرض الواقع ما يردعه لما تجرأ على مثل هكذا تجاوزات، في الداخل المحتل مثلًا تلتزم حتى المواقع العربية بالوصف الدقيق للشرطة "الإسرائيلية" وتكفي جولة واحدة على هذه المواقع لتقرأ مرارًا كلمة "مشتبه"، في المقابل لا زلت أذكر وصف إحدى الوكالات الإعلامية في الضفة المحتلة لشاب قتل آخر في سوريا -القاتل والمقتول عساكر في تنظيمات مختلفة وفي صراعٍ لا يمكن للصحافي أن يتبين من هو صاحب الحق- فيأتي المحرر الجهبذ ليبدأ عنوان الخبر ب "مجرمٌ........" أي حقٍ هذا الذي امتلكه المحرر الصحافي ليختار هكذا وصف!

رغم كل ما سبق إلا أنّ الحل يجب أن يبقى بعيدًا عن السلطة التنفيذية إلا في الحالات التي يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على الجبهة الداخلية، وما دون ذلك لا بد أن يكون عن طريق الجهات الغيورة على الحال الإعلامي في فلسطين، وربما كان من الأفضل تشكيل مجلس صحافة مكون من شخصيات تحظى بقبولٍ من المؤسسات الإعلامية والشخصيات الإعلامية المشهود لها بالكفاءة وبالتنسيق مع النقابة والجهات ذات الاختصاص، على يُشرف هذا المجلس على ما يُنشر في الإعلام المحلي ويضع الخطوط الحمراء التي مع تجاوزها يفقد الصحافي الحق في العمل الإعلامي إن تكررت خطيئاته.

 

#الموضوعية #صحافي #شائعات