شبكة قدس الإخبارية

عيدنا رباط: يوم الأضحى الحاسم

5d4d47e095a5972c2d8b45e9
زياد ابحيص

منذ أن تعزز موقع اليمين في قيادة المشروع الصهيوني بات الطريق أمام جماعات المعبد ممهداً للصعود، فحليفها وحاضنها بات في رأس هرم السلطة.

منذ يومها الأول امتلكت جماعات المعبد رؤية إحلاليه تامةً تجاه المسجد الأقصى، فهي تحلم أن تزيل المقدس الإسلامي بكامله عن هذه التلة، وأن تنشئ المعبد في مكانه وعلى كامل مساحته. بعد صعودها وامتلاكها مقداراً من النفوذ باتت تلك الجماعات أمام سؤال التطبيق، فما تحلم به بعيد جداً عن الواقع، فكان لا بد لها أن تبدأ بسياسة تدريجية وأن تضع لنفسها سقفاً قابلاً للتطبيق، فوصلت بحلول عام 2003 إلى فكرة التقسيم ومن ثم طورته إلى شكلين من التقسيم: زماني ومكاني، وباتت تسعى لتطبيقه وفرضه مع تصاعد نفوذها، وهي التي باتت تملك 15% من مقاعد البرلمان ونحو 30% من حقائب الحكومة.

وصل التقسيم الزماني سقفه في شهر 9-2015، حين حاولت الحكومة الصهيونية فرض التقسيم الزماني التام، بأن تغلق الأقصى أمام المسلمين تماماً في أيام عيد رأس السنة العبرية وعيد العُرُش باعتبارها مناسبات يهودية يجب أن يُكرس فيها الأقصى للمتطرفين الصهاينة، دون أي وجودٍ إسلامي.

جاء الرد سريعاً بصمود المرابطات على أبواب الأقصى رغم التنكيل، ثم بانطلاق هبة السكاكين في 30-9-2015، وبعد ثلاثة أسابيع اضطر الاحتلال إلى التراجع عبر تفاهمات كيري التي أعلنها في عمان.

توهّمت الحكومة الصهيونية في 14-7-2017 أن فرصة جديدة لاحت أمامها مع عملية الجبارين الثلاثة عند باب حطة، فأغلقت الأقصى لأيام وحاولت فرض سيطرتها الأمنية الكاملة على الأقصى عبر البوابات الإلكترونية والكاميرات، فتضمن بذلك إمكانية التقسيم بشقيه، لكن الاعتصام الشعبي الحاشد جاء فورياً وحاسماً فأجبرها مرة أخرى على التراجع؛ فُكّكت البوابات والكاميرات وانكشفت هشاشة الاحتلال وضعفه واضطراره للانكسار أمام الجماهير.

مسار آخر للتقسيم كان قد بدأ في 2003 في شرق المسجد الأقصى المبارك، بإغلاق مبنى باب الرحمة ومحاولة استثمار الردم جولة لتحويل الساحة الشرقية إلى منطقة مهجورة تماماً، واقتطاعها كمساحة من الأقصى تخصص للمستوطنين الصهاينة.

 في 17-2-2019 ظنت شرطة الاحتلال أن الوقت قد حان لقطف ثمرات هذا المسار، فجاءت هبة باب الرحمة الشعبية لترد كل هذا المسار على عقبيه، ولتفتح باب الرحمة مصلىً عامراً بالمصلين والذاكرين والمحبين، وتبدّدَ وهم التقسيم المكاني كما بُدد التعويل على التقسيم الزماني من قبل.

 

بات مشروع الاستحواذ على الأقصى واقفاً في منطقة عجز، فرغم أنه وضع سقفاً ظنَّه عملياً وقابلاً للتسويق والتطبيق هو التقسيم، إلا أن كل ما أنجزه هو تقدم محدود باقتحامات صهيونية ما تزال تحتاج لمئات الجنود لحمايتها رغم مرور 16 عاماً على أول اقتحام ضمن هذا المسار. ما خلا ذلك اصطدم التقسيم الزماني بانتفاضة السكاكين 2015، واصطدمت محاولة السيطرة الأمنية بهبة باب الأسباط 2017، وتبدد وهم اقتطاع الساحة الشرقية للأقصى في هبة باب الرحمة 2019.

باختصار، ما يزال مشروع التقسيم يراوح الموقع ذاته وهو محاولة فرض أمر واقع جديد، ومحاولة فرض موطئ قدمٍ صهيوني دائم في الأقصى، وفي هذا السياق وصلنا إلى معركة عيد الأضحى.

منذ بداية مسارها كانت جماعات المعبد المتطرفة تحول الأعياد الدينية اليهودية والقومية الصهيونية إلى مواسم للاقتحام وتصعيد مشروعها ضد الأقصى، ونظراً لتحرك الرزنامة القمرية الهجرية، وخصوصية الرزنامة العبرية التي تعتمد خليطاً بين القمري والشمسي، فإن هذه الأعياد اليهودية ستحل في وقت مناسباتٍ إسلامية مهمة على مدى السنوات الثلاث القادمة، فذكرى احتلال القدس –والتي يسمونها "عيد توحيد القدس"- ستحل في رمضان، وذكرى "خراب الهيكل" ستحل قريبة من عيد الأضحى والأيام الأولى من ذي الحجة.

ظنت جماعات المعبد ومعها الحكومة الصهيونية أن فرصةً جديدة لاحت لتغليب التقديس الصهيوني المتوهم، لإثبات أن لا قداسة لزمانٍ أو مكانٍ إسلامي إذا ما تعارض مع زعمٍ صهيوني، لتأكيد يدٍ عليا في الأقصى زماناً ومكاناً من جديد وتقويض مكانته الإسلامية، وجاء التقصير في تلبية نداء الرباط في 28 رمضان ليمهّد لهم الطريق أكثر، حين تمكنوا من تغليب حرمة عيد "توحيد القدس" على حرمة العشر الأواخر من رمضان فاقتحموا الأقصى ونكّلوا بالثلة القليلة التي صمدت فيه، في مشهدٍ ترك جرحاً غائراً في الوعي المقدسي.

في ليلة الأول من ذي الحجة كانت جماعات المعبد تتابع رصد الهلال بشوقٍ واهتمام، لعل عيد "خراب الهيكل" المزعوم يتوافق مع يوم عرفة، فيتمكنون من التعويل على التقاعس ومحدودية الرباط من جديد، لكن القدر خالفهم وجاء عيدهم في اليوم الأول لعيد الأضحى المبارك، فلجؤوا بمطالب عالية السقف لحكومتهم لعلها تتمكن من قلب المعادلة لصالحهم، أن تؤجل صلاة العيد وأن تؤمن اقتحامهم في أي وقتٍ من اليوم.

في المقابل جاءت الفرصة السانحة لرد جرح 28 رمضان، لاستعادة الردع الجماهيري الذي تمكن حتى الآن من وقف مشروع التقسيم وكسر كل محاولات تقدمه، وها هي جماهير القدس اليوم لتستعد ليوم رباطٍ مشهودٍ بإذن الله. انطلاقاً من ذلك؛ فإن مواجهة يوم الأضحى مواجهة مهمة وحاسمة في كسر مشروع التقسيم، فهي تمنع من جديد محاولات تقدمه، وتدفعه مرة أخرى في دركات اليأس، وتستعيد الزخم والعنفوان للفعل الشعبي المقدسي، وتؤكد في بأن يدها هي العليا وأن حقها الراسخ في أقصاها وفي أرضها يعلو ولا يعلى، وهي تستمد ذلك من تكبيرات "الله أكبر" إذ تتردد في جنبات الأقصى.

 

في يوم الأضحى نحن على موعدٍ مع نصرٍ جديد إذا ما حضر الرباط والإرادة، مع نصرٍ تفرضه الجماهير ومع انكسارٍ صهيوني جديد أمام الإرادة الشعبية، مع موعدٍ جديد لتجلي هذه المعادلة الصاعدة التي أفصحت عن نفسها مرة بعد مرة لكن قطاعاً كبيراً منا ما زالوا يرفضون تصديقها ويُقبلون عليها بقلوبٍ وعقولٍ مرتجفة، نحن على موعدٍ مع عيدين، عيدٌ نعرفه بالهلال وعيدٌ تصنعه جماهير القدس بالرباط، وأملنا ودعاؤنا أن يكون هذا الرباط واعياً كعادته لمخططات عدوه، فلا يترك وقتاً ولا هفوة، ولا ينفضّ