شبكة قدس الإخبارية

"الحياكة" تنتعش في قطاع غزّة إثر تفاهمات التهدئة

49
دعاء شاهين

غزة-خاص قُدس الإخبارية: نفضت أيدي العامل علاء أحمد (40 عامًا) الغبار عن ماكينة الحياكة، وبدأت قدماه تدوسان على ترس التشغيل ليعيد الحياة لها من جديد، بعدما هجرها لفترة طويلة تاركًا العمل عليها مجبرًا، عقب تعرض مصنعه لخسارة كبيرة وأغلق أبوابه على إثرها، حتى استأنفت وعادت أصوات الماكينات الصامتة للضجيج.

ودأب الشاب في العمل على قدم وساق برفقة عشرة عمال من زملائه الذين عادوا للعمل ما بين حياكة قطع الملابس، تجميعها، حبكها، كيها، ووضعها في صناديق كبيرة تمهيدًا لشحنها وتصديرها إلى أسواق الضفة والأراضي المحتلة، ويحرصون أن تكون ذات جودة عالية تلبي حاجة الزبون لتشجعه على الطلب مرة أخرى.

يقول علاء: "شعرت بفرحة لا تضاهى، عندما أخبروني بالعودة للعمل في مهنتي التي أتقنها ولا أجيد العمل بغيرها، رغم أني بحثت عن بديل أثناء فترة إغلاق المصنع، وكنت أجد فرص ضئيلة وغالبا أترك العمل لأني لا أثبت نفسي فيه، وأعود للجلوس بين جدران المنزل باحثا عن فرصة في مجال مهنتي التي تعلمتها منذ كان عمري 18 عامًا، وورثتها عن والدي".

يعمل علاء عشر ساعات يوميًا مقابل أجرة (30) شاقلًا فقط، يرى فيه قيمة مالية جيدة تساعده على تلبية حاجيات أسرته التي تتكون من ستة أفراد، لا سيما أن القطاع الغزيّ مقبل على عيد الأضحى وعودة أبنائه للمدارس.

وكان قد تعرض قطاع الخياطة والنسيج في غزة إلى انهيار واضح، نتج عنه إغلاق قرابة 900 مصنع، منذ بداية عام 2006، لكن في الثلاث سنوات الأخيرة تدريجيًا عاد 200 مصنع للعمل، والملاحظ أن هناك 19 مصنعًا عادوا للعمل دفعة واحدة مع بداية العام الحالي، وهذا ما قد ينذر بتحريك عجلة دورانه الاقتصادية من جديد في سابقة هي الأولى من نوعها، ويأمل أًصحاب المصانع ازدهار حركتهم التجارية ونمو صادراتهم للخارج.

في ذات السياق بيّن محمد أبو شنب صاحب مصنع" الجية"، أن هناك تحسنًا ملحوظًا في قطاع النسيج والخياطة في غزة، لكنه محدود وليس في الأمل المطلوب، معزيًا ذلك إلى التحديات التي تواجه هذا القطاع منها انقطاع التيار الكهربائي، التنافس الشديد بين مصانع الضفة والقطاع، وهذا ما يدفع الشركات والأسواق في الأراضي المحتلة، لعرض أسعار منخفضة مقابل ما تقدمه مصانع غزة، فمثلًا يقدر ثمن قطعة الملابس المحاكة بالضفة 8 شواقل، فيما يكون ثمنها هي نفسها المحاكة في غزة بـ5 شواقل.

وتحدث حول ارتفاع ثمن النقل والشحن إلى أسواق الخارج عبر معبر كرم أبو سالم، إذ يصل ثمن نقل شاحنة واحدة 3500 شيكل، مما يشكل عبئًا كبيرًا على كاهل التاجر، لاسيما أن أصحاب المصانع في غزة يعانون من الضرائب المفروضة عليهم حكوميًا، ويأملون بأن تتزامن التسهيلات التي أزال الاحتلال الإسرائيلي الحزر عنها، مع تسهيلات أخرى من قبل الحكومة، بما يشمل فتح معبر المنطار، وتخفيض سعر الترخيص في المنطقة الصناعية. ويصدر مصنعه الجية قرابة 300 قطعة ملابس أسبوعيًا ويستوعب عشرة عمال.

اقتصاديون عزو هذه التسهيلات المقدمة إلى تفاهمات التهدئة التي أبرمت برعاية مصريّة بين "حماس" والاحتلال، في آذار/مارس الماضي، مطالبين حكومتيّ غزّة ورام الله بتقديم مزيدًا من الخطوات للنهوض بقطاع النسيج والخياطة، فهو جزء لا يتجزأ من الحركة الاقتصادية في غزة.

وقال الاقتصادي أسامة نوفل: "سبق تفاهمات التهدئة بثلاثة سنوات تدخلات من الجانب الأوروبي للضغط على الاحتلال، لفتح مجالات التصدير، إلى الضفة ونجحت هذه الجهود، ثم السماح بتصدير الملابس للأراضي المحتلة عبر كرم أبو سالم، مما حرّك عجلى التصدير، وبلغت عام 2018 قبل التفاهمات حوالي مليون دولار".

وأضاف: "لكن في بداية العام الحالي، وعقب تفاهمات التهدئة، انتعش قطاع الخياطة والنسيج وزادت بزيادة الصادرات والأمر الذي منح أصحاب المصانع التي أُغلقت، إعادة فرص فتح أبوابها للعمل واستيعاب قرابة 400 من المتعطلين عن العمل، حيث وصل حجم التصدير بالخارج إلى 3 مليون دولار وهذا تحسن ملحوظ، وينتظرون الآن مزيدا من التسهيلات مما يعطي الضوء الأخضر للمصانع زيادة صادراتها والسماح لهم بالتصدير إلى دول أوروبا عبر ميناء اسدود وهذا هو المطلوب".

بحسب نوفل، فإن لهذا الجانب تداعيات إيجابية على سلسلة القيمة، ويقصد بها الانتعاش في الأدوار التكاملية بين مستوردي القماش، الصناعات التكميلية، النقل والشحن وهذا ما يسمى "بسلسلة القيمة" التي تزدهر، موضحًا أن أصحاب المصانع على استعداد كامل للإنتاج بكميات أكبر والتسويق للخارج.

كما أشار إلى أنه هناك زيادة في عدد التصاريح الممنوحة للتجار، وهذا ضمن تفاهمات التهدئة، وله مردود على أسر العاملين أيضًا.

وبين أن هذا التطور الملحوظ الذي منحه اتفاق التهدئة شمل السماح بدخول بعض السلع مزدوجة الاستخدام، وهذا ما تم فعلا لكن على مستوى محدود، إنشاء منطقة صناعية حدودية وفق اتفاقٍ مع قطر.

وأشار إلى وجود إشكالية في هذا التفاهم اعترض عليه الاقتصاديون، لأن الاحتلال يريد أن يفرض آلية إدخال المواد الخام بعض المواد الخام لا تناسب غزة، إضافة لمدّ القطاع بـ 161 خط الكهرباء، وأبدى تأسفه حول مماطلة الاحتلال بتنفيذ هذه الاتفاقات بين الفينة والأخرى.

بدوره شرح تيسير الأستاذ، رئيس اتحاد الصناعات والنسيج بغزة، أنه هنالك آليتان للتصدير، تتضمن الأولى "عقد الباطن مقابل تقديم خدمة" تقوم على أساسه مصانع من غزة، بالتعاقد مع شركات إسرائيلية مقابل تقديم خدمة لها، فمثلًا تورد هذه الشركات قطع الملابس أجزاءً وتعمل مصانع غزة على تجميعها مرة أخرى وإرسالها لها جاهزة، ويبلغ عدد المصانع التي تعمل تحت هذا البند 60 مصنعًا، أما الجزء الآخر من المصانع تعمل على تفصيل الملابس بشكل كامل وتصديرها للضفة والداخل المحتل.

وأوضح الأستاذ، أن المنتج المحلي في قطاع الحياكة يغطي 95 % من حاجة السوق المحلية تحديدا صنف الجلباب، ويتميز بسعره المنخفض وجودته العالية.

ودعا الحكومة لدعم المنتج المحلي، من خلال اتباع سياسة إحلال الواردات والتي تتضمن مميزات منها الإعفاءات الضريبية، تقديم قروض حسنة، إزالة التعلية الجمركية التي تفرضها على استيراد المواد الخام عبر المعابر. وهذا بدوره يعمل على دعم المنتج المحلي، وزيادة القوة الشرائية وتشغيل أيدي عاملة.

 

#غزة #الحياكة #خياطة #قطاع #تفاهمات التهدئة