شبكة قدس الإخبارية

القرار

59178070_578386939334522_7343738032790437888_n
قسام معدي

جلس عمر لمدة ساعتين في ردهة الفندق، يتظاهر بأنه ينتظر خروج الفتاة الفرنسية التي رافقها إلى هناك. كانت قد قالت إنها تريد أن تضع حقائبها وتبدل ملابسها قبل الخروج للذهاب إلى منزل ما، للقاء مدير مؤسسة ما، يدّعي أنه خبير بالوضع السياسي في الأراضي المحتلة. أحد هؤلاء الذين اعتاد عمر على تسميتهم "بالطفيليين"، الذين ينشرون أبحاثًا لا يقرأها سواهم هم ومموليهم الأجانب.

لم يكن عمر متحمسًا بالمطلق للّقاء نفسه، ولا حتى للعشاء مع الفتاة الفرنسية التي جاءت إلى فلسطين لتنجز تقريرًا صحفيًا حول الاقتصاد في سياق الفصل العنصري، أو شيء من هذا القبيل.

بالنسبة له لم يكن الأمر يتعدى مساعدة لصديقة كانت زميلته في الدراسة قبل بضع سنوات. لكن بالنسبة لموظف استقبال الفندق، ولأصدقائه الأربعة الواقفين أمام مكتب الاستقبال، يتبادلون الضحكات جميعًا فيما ينظرون إلى عمر ويتهامسون، كان من الغريب أن عمر لم يرافق الفتاة الفرنسية، ذات القميص ضيق الصدر والشعر الأشقر المنسدل كشلال على كتفيها، إلى غرفتها. لم يتظاهر عمر بأنه ينتظر خروج صديقته فحسب، بل أيضًا أنه لم ينتبه إلى ضحكات هؤلاء الفضوليين الخمسة ونظراتهم. في الواقع، كان كل يشغل بال عمر في تلك اللحظة هو الرسالة التي كان يحاول أن يكتبها، منذ يومين، إلى رنا.

طال غياب صديقته الفرنسية، ولم يأبه عمر بذلك. كان على العكس يأمل أن تتأخر أكثر، حتى يستطيع أن يصيغ بضعة سطور على الأقل. وبعد ساعتين من النظر إلى السقف، عدّل جلسته وانحنى على الطاولة الرخامية المنخفضة أمامه، وأخذ القلم ساحبًا الورقة البيضاء بطرف سبابته إليه، وكتب:

"رنا، ستسافرين بعد أسبوعين إلى بلجيكا، لتعملي في وظيفة مثيرة للاهتمام، براتب مرتفع. إنها فرصة رائعة، بالتوفيق...". ثم استدرك، وشطب الجملة بعصبية أكثر من مرة. نظر أمامه وأخذ نفسًا، ثم عاد إلى الكتابة في السطر الثاني:

"رنا، بعد أسبوعين ستتركين الأشياء التي تحبينها، والأشخاص الذين يحبونك، لتذهبي إلى بلجيكا للعمل في وظيفة لا تحبينها، ولم تريدي التقدم لها أصلًا. الله يلعنك! لماذا تفعلين ذلك؟!"

توقف عمر عن الكتابة فجأة، كمن يتوقف عن المشي لألم في قدمه. عض على شفته السفلى وهو يجيل النظر فوق الطاولة الرخامية، كما لو كان يبحث عن الكلمات بين أشياء مبعثرة أمامه. أعاد تركيزه إلى الورقة، وشطب السطر الثاني، مرة أخرى بعصبية، ثم انتقل إلى السطر الذي يليه، وبدأ من جديد:

"رنا، كيف أكتب رسالة إليك ولا أدعها تتحول إلى قصيدة قبل أن تصل سطرها الأخير؟ بل كيف أكتب أي شيء إليك دون أن أسكب قلبي على الورق؟ ليس هناك ورق كافٍ ليستوعب كل ما أريد أن أقوله لكِ، ولا أريد أن أترك بقعة من روحي على طاولة الرخام هذه. ليس لأنني أهتم لأمر الطاولة، بل لأنني لا أملك دفع ثمنها".

توقف عمر عن الكتابة وأخذ يشطب ما كتب، مرة أخرى. فقد فكر أنه بدأ يبدو سخيفًا. عاد إلى الكتابة بسرعة وكتب بالضبط ذلك:

"رنا، لا أريد أن أبدو سخيفًا. لن أقول لكِ أنني أشتاق إليكِ، فأنتِ تعرفين ذلك دون أن أقوله. ولن أقول أنني غاضب لأنك سترحلين، فأنتِ تعرفين ذلك أيضًا. أكتب لكِ هذا فقط كي أقول …" وتوقف عن الكتابة فيما راح يفكر في هدف رسالته. ماذا يريد أن يقول لرنا؟ إنها سترحل على أي حال، ولن تبدّل رأيها لمجرد رسالة عاطفية منه. هي بالفعل، تعرف عواطفه تجاهها أصلًا، ورغم ذلك فهي سترحل. فلماذا يكتب إليها رسالة؟

رن هاتف عمر المحمول، فنظر إلى شاشته. كان "الطفيلي" صاحب مؤسسة الأبحاث يتصل. كان عمر قد نسي الموعد كليًا، ورغم ذلك لم يشعر بأي عجالة. رد على المكالمة، وابتدع بسرعة ذريعة ما، قائلًا إن سلطات الاحتلال قامت بتأخير دخول الصحفية الفرنسية في المطار. عرف عمر أن مدير مؤسسة الأبحاث لم يصدقه، ولم يهتم. فهو يعرف جيدًا أن المدير مستعد لأن ينتظر طوال الليل مقابل ظهور صغير في صحيفة أجنبية. تذكر في تلك اللحظة ما كانت تقوله رنا حول مدير المؤسسة التي كانت تعمل هي فيها، طفيلي آخر من من نفس النوع: "الغبي لا يستطيع أن يقاوم الكاميرا. إن بدأ بالحديث فإنه لا يتوقف. يظن نفسه مانديلا!".

كانت رنا قد عزمت قبل عام على ترك عملها ذاك، لأنها لم تعد تحتمل أجواءه. قالت له في حينها "لم أعد أعرف ما الذي أفعله في ذلك العمل. إنهم لا يقدّرون جهدك مهما تفانيت، ثم أنني لم أعد أؤمن بما يفعلون". كان عمر يشعر بنفس الطريقة حيال عمله هو. ولكنه، على عكس رنا، لم يكن يستطيع أن يتخذ مثل قرارها. فرنا لم تكن مسؤولة ماليًا عن أحد سوى نفسها، ثم أن عائلتها ميسورة الحال. أما عمر، فكان دخله المعيل الرئيسي لوالديه. قال عمر في إحدى المرات ذلك لرنا، حول كأسين من الشاي، بعد أن استمع إلى شكواها من البطالة الاختيارية جرّاء استقالتها من العمل، لنصف ساعة: "أنتِ تعيشين في البطالة لأنك اخترتِ ذلك. هل تعتقدين أن عملي يعجبني؟ لكنني لا أملك هذا الامتياز الذي تملكينه. إنه امتياز يكلف مالًا أيتها الآنسة، فلا تشتكي كثيرًا". لم يعجب رنا كلام عمر. فقطبت حاجبيها وردت بنبرة منخفضة وجدية "أنت أيضًا مثلي خريج جامعة أوروبية وتتقن أربع لغات، ما الذي كان يمنعك أن تبقى في أوروبا وتعمل هناك، فلا تضطر لأن تحتمل "قرف" هذا البلد وتلقي أمامي دروس الطبقة العاملة؟" صمت عمر لبضع ثوانٍ ورشف شايه وهو ينظر من شباك المقهى إلى الشارع المزدحم، وأطال صمته قبل أن يجيب، بنبرة منخفضة وجدية أيضًا، دون أن يزيح نظره عن الشارع "أنا قررت أن أبقى هنا".

لمعت في رأسه فكرة. كان قد وجد طرف خيط للإجابة التي يبحث عنها: لماذا يكتب لرنا رسالة، ما دامت تعرف كل ما لديه ليقوله؟ انحنى من جديد على الطاولة الرخامية وراح يكتب:

"أتذكرين يا رنا تلك المرة التي قضينا فيها يومين كاملين معًا، ثم لم تجيبي على رسالتي النصية لمدة أسبوع؟ كان الشيء الوحيد الذي خطر ببالك أن تكتبيه لي بعد أسبوع من الاختفاء هو أنك لا تعرفين ماذا تريدين أن تفعلي بحياتك. هل تعرفين أين كنت قد سمعت تلك الجملة بالضبط قبل أن أقرأها في رسالتك؟ من محمود، ابن السبعة عشر سنة الذي يقدّم القهوة والشاي ويعدّ الأراجيل في المقهى الذي قصدناه معًا، أنا وأنتِ، إحدى المرات.

محمود يا رنا اعتقله الاحتلال لأنه رمى حجرًا على سيارة مستوطنين كانت تمر وسط قريته، وأبقوه عامًا كاملًا في السجن. ورغم أن والده دفع ألفي شيكل كفالةً ليفرج عنه، ورغم أنه تعرض للضرب والتعذيب، لم يبالي مدير مدرسته بحاله، وجعله يرسب. حينها قال له والده أنه لا يستطيع أن ينتظر تخرّجه سنة إضافية حتى يساعده في إعالة أخوته، فأجبر على ترك المدرسة، سنة واحدة قبل التخرج، وبدأ يعمل في المقهى. يعدّ الأراجيل ويقدم الشاي لي ولكِ ولأناس مثلنا، نبحث هناك، وسط دخان الأراجيل عن معنىً لحياتنا.

أخبرني محمود بقصته يا رنا في ليلة شتاء بعد أن غادر جميع الزبائن المقهى، وبقيت أنا أعمل لساعات إضافية بحاسوبي المحمول، حتى أدركنا التعب، أنا ومحمود. فطلبت منه أن يضع فحمًا إضافيًا على الأرجيلة وأنا أغلق حاسوبي، وإذا به يضع الفحم ثم يدعو نفسه إلى الجلوس على طاولتي. سألني عن عملي، فحدثته قليلًا، ثم أخبرني قصته. أتعرفين يا رنا ماذا قال لي محمود، ابن السبعة عشر عامًا، في نهاية سرده، وهو ينظر من شباك المقهى إلى الشارع الخالي، ليلة الشتاء تلك؟ قال لي يا رنا، حرفيًا: "لا أعرف ماذا أريد أن أفعل بحياتي!"

تذكّر عمر في تلك اللحظة أن ينظر إلى الساعة. كانت العاشرة ليلًا، فقرر أن يتحلّى ببعض المسؤولية. اتصل بمدير مؤسسة الأبحاث وأجل الموعد حتى الصباح، ثم اتصل بصديق له يعمل في مطعم قريب، وتأكد أن المطعم سيظل مفتوحًا خلال الليل، ثم اتصل بالصديقة الفرنسية في غرفتها وأخبرها أن لا داعي لأن تتعجل وأنه سيعود لاصطحابها للعشاء بعد ساعة. ثم فكّر "متى كانت النساء تتعجلن في تبديل ملابسهن أصلًا؟" وضحك بصوت مسموع، فانتبه المتهامسون عند مكتب الاستقبال أنه لا يزال هناك، وراحوا يضحكون فيما بينهم أيضًا. نظر عمر إلى أحدهم مباشرة في عينيه نظرة تحذير، فتوقف الآخر عن الضحك، وبادر عمر بالمخاطبة بصوت عالٍ "هل لا زلت تنتظر صاحبتك الأجنبية؟ المسكينة لن تجد من يسليها الآن!" وانطلق الخمسة بالضحك الهستيري مرة أخرى. انتظر عمر حتى خفت ضحكهم قليلًا ثم جاء دوره بالرد: "لماذا لا تذهب وتسليها بنفسك؟ أم أنك لا تملك ما تسليها به؟" ساد صمت في ردهة الفندق وانقلبت ابتسامات الشبان الخمسة إلى وجوه عابسة ونظرات تهديد إلى عمر. أما هو، فرفع أصبعه الأوسط وراح يحك به خده ناشرًا ابتسامة انتصار عريضة، ثم عاد يلتقط قلمه وواصل الكتابة:

"لو أنكِ الآن هنا يا رنا، لأشعلتِ شجارًا مع كل من هذا الفندق لكمية التعليقات الذكورية التي مرت خلال دقيقة واحدة!" وابتسم وهو يتخيلها تتشاجر مع موظف استقبال الفندق وأصدقائه ومعه هو، ثم تابع الكتابة "هل تعتقدين يا رنا أن هؤلاء الحمقى يعرفون ماذا يريدون أن يفعلوا بحياتهم؟ ما رأيك؟ هل هم مختلفون عني أوعنكِ أو عن محمود، ابن السبعة عشر سنة الذي يعمل في المقهى؟ هل برأيك يسألون أنفسهم إن كانوا يريدون البقاء في البلد أو الهجرة؟" ثم خطر ببال عمر سؤال لم يكن قد فكر به حتى تلك اللحظة، وبدا له كأنه أصاب لبّ المسألة كلها، فكتب: "هل تعتقدين يا رنا أن هؤلاء الضاحكين الذين أمامي يحتاجون أصلًا لأن يعرفوا ماذا يريدون أن يفعلوا بحياتهم؟ وإن كانوا لا يحتاجون لذلك، فلماذا نحتاج، أنا وأنتِ، لأن نعرف؟"

رمى عمر القلم أمامه ورمى بجسمه على ظهر المقعد، ناظرًا إلى أعلى، يطيل التفكير في السؤال الذي اكتشفه للتو: "أليست الحاجة إلى معرفة ماذا ستفعل بحياتك، في سن الثلاثين، هي بحد ذاتها نتيجة لامتياز عدم الاضطرار إلى التفكير بذلك في سن السابعة عشر؟" ثم ذهب تفكيره به خطوة واحدة أبعد، فتجلت الفكرة أمامه، فعاد ينحني على الطاولة وكتب: "في أي شيء يا رنا، قد نكون أنا أو أنتِ أفضل من محمود، عامل المقهى ابن السبعة عشر سنة؟"

كان أصدقاء موظف الاستقبال قد غادروا، وكان الموظف نفسه قد انشغل بهاتفه الذكي، متجاهلًا حضور عمر بالكامل. أما عمر، فكان يسترجع أحاديثه مع رنا، كما لو كان يعيشها من جديد. "أنا اخترت البقاء هنا" كان قد أجاب عمر وهو ينظر إلى الشارع المزدحم، حين سألته رنا لماذا لم يبق في أوروبا. وردت هي بدورها "ليس المهم أن تقرر البقاء هنا، بل المهم أن يكون لبقائك معنى". فكر عمر بذلك لأيام. فرنا كانت تعرف، منذ اليوم الأول الذي عرفته فيه، أنه مصمم على البقاء في الوطن. لكن السؤال عن معنى البقاء لم يكن مطروحًا، لأي منهما آنذاك. ليس لأنهما كانا أصغر سنًا، بل لأن أمرًا ما كان مفهومًا دون الحاجة إلى الشرح، كان يجعل قرار البقاء في الوطن ذا معنى من تلقاء نفسه.

دقت ساعة البندول المعلقة في ردهة الفندق، فالتفت إليها عمر وعامل الاستقبال في آن واحد، ثم نظرا لا إراديًا إلى بعضهما البعض، ثم إلى باب المصعد، من حيث كان يفترض أن تخرج الصحفية الفرنسية في أي لحظة، ثم عاد موظف الاستقبال إلى هاتفه الذكي، وعمر إلى ورقته، كان شيئًا لم يكن. عندها، شعر عمر أن الفكرة ترتب نفسها في رأسه وتقود نفسها بنفسها، دون تدخل منه إلى يده الممسكة بالقلم، حتى وجد نفسه يكتب: "ليست المشكلة أن تجدي معنى لبقائك في الوطن. المشكلة هي أن تفقدي معنى البقاء فيه".

زمجر محرّك المصعد بصوت عالٍ، ودق جرسه منذرًا بتوقفه، ثم انفتح بابه وظهرت منه فتاة سمراء ترتدي مريول عمال الفندق، وشعرها الأسود مربوط إلى الخلف كذيل الحصان. نظر موظف الاستقبال وعمر إلى بعضهما تلقائيًا مرة أخرى، وضحكا بصمت لا إراديًا، ثم عادا إلى ما كانا فيه. أما الفتاة السمراء فدخلت في ممر خلف مكتب الاستقبال، مخصص للموظفين. وبعد ثوانٍ قليلة خرجت من جديد إلى الردهة وسارت مباشرة إلى حيث يجلس عمر. توقفت عنده ونادته "يا أستاذ"، دون أن تنحني. نظر عمر إليها، وتوقف للحظة بدت له طويلة. كانت عاملة الفندق تنظر إليه بابتسامة خفيفة وعينين سوداوين واسعين يشعان ثقة بالنفس. ثقة كتلك التي لم يشعر بها منذ فترة طويلة. استدرك نفسه وتوقف عن التحديق، ورد بأدب "نعم؟" فسألته الفتاة: "هل أقدم لك شيئًا تشربه؟" فرد عمر بالنفي وشاهدها تغادر إلى الممر، تمامًا كما أتت منه.

شعر عمر فجأة أن ثمة شيء غامض كان أمامه طوال الوقت ولم يلاحظه، وسط انهماكه بالبحث عما يقوله لرنا، وأن كل ما عليه أن يقوله لها هو هذا الشيء، الذي ظهر له في لحظة واحدة، في عينيّ عاملة الفندق تلك. تنفس عميقًا وهو يبتسم، ثم كتب:

"رنا، كنتِ على حق حينما قلتِ أن البقاء في الوطن ليس هو ما يهم. أتعرفين لماذا؟ لأن الوطن ليس مكان. الوطن هو ما يعطي معنى لحياتك. وإن لم تجديه هنا، فلن تجديه في بلجيكا. إن محمود ابن السبعة عشر سنة لا يعرف بعد ماذا سيفعل بحياته، لكنه كان يعرف أن هناك معنىً ما لرميه سيارة المستوطنين تلك بحجر، رغم معرفته بالعواقب. وهو يستيقظ كل صباح ليعدّ الأراجيل، ولا يسأل عن معنى ما يفعله. فهو يعرف على الأقل أن معركته الشخصية، من أجل أن يصنع لنفسه ولأخوته الصغار حياة تستحق العيش، هي جزء من معركة أكبر، قرر أن يكون جزءًا منها في اللحظة التي التقط فيها ذلك الحجر …"

رفع عمر عينيه إلى مكتب الاستقبال، فرأى الموظف وزميلته يتبادلان الحديث. رن هاتفه فأجاب. كانت صديقته الفرنسية تتصل لتسأله إن كان قد وصل لاصطحابها إلى العشاء. فكر عمر لبضعة ثوانٍ وهو ينظر إلى الموظفين يتحدثان عند مكتب الاستقبال، ثم أجاب صديقته الفرنسية: "لقد طرأ أمر ما ولن أستطيع الخروج الليلة. نلتقي صباحًا". وضع عمر الهاتف جانبًا وهو يبتسم، ثم كتب جملته الأخيرة لرنا:

"إن أزماتنا الوجودية يا رنا هي كلها جزء من قضية أسمى وأكبر وأهم منا جميعًا. ضعي ذلك أمام ناظريك، ضعي فلسطين أمامك دومًا، وستجدين معنى لكل شيء. وعندما تقررين العودة، فنحن جميعًا بانتظارك".

نهض عمر وسار إلى مكتب الاستقبال، وبادر بمخاطبة الموظف وزميلته: "أشعر بالجوع، ما رأيكما أن نطلب توصيل الطعام إلى هنا؟