شبكة قدس الإخبارية

عن عودة المختطفين الأربعة

280217_ASH_00 (14)
ساري عرابي

حماس.. حركة افتتحت تاريخها بأسر جنديين، ثمّ ظلّت هذه المسألة مصاحبة لحماس.. يمكن أن نتحدث عن حماس، لا بصفتها الحركة الفلسطينية الوحيدة التي حاولت الإفراج عن الأسرى بفعل مقاوم، ولكنها الحركة الوحيدة التي تتصدر تلك المحاولات بعشرات الخلايا التي تشكّلت لهذا الغرض، حتّى اقتنصت سابقة في تاريخ الصراع مع الاحتلال بصفقة شاليط باعتبارها أول عملية تبادل ناجحة جرت بكامل تفاصيلها من داخل الأرض المحتلة..

والحقّ أننا بحاجة لدراسة بحثية إحصائية حول عدد الخلايا والأفراد من حماس الذين اعتقلوا لهذا السبب؛ لإبراز مركزية هذه القضية لدى حماس وعيًا منعكسًا بكثافة في الواقع.

والآن.. ما تزال حماس تتصدر هذه القضية، بأسرها لعدد من الجنود الإسرائيليين في غزّة.

دلالة هذه الكثافة يمكن اختصارها بوعي الحركة المبكر بكون العنصر البشري هو رأسمالها الخالص الذي به تقاتل وعنه تقاتل، وأن حماية هذا العنصر، وتعزيز صموده لا من أهم أولويات الحركة فحسب، بل هو جوهر أي حركة تحرّر تحترم نفسها، لاسيما وأن الاحتلال يدرك ذلك ويحاول تحطيم صمود الفلسطينيين بواسطة آلة الأسر وأدواتها المتوحّشة.

أذكر سنة 1998، جمعني الأسر بفرد من كتائب القسام، قال بثقة لأحد القادة السياسيين "إخوانا راح يروّحونا".. في صفقة شاليط أفرج عن بعض حملة عشرات المؤبدات الذين لم يمض على اعتقال بعضهم عشر سنوات. لقد كانت كسرًا لإرادة الاحتلال الذي قرّر أن "يتعفنوا" في السجون.

المنظومة العربية المتحالفة مع الاحتلال، تريد للفلسطيني الشيء نفسه، أن يكون ضائعًا، مهدر الكرامة، بلا حقّ، وليس من ورائه مطالب..

رغم كل الاعتبارات السياسية، أجبرت حماس النظام المصري، على الاعتراف باختطافه لمجاهديها الأربعة، ثم الإفراج عنهم.. وهذا لا ينبغي أن يكون سهلاً على نظام يبدو الآن بطريقته في اختطافهم ثم إنكار معرفته بمصيرهم كالعصابات وقطاع الطرق..

لم تجبر حماس النظام المصري على ذلك بقوّة تملكها، سوى أنها لم تكفّ عن مطالبته بأبنائها، ولا شك أن هذه المطالبة أثمرت في وقت ربما بدا للنظام المصري أنه مناسب للإفراج عنهم لسبب ما.. لكنها لو نسيت، وجاملت على حساب أبنائها، ما كان للأمر أن يصل إلى نتيجة مع نظام من هذا النوع..

يمكن تلخيص الحكاية كلّها بكلمة الشيخ أحمد ياسين، رحمه الله، "بدنا أولادنا يروحوا".. كلمة "أولادنا" تفيض بما يغني عن كثير من القول..

لا أقول إنّ حماس فعلت كل ما عليها بخصوص ملف "رأسمالها البشري" سواء في عمومه الذي يشمل كل فلسطيني، أو بخصوص أبنائها حصرًا..

لكن حركة هذا تاريخها، جدير بها أن تستعيد ألقها من هذه الزاوية، وأن تبني عليها، تحتوي أبناءها وتضمد جراحهم، حيثما كانوا وفي أي موقع، ثم تحتمي بهم.