شبكة قدس الإخبارية

أقفال وسلاسل باب الرحمة.. هل ستقود إلى هبة جديدة؟

93
راسم عبيدات

منذ ما يسمى بخراب الهيكل في أواخر تموز من العام الماضي ومن ثم رأس السنة العبرية وعيد العرش اليهودي وما يسمى بأعياد الأنوار والغفران ونزول التوراة من مسلسل غير منتهٍ من تلك الأعياد، كان الصراع يحتدم على هوية المكان للقسم الشرقي من المسجد الأقصى، باب الرحمة المغلق منذ عام 2003، بحجة وجود لجنة التراث والعلوم المتماهية مع حركة حماس على حد زعمهم، وعملية الإغلاق تجدد بشكل تلقائي.

وفي عام 2017، كان هناك قرار محكمة إسرائيلية باستمرار عملية الإغلاق بشكل دائم، صراع أراد الاحتلال منه فرض التقسيم المكاني بالسيطرة على باب الرحمة ومقبرة باب الرحمة التي استولى على قسم منها وحوله إلى مسارات تلمودية وحدائق توراتية، والاقتحامات التي تكثفت في العام الماضي والتي وصلت الى أكثر من 30 ألف عملية اقتحام بمشاركة وزراء وأعضاء كنيست وقادة أمنين وقادة شرطة والإبعادات عن الأقصى والبلدة القديمة والتي وصلت إلى أكثر من 176 عملية إبعاد.

جميعها كانت تؤشر إلى أن الاحتلال يمهد لفرض وقائع جديدة تغيير الوضع القانوني والتاريخي للمسجد الأقصى بفرض التقسيم المكاني فيه، والمسجد الأقصى والتقسيم المكاني له، دخلا في المزاد الانتخابي للأحزاب الصهيونية وصراعها على الحكم، والصراع يحتدم بين أقطاب اليمين الصهيوني بشقيه الديني والعلماني من أجل كسب أكبر قدر ممكن من أصوات اليهود المتدينين، ولذلك شهدنا "تسونامي" من الاقتحامات غير المسبوقة للأقصى، وبما يشمل إدخال أحد أفراد الشرطة لزجاجة خمور إلى قلب المسجد الأقصى، وبما يمسّ بشعور المسلمين ومعتقدهم الديني.

وكذلك قيام المتطرف من الليكود وعضو الكنيست عنه "يهودا غليك"، بآداء لطقوس زواجه في ساحات المسجد الأقصى، ومن ثم تكثفت الحفريات للأنفاق أسفل المسجد الأقصى من أجل ربط تلك الأنفاق مع الأنفاق الموجودة في بلدة سلوان، ومن الواضح بأن الاحتلال يخطط لإقامة مدينة يهودية أسفل المسجد الأقصى، سيعمل على افتتاحها بعد استكمال تلك الحفريات والأنفاق، تحت شعار 3 ألآلاف عام من الوجود اليهودي في المدينة المقدسة.

معركة هوية باب الرحمة أخذت منحنى وتطورًا جديدًا، هذا التطور ترجم من خلال قيام الاحتلال بعد صلاة مجلس الأوقاف الجديد المكون من خليط من شخصيات محسوبة على الأردن والسلطة الفلسطينية بالصلاة في منطقة باب الرحمة، الأمر الذي اعتبرته حكومة الإحتلال خطًا أحمر وردت عليه بوضع قفل وسلسلة حديدية على باب الرحمة من الخارج، وأعقب ذلك سلسلة من الاتصالات السياسية شاركت فيها الحكومة الأردنية وأطراف أخرى بما في ذلك السلطة الفلسطينية.

وكذلك جرى تحرك ميداني وتعبئة ميدانية ودعوات وطنية ودينية وشبابية من أجل الالتفاف حول قضية الأقصى والتعدي عليه، ووقف عملية فرض التقسيم المكاني، حيث قام مجموعة من الشبان المقدسيين بكسر القفل وإزالة السلسلة الحديدية اللتان وضعهما الاحتلال، ومن ثم تراجع الاحتلال خطوة إلى الوراء، خوفاً من فقدان السيطرة على الأوضاع، وبالتالي تدحرج الوضع إلى حالة شبيهة، لما كانت عليه الأوضاع في معركة البوابات الإلكترونية.

ويبدو أن هذه التراجع لعب الدور الميداني عاملاً حاسماً فيه، وكذلك هي الاتصالات السياسية لعبت دوراً في ذلك القرار، ولكن يبدو أن التراجع هاجسه الأساس، هو ما سيتبع ذلك من تطورات من شأنها، أن تلحق الضرر بالتحالف وعملية التطبيع العلنية والمشرعنة التي جرى بناؤها ما بين ما يسمى بـ" الناتو" العربي – الأمريكي ودولة الاحتلال في مؤتمر وارسو، والتي كشفت عن الحجم الهائل والواسع من العلاقات التطبيعية ما بين دولة الاحتلال، ودول النظام الرسمي العربي المنهارة، فأي تطور في قضية الأقصى وفرض إسرائيل للتقسيم المكاني، قد يخلخل أسس تلك العلاقات التطبيعية أو ينسفها، حيث أن ذلك سيضع تلك الأنظمة المنهارة في مأزق جديّ مع الجماهير العربية. وهذا سيفشل صفقة القرن المشاركة فيها مع أمريكا وإسرائيل، لخلق حل إقليمي يتجاوز أصحاب القضية الأساسية الفلسطينيين، وبما يشطب ويصفي قضيتهم.

الأمور تصاعدت بشكل غير مسبوق، حيث تشكلت حالة شعبية ضاغطة على مجلس الأوقاف، بضرورة إستعادة منطقة باب الرحمة، باعتباره جزء من المسجد الأقصى، ويجب أن يستغل من قبل الأوقاف الإسلامية، كمبني يستخدم لأغراض دينية، تعليمية، أبحاث ودراسات وغيرها، وبأنه يجب أن لا يكتفى بإزالة القفل والسلسلة الحديدية التي وضعتها شرطة الإحتلال، وإستبدالها بقفل من قبل الأوقاف الإسلامية، ولذلك شهدنا الثلاثاء قيام شبان ومصلين بأعمار متفاوتة بالصلاة في منطقة باب الرحمة صلاتي المغرب والعشاء، الأمر الذي شعر الاحتلال بأنه قد يفشل مشروعه بالكامل للتقسيم المكاني،ولذلك عمدت قوات وشرطة ومخابرات الاحتلال إلى اقتحام المسجد الأقصى، والإعتداء بشكل وحشي على المصلين والشبان المصلين، حيث جرى اعتقال حوالي عشرين منهم، ناهيك عن الكثير من الإصابات، والتي استدعت نقل اثنين منهم للمشافي بسبب شدة الإصابات.

التطورات الحاصلة في المسجد الأقصى تؤشر إلى أن الاحتلال مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية ماضٍ في مشاريعه ومخططاته بحق الأقصى والقدس، وعمليات التراجع طابعها تكتيكي وليس إستراتيجي، تمليه طبيعة علاقات التطبيعية مع دول النظام الرسمي العربي، ولكن لن يتخلى عن مشروع التقسيم المكاني، حيث جرى جس نبض العديد من الشخصيات المقدسية، حول ماذا سيكون الوضع عليه، لو جرت عملية التقسيم المكاني للأقصى، وكانت الردود قاطعة بأن أي عبث بقضية الأقصى ستشعل المنطقة، وأي قائد فلسطيني أو عربي إو إسلامي يتماهى مع المخطط الإسرائيلي حتماً سيسقط سقوطاً مروعًا أمام الشعب والجماهير.

معركة باب الرحمة ومقبرة باب الرحمة، هل ستمهد لقيام هبة شعبية شاملة، كما حصل في معركة البوابات الإلكترونية في تموز/2017، أم أن عوامل القوة التي كانت متوفرة في معركة البوابات لم تعد قائمة؟ أم أن الطاقة الكامنة في الجماهير وقوة تأثير العامل الديني ستدفع نحو هبة جديدة أوسع وأشمل؟ وخاصة بأن الاحتلال يعتمد نهج وخط وسياسة التصعيد والحلول الأمنية مع المقدسيين خاصة والفلسطينيين عامة، من لا يخضع بالقوة،يخضع بالمزيد منها؟ أسئلة ستجيب عليها طبيعة المواجهة والتطورات القادمة، حيث الحرب على المقدسيين تبلغ ذروتها، في كل المجالات والميادين، ولربما تندفع الأمور نحو الإنفجار الشامل؟