شبكة قدس الإخبارية

تقريرالشاطر حسن.. كبر على هم الحياة وفارقها شهيدًا

52286661_2318561791509893_5935851781840961536_n
دعاء شاهين

غزة – خاص قدس الإخبارية: على غير عادته لم ينم ليله طويلاً وظلّ منتظرًا بزوغ الشمس على مدينته حتى هم مبكرًا لإيقاظ عائلته في يوم إجازته المدرسيّة المعروف عنها الجمعة، فلم يترك أحد وشأنه تارة يداعب شقيقته حديثة الولادة وتارة أخرى يشاكس والدته ويقبلها كي تنهض من فراش نومها.

ولم يتوقف عن ممازحة شقيقاته وظلّ يُسائلهن بين الفينة والأخرى "هل ستبكينني إذا استشهدت؟" حتى أجابته الكبرى أسيل فازعة بعدما عانقته طويلا "حبيبي يا حسن إنت سندي بالحياة وبدونك راح تكون بائسة، إن شاء الله تكبر وتتعلم ونفرح فيك" فأجابها مستشعرا بقلبه بأنها لحظة وداع "أكيد اليوم زفتي وبأوصيكوا افرحولي كثير".

51791371_741305646269036_8831741551412510720_n
 

وخرج ملوحا بيديه لهم في إشارة السلام متجهًا للبحث عن سبيل يوفر وجبة غذاء لعائلته بعدما أخبرته والدته أنها ستحضر لهم طعام العدس فلا بديل غيره في المنزل.

وفي الثامن من شباط الحالي خرج حسن شلبي 14 عاما متوجهًا لمسيرات العودة الكبرى في الجمعة السادسة والأربعين ولم يعد، حتى هزت شقيقته أسيل مشاعر العالم في مقطع الفيديو التي انتشر كالنار في الهشيم بين مواقع التواصل الاجتماعي وهي تردد "قوم يا حسن.. أمانة".

واستشهد شلبي بعدما قنصته رصاص إحدى جنود الاحتلال الإسرائيلي المتمركزين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وعلى طول الحدود الشرقية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة خلال مشاركته في الجمعة الأخيرة لمسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار.

لم يكن فقدان حسن بالأمر السهل بالنسبة لعائلته تاركا خلفه هموم إضافية ترافقهم في مسيرة حياتهم المأساوية، فهو لم يكن طفلهم المدلل بل الشهم الذي حمل على عاتقه تلبية متطلبات عائلته المكونة من ثمانية أفراد، شاقًا مشواره في البحث عن مصدر كسب مبكرًا منذ نعومة أظافره التي كبرت على تحمل ضنك الحياة.

52120188_290504631644011_925468119739138048_n
 

واضطر جاهدًا أن يعمل ويدرس في آن واحد حتى في وقت إجازته الدراسية لم يكن يترك وقته يذهب دون أن يجد فرصة عمل حتى أنه عمل في عدة مجالات منها، بيع الخضروات، العطور، واستثمار المناسبات والأعياد في بيع الأطعمة والمشروبات الموسمية في الأسواق الغزيّة.

وكان يرفض أن يحمل والده عبئًا ثقيلا بعدما انتهى من عقد عمل مؤقت له لمدة ستة شهور، وكانت قد حرمت وزارة التنمية الاجتماعية عائلته من مستحقاتهم المالية، كما فصل والده من إحدى الجمعيات التابعة لحركة حماس التي كان يعمل بها بغزة.

وقبل استشهاده بيومين انتشر له مقطع فيديو وهو يتجول بين أزقة الجمعيات المحلية للبحث عن مصدر رزق يعيل عائلته الفقيرة عله يحميها من شبح الفقر المتغول فيها.

ولم يكن على والدته التي فقدت فلذة كبدها الحديث بسهولة ووسط جموع النساء اللواتي جئن منزله معزيات لها في محاولة للتخفيف عنها كانت تجلس في ركن منزلها الذي طغى عليه الحزن محتضنة صورته التي التقطها معها في صباح آخر جمعة.

وفي صوت أجهش بالبكاء تحدثت قائلة: "لم أشعر يومًا أن حسن طفل فأفعاله وكلامه كان تمدني بالصبر والعزيمة وسط حالة الفقر التي نعيشها وكان دائما يخبرني بأنه لن يتركني وسيبقى بجانبي حتى لا أحتاج أحد فهو يلبي كل ما أطلبه منه وكل يوم كان يستيقظ ويقبل رأسي ويدي حتى أرضى عنه لأنه كان متعلق بي كثيرا".

وأضافت لـ "شبكة قدس": "قبل استشهاده بيومين أخبرني بأن هناك ألم في صدره مكان إصابته وكان تلاحقه الكوابيس والأحلام فلم يهدأ بنومه كثيرا حتى أذهب له وأربت على رأسه عله ينام بهدوء وبشرني أنه سيذهب شهيدًا وطلب مني عدم البكاء عليه بل تذكر أيامه الجميلة معنا".

وأفادت والدته أنها كانت تمنعه أحيانا من الذهاب للمشاركة في مسيرات العودة الكبرى، فكان يقابلها بإصراره على الذهاب لخيم العودة المنصوبة ومشاهدة الفعاليات وسماع القصص عن أرضه آبائه وأجداده الذين هجروا منها عام 1948.

أما شقيقته أسيل فتقول لـ "شبكة قدس" إن حسن كان دائماً يطلب منها استكمال تعليمها الجامعي الذي حرمت منه بعد انتهائي الثانوية العامة، لأنه كان يتمنى أن يصبحوا متعلمين فهو كان يحب المدرسة ومتفوق في دراسته في المرحلة الإعدادية.