شبكة قدس الإخبارية

المنحة القطرية وحصار غزة

091118_ASH_00 (36)
أحمد العاروري

- الحقيقة البديهية أن الكيانات السياسية لا تقدم مساعداتها، حُباً في العمل التطوعي، وقطر من ضمن هؤلاء بطبيعة الحال دولة لها موقعها في هذا الإقليم وأدوارها التي يُمكن لغيري أن يكون أكثر علماً بها وبتفصيلاتها.
-في الاستراتيجيات التي يطرحها جيش الاحتلال الإسرائيلي، حول التعامل خلال الحروب التي يمكن أن تندلع مستقبلاً سواءً في غزة أو لبنان، فهناك أفكار حول الاستفادة من دول كالسعودية في عمليات الإعمار التي تبدأ عادةً ما بعد الحروب، وفي حرب العام 2014 أعلن الاحتلال بوضوح عن "الدور الإيجابي" الذي لعبته السعودية ومصر في حرمان المقاومة من تحقيق مكاسب سياسية توازي أدائها العسكري الممتاز خلال العدوان.
- كل هذا يقودنا لبديهية أخرى، هي أن "هندسة الإقليم" هي أحياناً من تفرض لاعبين إقليمين، "يتم استخدامهم أو استدخالهم في الصراعات" لضمان ضبطها وحرمان "المنافسين" من تحقيق نجاحات أو تحسين فرصهم في المعركة.
- وكمثال بعيد ولكن ربما يُساعد في فهم التعقيدات التي تتسم بها ساحة الصراع الذي نعيشه، هو حافظ الأسد الذي استطاع بكل ما "توفر له من فرص" من سحب البساط مرات عديدة من تحت أرجل قيادة منظمة التحرير، من خلال سياساته في لبنان وأذرعه الطويلة التي لم يتوانى عن استخدامها حتى لو أدى ذلك لمجازر كما حدث في حصار المخيمات وحتى بحق حلفاء حاليين للنظام السوري مثل حزب الله الذي قتل له عناصر برصاص القوات السورية في بداية انطلاقته، وكل ذلك مرده لحرص الأسد على عدم إخراج الورقة اللبنانية من يده والتحكم بها كما يشاء.
- ومن زاوية أخرى، فإنه يجب أن نحاسب أنفسنا كفلسطينيين "جماعات وأحزاب ومقاومة ومجتمع وجاليات والخ"، عن قصورنا أو فشلنا في التعامل مع حصار قطاع غزة وفي خلق تحالفات وازنة لصالحنا أو إحداث اختراقات في الإقليم والعالم على الأقل بمستوى المجتمعات.
-كما أن فشل الفلسطينيين خارج القطاع، لأسباب مختلفة جزء منها نتحمل مسؤوليته، في كسر الحصار عن غزة، فإن حركة حماس لم تتمكن من بناء نموذج يقاوم مخططات الاحتلال للفتك اقتصاياً وإنسانياً واجتماعيا بغزة.

حصار قطاع غزة كأداة لقضم الضفة:

-في الحقيقة فإن في القلب من كل مشاريع الاحتلال، لخنق قطاع غزة، تكون الفكرة الحاضرة هي تكريس الفصل بين القطاع والضفة على طريق ضمها وزيادة الاستيطان فيها وقتل أية فرصة مستقبلية لعلاقات مشتركة بين المنطقتين قد تساهم في خلق مشروع مقاوم.
-قبل الحصار وفر القطاع الخاص في غزة نسبة 54-58% من فرص العمل في المصانع خاصة، حيث كانت تصدر ما يقارب 90% من انتاجها من الملابس إلى الضفة الغربية و76% من الأثاث و20% من المنتوجات الغذائية.
-قرار تحويل السلع من قطاع غزة إلى الضفة الغربية، يتم اتخاذه فقط من ديوان قبل رئيس حكومة الاحتلال، وقد أعلن المسؤولون الصهاينة مراراً أن أحد أهداف الحصار على قطاع غزة ومنع تمرير السلع منها إلى الضفة هو تعزيز الفصل.
-هناك ما يقارب 30% من أهالي غزة لهم أقارب في الضفة الغربية المحتلة، ويحرمهم الاحتلال من التواصل معهم أو زيارتهم.
-إجراءات عزل غزة عن الضفة لم تبدأ مع العام 2007، فمنذ أوائل التسعينات بدأ الاحتلال حرمان أهالي القطاع من الخروج لأراضي عام 1948 والضفة والقدس إلا بتصاريح وفرض إجراءات أخرى عديدة لخنق القطاع ومنع اي اتصال جغرافي أو إنساني بين المكاني، وبالعودة للانتفاضة الأولى فإننا نلاحظ التنسيق العالي بين خلايا المقاومة في الضفة والقطاع، وزيارات قيادات مثل عماد عقل ومحمد الضيف للضفة.
-كل هذا يقودنا لفكرة أن كسر حصار قطاع غزة، هو إعاقة لمشاريع الفصل، بالمقابل فإن تشديده وفرض "إجراءات عقابية" على الفلسطينيين هناك ليس سوى تسهيلاً لهذه المشاريع.

عن غزة التي منعت "التوطين" بدمها:

-في خمسينات القرن الماضي، تكاثرت "مشاريع التوطين" لاستغلال حالة الفقر والضنك التي كان يعيشها اللاجئون في القطاع، لدفعهم للتوجه إلى سيناء وإقامة مدن لهم هناك، وبعد مظاهرات عارمة شهدتها شوارع غزة قادها الشيوعيون والإخوان والبعثيون وغيرهم، سقطت هذه المشاريع.
-في عام 1980 قرر العميد "إسحاق سيجف" إصدار كتاب بعنوان “كيف سيصبح القطاع في عام 2000؟"، فيقول سيجف: “عندما لخصت المواد التي جمعتها، أظلمت عيناني، كانت هناك حاجة لميزانيات لا نهائية من أجل إعادة تأهيل اللاجئين، وإنشاء العيادات الطبية، غزة بدت وكأنها القنبلة الذرية .. كتبت لوزير الدفاع “عيزر فايتسمان”، أنني أقترح أن نهرب من غزة في أسرع وقت ممكن، الأمر الذي اعتبره “رفائيل ايتان” قائد الأركان آنذاك خيانة، حيث أحضرني إلى مكتب رئيس الوزراء “مناحيم بيغن” لاستيضاح الأمر، حينها قال بيغن: “العميد سيجف المحترم، قطاع غزة هو جزء من أرض "إسرائيل"، للأسف لن يتم ضمه إلى الدولة في حياتي، لكن في المستقبل سيتم ضمه".
-في عام 1949 أثناء تلقت دولة الاحتلال عرضاً دولياً أمريكياً لضم غزة ومنح الجنسية الإسرائيلية لسكانها، "إسرائيل" وافقت على "استيعاب اللاجئين وإعادتهم إلى أراضيهم"، وعلى تعويض مصر بمساحة مساوية في النقب الغربي، لكن المصريين رفضوا ذلك.
-لم ُيخرج "إسرائيل" من قلب القطاع سوى دم أبنائها المسفوك وسلاحهم الذي صنعوه، ولدولة الاحتلال سوابق كثيرة في تهجير الناس: من مزارع شبعا وتدمير قراها، وفي الجولان الذي أخرج منه مئات الاف السوريين عنوةً، وفي عدد من قرى الضفة التي تقضم أراضيها بشكل مستمر في سبيل تهجير أهلها.