شبكة قدس الإخبارية

قراءة عسكرية في مؤتمر القسام حول عملية حد السيف

151218_ASH_00 (19)
رامي أبو زبيدة

تبعات فشل عملية خانيونس مازال مستمر لأن هكذا عمل يشمل قدرًا كبيرًا من المعلومات حول العوامل المسبّبة له، لكن الثابت بهذه العملية تحوَّلها من تهديدٍ تكتيكيٍّ إلى مشكلةٍ استراتيجيَّةٍ في ساحة المعركة نتيجة الإِخفاقات الاستخباراتيَّة، والفشل في اتّخاذ القرار، وقلت في حينها ان ما احدثته عملية خانيونس من اخفاق استخباري وميداني، ستسهم في خلق مشاكل خطيرة وزيادة الشك في كل عمل استخباري ذات نطاق واسع، وتشوش على عمليات جمع المعلومات الاستخبارية في غزة نتاج بنك المعلومات التي قد تكون المقاومة حازته ويضعف صفاء الاشارات التي تلتقط وربما تكون الاشارات الصادرة مخادعة وهذا ما أكده القسام اليوم .

استخدمت كتائب القسام في هذه العملية وبشكل فائق مع الكيان الصهيوني مبدأ العقل مقابل القوة المتفوقة، فكانت استخبارات القسام عينها على العدو الصهيوني، تسعى لخرقه ومباغتته وكشف مخططاته وعرقلة ومنع مخططات العدو السرية التي يسعى فيها الى مباغتة المقاومة .

ان معرفة حقيقة العدو او الخصم يجب ان تكون من خلال الاستخبارات ولا تكون عبر اعلامه او دبلوماسيته او حركته الظاهرية الخادعة، مؤتمر القسام اليوم أبرز لنا كيف بات القسام يستخدم القوة الملائمة للمعركة مع العدو ونوعية التجهيز والسلاح والمعدات والوحدات والقيادة والسيطرة وكيف تكون على معرفه كامله وتتجنب المباغتة وتتهيأ بشكل دقيق للمعركة وتحشد جميع الطاقات والامكانيات للمواجهة الاحتلال الاسرائيلي وتضع الشعب على بينه من الامر وكيف يقوم الاعلام المقاوم بتهيئة الشعب وتحضير عقول الناس الى الخطر و الاستعداد التام للمواجهة.

ان فضح وكشف القوات الخاصة الصهيونية وما تبع ذلك من جهد أمني من شانه تقويض الشبكات الإسرائيلية التي كانت تقوم بجمع المعلومات عن المقاومة، ومما لاشك فيه ان خسارة هذا الكنز الاستخباراتي سيجعل من الصعب على إسرائيل التعامل مع ما تعده المقاومة من خطط وجهد عسكري ضدها في الداخل والخارج، وفق ما تكشف عنه في عملية حد السيف من فشل وإخفاق استخباري إسرائيلي، قاد القسام إلى تحقيق إنجازات ونجاحات متعددة على غير صعيد .

الجدير بنظر الاعتبار هنا، أن القسام لم يكتف بالعمل على ضرب مخططات ومحاولات التجنيد والاختراق التي لطالما أجاد العدو الصهيوني هندستها وبرع من خلالها في اختراق ساحات عربية واسلامية عديدة ، لعل ذلك غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي – الاسرائيلي فقد سُجل للقسام نجاحات باهرة في مجال العمل الاستخباري واختراق الجيش الاسرائيلي من الداخل .

استغلت القسام ما توافر لديها بالمعرفة والوعي، والذكاء، والاتزان والانضباط وحسن الأداء، وكل ما من شأنه أن يضع السلوك في دائرة الفعل والتعقل، لا في دائرة الانفعال والتأثر : حيث لا تردد، أو اضطراب، أو صخب إعلامي عابث، أو استعراضات تلفزيونية وكرنفالية، أو فوضى تصريحات وبيانات وهنا نذكر ما تحدث به رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في مهرجان حماس 31 أن "هناك ذخر أمني وفني كبير ومهم بين أيدي مهندسي كتائب القسام، موضحا أنه "سيساهم في فهم وكشف آليات عمل هذه القوات الخاصة الإسرائيلية التي عملت في غزة والضفة ودول عربية وأماكن أخرى". وارجع الحديث بتفاصيل العملية لصاحبة الاختصاص كتائب القسام عبر مؤتمر خاص بذلك .

ان مؤتمر القسام اليوم للحديث عن المعلومات المتعلقة بعملية حد السيف اتت بعد ان تم توضيبها وإعدادها وطبخها، وان الكلمات تم انتقاؤها بدقة، وعناية بالغة، موجهة وذات مغزى، وتتأدى في نهاية المطاف إلى زيادة منسوب الغموض وفعاليته ، وان هذا الغموض لم يأتي من توسل التكتم وعدم البوح، وعدم الافصاح، بل إن التصريح المدروس بعناية قد يفضي إلى غموض بناء أعظم، من شأنه أن يزيد من حال تشوش العدو واضطرابه وبلبلته وحيرته وتخبطه .

وان الامور والمعلومات التي يحجبها القسام ستبقى مفاجآت لزمن الحرب ذلك يعني ان الافصاح المتقن والموجه – كما أريد توظيفه من القسام- لا يندرج في سياق الاستهلاك الكلامي والخطابي والشعاري، ولم توضع في إطار الترف التنظيري والدعائي، وانما هو فن من فنون الحرب التي بات القسام يتقنه باقتدار ولها فيه مآرب عديدة، وينشد غير غاية ووجهة، ليس الردع إلا واحدة منها وكما قال أبو عبيدة: يجب على الاحتلال وأجهزته الأمنية أن تقلق كثيراً لأن الكنز المعلوماتي الذي تحصلنا عليه من القوة الخاصة سيعطينا ميزة استراتيجية على صعيد صراع العقول. إن مثل هذا التصريح الهادف، والافصاح الموزون والمدروس والمعد بعناية ودراية وإتقان يتقصد بها إرسال بعض الاشارات للعدو، لا لشيء إلا لإشغال مخيلته، أو حرف انتباهه وإرباكه، أو اشعال هواجسه ومخاوفه .

مؤتمر القسام بني على اساس عنوانين عريضين هما, مباغتة العدو من خلال كشف نقاط ضعفه واسراره, وكذلك بكشف مخططات العدو بغية افشالها اي بمنعه من مباغتتنا, ولمح للحجم الكبير من المعلومات المؤكدة التي حازتها القسام عن العدو ونواياه مما يمكنها من احباط مخططاته ومن اجل تحديد الوضع والزمان والمكان المناسبين لمباغتته بما لا يتوقعه.

مؤتمر القسام حول عملية حد السيف يمكن تلخيصه بالنقاط التالية :

  • القسام بات يعي مخططات العدو وحيله وما يدبره ضد المقاومة وغيرها ومن ثم السعي لإفشالها .
  • كشف القسام انه بات يقدر نقاط ضعف العدو والاحاطة بكافة المعلومات عن العدو مما يسهِّل التخطيط لاستغفاله ومباغتته والهجوم عليه من حيث لا يحتسب .
  • منع العدو من الوصول الى المعلومات السرية التي تمكنه من التفوق والانتصار .
  • اشار المؤتمر لإمكانية القيام بعمليات سرية مباغتة ضد العدو الغرض منها افشال او تأخير مخططاته عبر توظيف العملاء وتحديد القسام مكافأة مليون دولار مكافئة لأي عميل يتوب ويستدرج قوة صهيونية خاصة لأسرها بغزة.
  • مراقبة مستوى الجاهزية : من الواضح من بنك المعلومات التي باتت تمتلكه القسام انه سيسهم في مراقبة اعمال بناء القوه اللازمة لدى العدو من تدريب وتسليح وتجهيز ومناورات واعلام وخطط وحركة و تصعيد وتحشيد ودعاية وإجراءات ضد المقاومة لأن رصد تلك الإجراءات تتيح معرفة مستوى جهوزية العدو وامكاناته بالقيام بأعمال عدائية ومديات تلك الاعمال.
  • تميزت هذه العملية بالاستخبارات الفنية احد ابرز اذرع الحرب الالكترونية من خلال امتلاك قدرات الكشف والمسح الارضي وخرق منظومات الهدف والتنصت عليه والتشويش وقطع اتصالاته وهذا ما برز في الفيديو الذي بثه القسام
  • استخدام الصمت الاستخباري الايجابي الهجومي, ويتم فيه التعامل بسرية شديدة للغاية مع مصدر هام وخطير يكون فيه بمثابة كنز لا تجوز المغامرة بإتاحة معلومات عنه او عن نتاجاته ، يتيح الصمت الاستخباري للمقاومة ان نعرف ما لذي يبحث عنه العدو من معلومات , الامر الذي يمكنها من صيانته والتغطية عليها وبث معلومات زائفة للعدو عنه، كما له فائدة في ركون العدو الى مصادره وعدم تغييرها باعتبار انها غير مكشوفة وناشطة , وبالتأكيد فان ذلك يؤدي الى النجاح في مراقبة تلك المصادر وكشف تحركاتها , وتسهيل مهمتنا في خداعها بضخ معلومات مزيفة اليها
  • معرفة قدرة العدو على وضع الخطط الاصيلة والبديلة وتنظيم قواته

نتج عن عملية حد السيف استهداف العدو بعدة اشكال واتجاهات سواء كانت اعلامية او استخبارية او عسكرية, ولكل نوع من التهديف اساليبه وغاياته كما يلي :

التهديف الاستخباري : يتم وضع الهدف تحت السيطرة الاستخبارية بزيادة الجهد الاستخباري عليه من خلال مصادر بشرية او فنية وهي المرحلة التي ينتهي فيها العمل على المعلومة الاستخبارية , والانتقال الى مجال الافادة من المعلومة المتحصلة , سواء تتم الافادة من المعلومة لاتخاذ قرارات سياسية او اقتصادية او بكشف التهديدات العسكرية والامنية وغيرها من الفوائد .

التهديف العسكري: يتم توجيه ضربة عسكرية ضد اهداف العدو, او من خلال توقي ضربات العدو او استهداف استعداداته .بعد استكمال العمل الاستخباري التهديفي.

التهديف السياسي: فيتم من خلال إنتاج برامج سياسية لاستهداف موضوع او حاله او ظاهرة والتأثير عليها سلبا او إيجابا ( الانتخابات الاسرائيلية مثالا) , ويدخل في هذا الباب كافة المعلومات التي ينتجها الاستهداف الاستخباري والتي يضعها امام القيادة السياسية .

التهديف الاعلامي: يتم استخدام اساليب الحرب النفسية ضد العدو من خلال حرب الشائعات وتسريب المعلومات على الهدف إلى الإعلام .

المعركة الاخيرة انتهت مع المقاومة على غير ما تشتهي إسرائيل وترجوه، وعلى غير حساباتها ، القراءة الفاحصة لمشهد المواجهة بين العدو والمقاومة إلى أن حالة الردع والاحجام والتعقل التي كبحت الوعي الاسرائيلي، وقيدته، وفرملت اندفاعته، ولجمت نزوعه وجنونه ووحشيته، إنما تأسست بنحو كبير، على جهل العدو بقدرات المقاومة ومخططاتها وتكتيكاتها ونواياها،