شبكة قدس الإخبارية

خطاب نتنياهو دعاية انتخابية أو إعلان حرب ...أم كليهما؟

راسم عبيدات

من الواضح بأن نتنياهو في خطابه أمس استخدم فزاعة الأمن والتهديد الوجودي لدولة الاحتلال ضد خصومه السياسيين من أقطاب اليمين، وقال لهم إنه لا لعب ولا عبث بأمن دولة "إسرائيل"، والأمن فوق السياسة والبحث عن الشعبية، وفي اللحظات الحاسمة والمصيرية لا يجوز الهروب والبحث عن الذات أو المصالح، وفي العمليات العسكرية المستمرة لا يجري تغيير الحكومات، وعلى القوى اليمينية أن تكون على قدر المسؤولية، وأن لا تسمح بتفكك حكومة اليمين، لأن ذلك سيلحق أضراراً كبيرة بدولة "إسرائيل"، مذكراً إياهم بما حصل بعد سقوط حكومات اليمين في عامي 1992 و 1999، حيث السقوط الأول لحكومة اليمين جلب اتفاقية اوسلو الانتقالية أيلول 1993 والسقوط والتفكك الثاني جلب الانتفاضة الثانية،اوالتي سقط فيها أكثر من 1000 قتيل إسرائيلي.

نتنياهو لم ينصاع لرغبة بينت وشاكيد "البيت اليهودي" ،في إسناد حقيبة الجيش لنفتالي بينت زعيم البيت اليهودي، الذي يعلل رغبته في توليها، بأن سيعمل على ترميم قوة وهيبة الردع الإسرائيلي التي تضررت بعد العملية العسكرية الإسرائيلية الفاشلة شرق خانيونس أمام حركة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية الأخرى، حيث كان رد نتنياهو بإسناد حقيبة الجيش له شخصياً، وقال بأنه أفنى عمره في سبيل أمن "إسرائيل"، حيث أصيب هو وقتل أخوه في إطار الدفاع عن أمنها، وهو يعمل ليل نهار من أجل توفير الأمن لسكان الجنوب، ولكل سكان دولة الإحتلال، ولا أحد يزايد عليه في مسألة الأمن فقد خاض الكثير من الحروب والمعارك في سبيل أمن ووجود "الدولة"، وهو يعرف ماذا يفعل ومتى يفعل، ونجح في تغيير الاتفاق النووي الإيراني.

نتنياهو في خطابه، يقول بشكل واضح بأن هناك عملية عسكرية قادمة، وهذه العملية العسكرية، حتماً سيسقط فيها ضحايا، أي بمعنى أن الحرب قادمة، وهو لن يسمح بتضرر قوة الردع الإسرائيلي، وتشكيل خطر وجودي عليها، حيث لمس بأنه بعد تنامي قدرات المقاومة الفلسطينية كماً ونوعاً بعد العملية العسكرية الاستعراضية الفاشلة شرق خانيونس، بأن استمرار مثل هذا الوضع قد يقود إلى أن يصبح قطاع غزة يشكل خطراً وجودياً على دولة الإحتلال، كما هو الحال في الجبهة الشمالية، ولذلك يعلن بشكل واضح بأن الأمور ذاهبة نحو التصعيد العسكري.

وهذا التصعيد العسكري، قد يكون عملية ذات طابع استراتيجي في عمق القطاع، بحيث تدمر القوة العسكرية الاستراتيجية للمقاومة من صواريخ وأسلحة وأنفاق، أو لربما تاخذ شكل اغتيالات كبيرة تطال قادة الفصائل الفلسطينية وقادة أذرعها العسكرية، وأنا أرجح العملية العسكرية على قطاع غزة بواحد من الشكلين، حيث حرية الحركة والعمل العسكري أوسع وأضمن، منها في لبنان وسوريا، وخاصة بعد امتلاك الجيش السوري لوسائل الدفاع الجوي الروسي (اس 300) ، وامتلاك حزب الله أيضاً لأسلحة كاسرة للتوازن، وقادرة أن تغطي كل مساحة فلسطين التاريخية.

نتيناهو الذي دعا في خطابه إلى عدم خلط السياسية بالأمن، هو أيضاً مارس السياسة والدعاية الانتخابية، وقد نجح في تخويف بينت وشاكيد، حيث تراجعا عن تهديداتهم بالاستقالة من الحكومة، والتي ربطوا عدم تنفيذها بمنح بينت لوزارة الجيش، فقد قال بينت في مؤتمره الصحفي الذي عقده ظهر اليوم "إذا كان نتنياهو جادًا في خطابه في التعامل مع القضايا الأمنية، نمنحه الفرصة لذلك، وعليه نزيلُ كافة مطالبنا وسنبقى في الحكومة".

وتابع: "أعتقد بأنني سأدفع ثمنًا سياسيًا في الأيام والأشهر القريبة بسبب ذلك، لكنني أفضل أن ينتصر نتنياهو عليّ سياسيًا على أن ينتصر إسماعيل هنية علينا أمنيًا"،على الرغم بأن بينت وجّه انتقادات قاسية لنتنياهو بعدم إخلاء الخان الأحمر، وعدم هدم منازل العديد من منفذي العمليات ضد أهداف وجنود ومستوطنين صهاينة، وكذلك عدم دعم الجنود والجيش في مواجهة حماس مما أضعف من قوة الردع الإسرائيلية في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية.

نتنياهو ليس من المعارضين لتبكير الانتخابات، ولكنه يريد أن لا تجري تلك الانتخابات في موعد غير ملائم له، وإذا كان من بد لتبكير الانتخابات، فلتكن في شهر آيار من عام/2019 ،حيث هذا الشهر يعج بالمناسبات، التي تمكّن نتنياهو من توجيه العديد من الخطابات ومخاطبة الجمهور الإسرائيلي، مناسبات ما يسمى بذكرى الاستقلال، والمحرقة و"الوردفيجين"، وهو يريد كذلك أن يستبق توصيات الشرطة ضده، صحيفتي "هآرتس" و"معاريف" شبهتا خطاب نتنياهو بخطاب رئيس حكومة بريطانيا الأسبق، وينستون تشرتشل، "الدم والتعب والدموع والعرق"، الذي ألقاه عند توليه منصب رئاسة الحكومة البريطانيّة بعد اندلاع الحرب العالميّة الثانية. نتنياهو رغم كل مسلسل الفضائح المتعلقة بالفساد والرشاوي المتهم بها هو وعائلته، ولكنه ما زال الزعيم الصهيوني الأكثر شعبية، والمتوقع أن يحقق فوزاً ونصراً في أي انتخابات قادمة، والغريب هنا بأن كل تلك المعارك تجري، وهناك غياب كليّ لما يسمى -بالمعسكر الصهيوني- أحزاب الوسط واليسار، فالتنافس على الحكومة ووزارة الجيش ينحصر بين أقطاب اليمين الديني والعلماني، بما يؤشر إلى أن هذا المعسكر الصهيوني الذي نجح في إسقاط حكومات اليمين في أعوام 1992 و 1999 يتجه نحو التفكك والاندثار، ولم يعد له وزن حاسم ومقرر في قضايا الدولة المصيرية.

نتنياهو كان له ما أراد، حيث يستمر في قيادة سفينة اليمين وفق رؤيته وتصوراته، وأقصى ليبرمان، والذي يبدو أنه سقط بالضربة القاضية، فقد قامر بمستقبله السياسي، فهو أراد أن يظهر بأنه أكثر "حربجية" من نتنياهو، وأن أمن "إسرائيل" هاجسه وهمّه، ولكن عدم نحاجه في إدارة وزارة الجيش وتحقيق إنجازات تذكر، عدا عن التهديدات الفارغة، جعلت المجتمع الإسرائيلي قانع، بأنّه استقال خدمة لاعتباراته السياسية الانتخابية الضيقة، ولذلك أطلق النار على قدميه، وأنهى نفسه سياسياً.

بقية أحزاب اليمين من "البيت اليهودي" و"كولانا" و"شاس" ويهوديت هتوراة"، يعرف نتنياهو كيف سيروضها ويعقد الصفقات معها، ولذلك كان خطابه لها التخويفي يحمل في ثناياه الدعاية الانتخابية، وكذلك الحرص العالي على الأمن، وأنّه لا أحد يستطيع أن يزايد عليه في الأمن، والأمن فوق السياسة والبحث عن الشعبية.