شبكة قدس الإخبارية

المحررة العدم.. من زنازين الموت إلى ميادين الحياة

ساري جرادات

الخليل- خاص قُدس الإخبارية: عادت "عبلة" حرّة، تخفي عن أطفالها آثار رصاص الاحتلال، وشظايا إرهابه، غير آبهة لسنوات الأسر ولياليه العجاف، فيما يشغل بالها رفيقات أسرها اللواتي لا زلن يقبعن في سجون الاحتلال، ويخضن خطوات مقاومة من أرواحهن وأجسادهن.

وفي أوّل كلماتها عقب تحررها قبل أيام، أكدت المحررة عبلة العدم أن الأسيرات يرفضن بشكل قاطع الخروج للفورة إلا بعد إسقاط قرار الاحتلال المتعلق بإزالة الكاميرات من ساحة الفورة، كونها تنتهك حرمة وحرية الأسيرات، وتحد من حركتهن وقضاء ما تبقى من حوائجهن الإنسانية والإدارية، بعد قرصنتها وسرقتها على أيدي قوات الاحتلال.

تواري خلف كبريائها العظيم دموعها المذروفة على أخواتها الأسيرات، وبين الكلمة والأخرى ترفع يديها للسماء متذرعة بأن يعجل الله اللقاء بهن في ساحات الحرية الحمراء التي اكتوت برصاصاتها قبل ثلاث أعوام ونصف.

وبالعودة إلى تفاصيل اعتقالها، قالت المحررة عبلة العدم (47 عاماً)، "وصلت صباح 18 أكتوبر 2018، لمنطقة باب الزاوية في مدينة الخليل، التي تضج بالمحال التجارية، لشراء بعض حاجيات منزلي وأطفالي، حتى باغتتني رصاصات الاحتلال، تسكن مختلف أنحاء جسمي".

وأضافت عبلة وهي أم لعشرة أبناء، في حديثها لـ "قدس الإخبارية": "كثرة الألم لا يتعبنا، بل يزيدنا توقداً نحو انتزاع حريتنا، وحرية مسجدنا الإبراهيمي ومقدساتنا، نركب البحر أو نسير في صحاري التيه، لكن عودتنا وحريتنا أكيدة، وواضحة كالشمس".

وانهال جنود الاحتلال على المحررة العدم بعد إصابتها بست رصاصات بالضرب بأعقاب البنادق والركل بالإقدام، مما أدى لإصابتها بكسور بالغة في الفك العلوي والسفلي وكسور من الوجه، فقدت على إثرها حاسة الشم نتيجة كسر أنفها، وتسبب الجنود بنزيف في إذنها اليمنى استمر لمدة شهرين.

وفقدت المحررة العدم عينها  اليمنى، نتيجة إصابة الجانب الأيمن من جمجمتها برصاصة، أدت لعدم مقدرتها على أكل أنواع عديدة من الطعام، مما اضطر الأسيرات إلى هرس أنواع من الخضار وإذابة البسكويت بالحليب لإطعامها، وعملت الأسيرات على مساعدتها في المشي تمهيداً لإعادة العافية لها.

وتعاني العدم من صعوبة بالغة بالمشي، جراء الضرب والركل الوحشي من الجنود على ظهرها، واعتداء قوات نقل الأسرى "النحشون"، عليها أثناء تنقلها بين المحاكم والسجون، وعانت من خلع في كتفها رافقها لمدة أربع شهور، فقدت على إثره مقدرتها على استعمال يدها اليسرى، وتعاني من التهابات وآلام بالبطن، وإمساك بشكل دائم.

ولفتت المحررة العدم إلى أن لحظة استقبال الأسيرات لها في سجن "هشارون" الاحتلالي كانت كافية لوأد الجراح واستلال الأمل والعافية من جفون الاحتلال، الذي يسعى عبر كل وسائله إلى قتل روح التكاتف والتعاون التي تجسدها الأسيرات في تعاملهن فيما بينهن، ليس كأنهن بل إنهن جسد واحد.

وتبين المحررة العدم أن حالة التكاتف وعلو كعب الأسيرات على بطش الاحتلال ناتج من إيمانهن بعدالة قضيتهن، ومقدرة المرأة الفلسطينية على المقاومة، وخوض كافة المعارك على مدار تاريخ ثورة شعبهن، خاصة وأن تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية حافل بمقاومة ونضال النساء على كافة الأصعدة والاتجاهات.

وتشير العدم إلى أن الرعاية الصحية التي تتلقاها الأسيرات في سجون الاحتلال لا ترتقي إلى الحد الأدنى من الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي كفلت حق علاج الأسرى، بل تسعى قوات الاحتلال بكافة أجهزتها إلى قتل الروح المعنوية وإبقاء أجساد الأسرى تئن بالآلام والآهات.

"على كرسي متحرك"، كانت تتنقل الأسيرة لحضور وقائع جلسات محاكمتها، بسبب إصابتها بالرصاص الذي أفقدها الحركة خلال عامها الأول في الأسر، قائلة "لولا وجود الأسيرات ووقوفهن لجانبي لكنت فقدت حياتي، نتيجة عدم مقدرة أطرافي على القيام بمهامها المختلفة".

كما تعتبر العدم أن محاكمة الأسيرات مسرحية صورية، تستند على كيل الاتهامات الباطلة ضد الإنسان الذي يدافع عن أرضه وما تبقى من كرامة أمة، وسط قاعات من الألغام زرعتها أجهزة مخابرات الاحتلال، لتنصب نفسها وكيلاً للعدالة والديمقراطية بحسب مزاعمهم، مضيفة "تجربتي كانت خير دليل على سادية وإرهاب كيان الاحتلال".

والأسيرة المحررة عبلة العدم متزوجة وأم لخمس بنات وخمسة أبناء، من قرية بيت أولا شمال الخليل، تقف اليوم مطالبة المقاومة الفلسطينية بالحفاظ على جنود الاحتلال الأسرى لديها، التي تستطيع إرغام الاحتلال على تحرير الأسيرات والأسرى من سجون الاحتلال، مطالبة بالوحدة الوطنية "الوحدة وإنهاء الانقسام هي السبيل لذلك".