شبكة قدس الإخبارية

بئر أيوب.. تاريخ فلسطيني شطبه الاحتلال

سارة قراعين

سلوان - خاص قدس الإخبارية: "قبل حوالي خمسين سنة كنا كل اثنتين نحمل هالتنكات على روسنا، ونتمشى للبير، وإذا في شب جدع يساعدنا ويرفعلنا المي بالـ"بَكَرة"، وفي طريق الرجعة للبيت نحكي قصص لنوصل".. بهذه العبارة تروي الحاجة نعمات أحمد قراعين "أم عماد"، وهي في الستينات من عمرها، رحلتها من أجل إحضار الماء من بئر أيوب في بلدة سلوان.

وتُوصَف مياه بئر أيوب، التي جدد صلاح الدين الأيوبي عمارتها قبل حوالي 900 عام، بأنها الأعذب، ففي الوقت الذي كانت فيه "عين سلوان" -في الجزء الشمالي من البلدة- مصدراً لمياه ريّ المزروعات والغسيل والسباحة، كانت "بئر أيوب" –في الجزء الجنوبيّ على بُعد حوالي 400م- هي الساقي الأساسي لسلوان وجيرانها في مدينة القدس.

تختلف الروايات الشعبيّة التي تحاول تفسير نسب البئر إلى النبيّ أيوب عليه السلام. منها ما يرى أن النبي أيوب مَرّ من موقع البئر فشرب واغتسل منها عندما كان مريضاً، ونزلت فيه الآية: "اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب"، بينما يقول آخرون إنّها سُمّيت بذلك لشدة صبر أهل البلدة.

ويقول رئيس جمعية سلوان الخيرية الحاج ابراهيم سرحان إن المياه كانت  تتجمع في هذه البئر شتاءً، وإذا فاضت جرت إلى عين تُسمّى عين اللوزة".

وتحدث عن ذلك مجير الدين الحنبلي في كتابه "الأُنس الجليل بتاريخ القدس والخليل": "في كل سنة، عند قوة الشتاء وكثرة الأمطار، يفور الماء منها حتى يصير كالنهر الجاري، ويسيح إلى مسافة بعيدة، ويستمر على هذه الحال عدة أيام كالشهر ونحوه، وهو من العجائب".

يبلغ عمق البئر 38 متراً، كما ذكر في كتاب "تاريخ مصادر المياه في بيت المقدس" لصاحبه بشير بركات ويصف فيه "موسم بئر أيوب"، فيقول أنه ما أن ينتشر خبر "طلوع البئر"، أي فيضان مياهها وجريانها كنهر، حتى يتجمع الناس على ضفتيه يجدفون ماءه، يشربون ويغسلون ملابسهم، ويصطف بائعو الحلوى إلى جانبهم.

وقيل أيضاً أنهم كانوا يشعلون الشموع على حافة النافذة المطلة على البئر، وهو تقليد مستمر حتى اليوم، ولكن بصورة قليلة.

كما كتب المقدسي البشاري في كتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" عنها: "...ويزعمون أن ماء زمزم يزور ماء هذه العين ليلة عرفة"، لكن الأرجح أنه تعبير مجازي، لتعذر الحصول على الدليل الملموس .

انتهى كل ذلك منذ سبعينات القرن الماضي، حين شيد الاحتلال "مضخة" في منطقة "وادي الربابة" لسحب المياه وتجفيفها. يقول الشيخ موسى عودة: "علمنا بذلك عندما بدأنا ملاحظة السّمكة، (أي الترسبات والتربة الحمراء)، في مياه البئر".

وفي الجهة المقابلة للبئر، مغارة يزورها السياح حتى اليوم بعد زيارة المسجد الاقصى للصلاة والاستراحة فيها، يقول الشيخ عودة: "قبل عدة أيام جاءت مجموعة من 60 شخص تقريباً"، كما ذكرها الرحالة المشهور برحلته الى القدس عبد الغني النابلسي (1641-1731) في "الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية"، ووصفها بأنه "يخرج منها ريح بارد شديد البرد، وأنه حطّ فيها الضوء، فرأى المغارة مطوية السقف بحجر، ودخل إلى قريب منها ولم يثبت له الضوء فيها من شدة الريح الذي يخرج منها، وهذه البئر في بطن الوادي والمغارة في بطنها".

ويلاصق البئر من الجهة الاخرى غرفة صغيرة سميت "مسجد بئر أيوب"، توسع بعد الانتفاضتين، الاولى عام 1987، والثانية عام 2000. كما تم ترميمه قبل حوالي 5 سنوات بتمويل تركي، فأصبح بشكله الجديد واسعاً ذا مئذنة عالية.

لم تعد "أم عماد" تزور البئر، وأصبحت قصصها مع قريناتها حكايات تراثية تروى لأحفادهن، احتضنت أسوار المسجد بئر أيوب داخلها، والتفت حولها بيوت سكان البلدة، وبعد تجفيفها، لم يبقَ من البئر اليوم سوى الذكريات.