شبكة قدس الإخبارية

ترامب ومستشفيات القدس

زياد ابحيص

 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قطع التمويل الأمريكي –وقيمته 25 مليون دولار سنوياً- عن مستشفيات القدس، فماذا يعني ذلك؟ وما هو أثره؟.

كانت القدس وما تزال العاصمة الاستشفائية لفلسطين، إذ تتركز فيها أكبر كثافة للمستشفيات والأطباء ولدارسي الطب، ومستشفياتها هي المقدم الأساسي لخدمات الاختصاص: فمعظم تحويلات السرطان تذهب إلى مستشفى المطلع، ومعظم تحويلات الأطفال والقلب تذهب إلى مستشفى المقاصد، وعدد من خدمات العيون تذهب إلى مستشفى سانت جونز للعيون،

وبحلول عام 2013 كان في القدس 7 مستشفيات تضم 563 سريراً مع انطلاق مسار أوسلو، بدأت سلطات الاحتلال تتخذ إجراءات تقويض الوجود الفلسطيني في القدس على كل الجبهات، تمهيداً لإخراجها عن طاولة المفاوضات وتثبيت ضمها، والقطاع الصحي القوي في القدس هو أحد القطاعات المستهدفة بإنهاء استقلاليتها تماماً، وقد سار هذا الإخضاع في الطريق التالي:

1- عدلت السلطات الإسرائيلية قانون "التأمين الوطني" أو الضمان الاجتماعي فأصبح التسجيل فيها إلزامياً "للمقيمين الدائمين"، وهي الحالة القانونية للمقدسيين في نظر قانون الاحتلال، وبات التسجيل في صناديق التأمين الإسرائيلية إلزامياً كذلك، فما دمت ستستفيد من تعويضات نهاية الخدمة أو الضرر في حال إصابات العمل، فلا بد أن نضمن أنك تحصل على رعاية صحية تقلل من حاجتك للتعويضات، هذا المنطق هو الذي فُرض الانتساب لصناديق التأمين الإسرائيلية اعتماداً عليه. بحلول عام 2009 كان نحو 90% من المقدسيين مسجلين في صناديق التأمين الإسرائيية، كما يقول الدكتور عادل مسك في دراسة له حول الموضوع. باختصار بات المريض المقدسي والمستشفى المقدسي لا يستطيعان التعامل معاً إلا عبر صناديق التأمين الإسرائيلية، وباتت تلك المستشفيات مضطرة للتعاقد مع صناديق التأمين الإسرائيلية فباتت تعتمد عليها في قسط كبير من دخلها.

2- مع انطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000 منعت سلطات الاحتلال مرضى قطاع غزة من الوصول إلى مشافي القدس، إلا بتصاريح محدودة جداً. 3- مع بدء بناء الجدار حول القدس عام 2002 بات وصول مرضى الضفة الغربية لمستشفيات القدس مقيداً بالمرور عبر الحواجز، وبات وصول مرضى الضفة الغربية تحت رحمة الجدار.

في المحصلة انخفضت نسبة الإشغال في مستشفيات القدس إلى ما يقارب 40% من طاقتها خلال أعوام 2003 وحتى 2006. حاول عدد من رجالات القدس ومن قادة القطاع الطبي فيها مجابهة هذا التحدي، فطُرحت مع بداية عام 1997 فكرة جمع المستشفيات العربية في القدس في شبكة جودة مشتركة لغايات جمع التمويل ووضع الاستراتيجيات المشتركة، ولعلها كانت من أواخر المشروعات التي أسهم في إطلاقها الراحل فيصل الحسيني، وقد تأسست الشبكة بالفعل في عام 2003.

ضخّ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تمويلاً داعماً لمستشفيات القدس عبر هذه الشبكة، فباتت معتمدة على مصدرين: صناديق التأمين الإسرائيلية، والداعمين الدوليين، بعد أن كانت تعتمد على الإمكانات المالية المباشرة للفلسطينيين عموماً، ولدعم يحصّله كل مستشفى وفق إمكاناته. مع قرار ترامب الحالي فقدت تلك المستشفيات قسطاً مهماً من تمويلها قيمته 25 مليون دولار، وبوجود مستشفيات على حافة الهاوية مثل المقاصد، فإن أثر هذا القطع سيكون مدمراً، ويهدد المستشفيات التي لا تتمكن من إيجاد بدائل بأحد مصيرين: الإغلاق، أو التحول إلى مؤسسات ملحقة بقطاع الاستشفاء الإسرائيلي ومعتمدةً عليه.

هل هناك حل؟ كان الحل من بداية الطريق هو مقاطعة صناديق التأمين الإسرائيلية، وتوفير نظام بديل يسمح للمقدسيين ولمستشفيات القدس بالتعامل المباشر بينهم، ورغم كل النقد لهذا الخيار بأنه غير واقعي، إلا أن بدائله أثبتت أنها مدمرة وكارثية ووصلت إلى الهاوية. بدلاً من أن تكون استجابتنا أن نوجد مصادر تمويل خارجية بديلة، فنصبح مرتهنين للخارج إلى جانب الاحتلال، كان الواجب رفض الارتهان، ومواصلة التمويل المباشر عبر الناس بحلول وأدوات بديلة، وإذا ما أضيفت إلى ذلك تحويلات السلطة الفلسطينية فإنها كفيلة بإبقاء قطاع الاستشفاء المقدسي على قيد الحياة.

تقول وزارة الصحة الفلسطينية إنها تحول أكثر من 51% من تحويلاتها الطبية لمستشفيات القدس، إلا أن الأرقام تقول في الوقت عينه إن الإشغال في تلك المستشفيات لا يزيد عن 53% رغم أنها تضم 563 سريراً فقط، ورغم أن عدد سكان الضفة وغزة بات يقارب 5.2 مليون فلسطيني أحد هذه الأرقام يكذب بالضرورة.

بينما تدفع السلطة الفلسطينية فاتورة باهظة للتحويلات للمستشفيات الإسرائيلية، فإن المستشفيات المقدسية أولى بها، أما الاحتجاج بالجودة فالواجب تحسين الجودة حيثما كان ذلك ممكناً، وعلينا أن نتذكر دائماً في الوقت عينه أننا لا نتسوق في المول، بل المفروض أننا نحاول أن نتحرر.