شبكة قدس الإخبارية

بقارب مكون من 700 عبوة بلاستيكية.. معاذ زايد يبحث عن مصدر رزقه

دعاء شاهين

غزة - خاص قدس الإخبارية: بمحاذاة مجموعة القوارب البحريّة المصفوفة ما بين مهترئة وأخرى صالحة للاستعمال على رمال شاطئ بحر غزة الصفراء جنوبًا، يرسو قارب معاذ زايد المصنع من قارورات بلاستيكيّة في شكل يبدو مدهشًا لكل من يراه.

معاذ (35 عامًا) يتخذ من حرفة الصيد المحفوفة بالمخاطر مهنة له، للتغلب على واقعه المرير رافضًا الاستسلام له والبحث عن مصدر رزقه يوفره لأسرته المكونة من ستة أفراد، فدفعته الحاجة لاختراع قارب نجاة من الفقر بأدوات بسيطة يغلب عليها الطابع المحلي.

فكرة صنع القارب جاءت للصياد بعدما شاهدها بشكل متكرر عبر موقع "يوتيوب"، فقرر أن يحتذي فيها بمدينته المحاصرة وشجعه ذلك أصدقائه من نفس المهن، ولم يعتمد في تكوينه على مواد خشبيّة أو حديديّة بل بلاستكيّة فقط.

معاذ جمع  700 عبوة فارغة، لوح بلاستيكي متين، خيوط صنارة، مواد صمغية للربط بين المعدات، وقبل غضون شهر ونصف، لاقت فكرته النور مبحرًا على متنه بين أمواج البحر الغزيّ دون اكتراث رغم المخاطر التي تحيط فيه، وخاصة من قبل الاحتلال الذي ينتهك حقوق أصحاب هذه المهنة المغمسة بالدم، ولا ينجوا أحد فيهم من نيران زوارقه البحرية المتمركزة  في عرض البحر.

يقول معاذ لـ قدس الإخبارية، "ليس من السهل صناعة قارب من البلاستيك، فالعديد ممن شاهدوا اعتقدوا أنه بسيطًا لمنه في حد ذاته احتاج مني لجهد، تركيز، مهارة، ودقة متناهية فأي خطأ في ربط العبوات بشكل غير متناسب مع الحبال قد يخل باتزان القارب  مما قد يعرضه للغرق بسهولة".

استطاع معاذ من خلال صنعه للقارب أن يضرب -عصفورين بحجر واحد- حيث عمل على إيجاد فرصة عمل له، وبذات الوقت ساهم في التخلص من باقي المواد البلاستيكية عن طريق إعادة تدويرها في أسلوب  هو الأكثر صديقًا للبيئة.

 وأضاف الشاب أنه يذهب للعمل مبحرًا برفقة قاربه حتى مسافة 2 ميل فقط  لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع الواحد، في الوقت التي يكون فيها حركة الأمواج هادئة ما بين الخامسة فجرًا ويعود التاسعة صباحًا محملا بأنواع مختلفة من الأسماك، تشمل" السردينا"، "تاروخونا" وغيرها يبيعها في الأسواق المحلية، محققًا عائدًا ماديّا ما بين 30الى40  شيكل في اليوم الواحد حسب القدرة الشرائية للمواطنين.

وحول أهم ما يميز القارب البلاسكيتي حسب ما وضّح الصيّاد أنه خفيف الوزن يجدف فيه بحرية ولا يحتاج  لبعض المواد الخام التي تدخل في صناعة القوارب الآليّة التي يمنع الاحتلال تورديها لغزة فهو بذلك تجاوز هذه المحنة، إضافة إلى أن تكلفة صنع قاربه بسيطة لم تتعدَ الـ200 شيكل إذا ما قورنت بتكلفة قارب يقاد بماكينة آلية حيث أن كلفة شرائه تزيد عن 2000 دولار، لذلك لا تحتاج مثل هذه القوارب الحصول على ترخيص من قبل  سلطة البحرية في قطاع غزة.

مهنة معاذ مليئة بالعراقيل والصعوبات، فهو لا يستطيع  الصيد في مسافة تزيد عن اثنين ميل رغم أن الاحتلال سمح له بـ6 ميل، خوفًا من تعرضه للاعتقال أو القتل المباشر، أو مصادرة  قاربه البسيط ومعدّاته، ليحاربه في  قوت يومه ويمنعه من ممارسة حرفته التي يهواها.

 منذ بداية الحصار المفروض على قطاع غزة الكثير من مزاولي مهنة الصيد هجروها بفعل مضايقات الاحتلال، وملاحقته لهم في رزقهم بشكل مستمر، كذلك تعرضهم للاعتقال، القتل المباشر، مصادرة  أدوات الصيد، كذلك تقليل مساحات الصيد لأقل من 6 ميل رغم أن المساحة المحددة لهم حسب اتفاقية أوسلو لعام 1990 هي 20 ميل، وشح الوقود وارتفاع أسعارها.

وتعتبر شريحة الصيادين الأكثر فقرًا بين المهن التي ما زالت تصارع من أجل البقاء، وبلغ عددهم نحو 4 آلاف شخص بعدما كانوا أضعاف هذا العدد، يعاني 85% منهم من الفقر المدقع.

وتشير حصيلة توثيق مركز الميزان لحقوق الإنسان، إلى أنه ومنذ عام 2000 وحتى تاريخه، تعرض الصيادون الفلسطينيون إلى (1304) انتهاكات من قبل قوات الاحتلال، كعمليات إطلاق نار في (1213) مرة، قتل خلالها (8) صيادين، وجرح (134) آخرين، واعتقل (667) صياداً. كما استولت تلك القوات على (212) قارباً من قوارب الصيد، وخربت قوارب ومعدات صيد كالشباك وكشافات الإنارة الخاصة بقوارب الصيد في (111) حالة.