شبكة قدس الإخبارية

الأقصى في 2018: كيف نخوض المواجهة؟

زياد ابحيص

ما بين شهر 4 وشهر 10 في كل عام يبدأ موسم التصعيد ضد الأقصى، ضمن استراتيجيةٍ طويلة النفس انطلقت عام 1996 مع حكومة نتنياهو الأولى، يحاول فيها الكيان الصهيوني فرض سيطرته على المسجد بشكلٍ تدريجي مستخدماً ناشطي المعبد كرأس حربةٍ يخوض بها هذا التصعيد. في كل عام تستخدم تلك الجماعات الأعياد اليهودية لترفع سقوف مطالبها تجاه الأقصى، معتمدةً على ثلاثة أعياد مركزية.

الأول هو عيد الفصح اليهودي الذي يتحرك بين نهاية شهر 3 وبداية شهر 4 من كل عامٍ ميلادي، وفي هذا العيد يحاول الصهاينة تثبيت "مكتسبات" العام السابق، والبدء من آخر نقطة انتهت إليها المطالب للبناء عليها، والثاني هو ذكرى "خراب المعبد" التي تتحرك بين شهر 7 و8 من العام الميلادي وغالباً ما تكون هذه المناسبة عنواناً للعدوان الفردي تحت حماية الدولة، وتستخدم في الغالب مناسبة لردع وترهيب المقدسيين وتقييد وصول المصلّين إلى الأقصى، وهي المناسبة التي أُحرق فيها المصلى القبلي، أما الموسم الثالث فهو موسم الأعياد الأطول الذي يبتدئ برأس السنة مروراً بيوم كيبور وعيد العرش، ويتحرك بين شهري 9 و10 من العام الميلادي، ويحاول الصهاينة استغلال طول هذا الموسم للوصول إلى أعلى سقفٍ ممكنٍ من العدوان، وإلى تحقيق القفزات الكبرى في إغلاق المسجد وتقسيمه زمانياً والتدخل في إدارته، وهذا ما يفسر انطلاق الانتفاضات المتتالية في هذا الموسم رداً على العدوان المتعالي تجاهه، فهبة النفق عام 1996 جاءت في شهر 10، وانتفاضة الأقصى 2000 جاءت في شهر 9 وانتفاضة القدس 2015 جاءت في شهر 10.

عمر هذا السلوك اليوم 22 عاماً، ويفترض أنه بات مقروءاً ومدركاً بوضوح، لكن المفترض يبدو مختلفاً عن الواقع. لكي نفهم معنى التصعيد الصهيوني الأخير بذبح القرابين في منطقة القصور الأموية وتعليق بيانات تطالب المسلمين بإخلاء الأقصى يوم الجمعة 30-3، لا بد أن نقرأه ضمن هذه الحركية: استخدام هذه الأعياد الثلاث كرؤوس موجاتٍ للعدوان، ومن يفهم ألف باء فيزياء الحركة يدرك أن مواجهة الموجة تكون دوماً بموجة معاكسة تقابلها وتلغي مفعول ذروتها الصاعدة، وهذا ما علينا فعله اليوم.

لا بد لنا فلسطينياً وعربياً أن نتبنى فعلاً موجياً مقابلاً، مدركين بأن عددنا وعمقنا العربي والإسلامي يسمح لنا بأن نرد بموجاتٍ أكبر وأعلى وأكثر تأثيراً، فعمقنا البشري أكبر، وإجماعنا الوطني على الأقصى أكبر، وقوة القيم والحق التي نستند إليها أكثر رسوخاً وثباتاً، وهذا ما أثبتته موجة باب الأسباط. لقد جاءت هبة باب الأسباط متزامنةً مع الموسم الأوسط من هذه المواسم، وهو ذكرى خراب المعبد، والذي يستخدم عادة للإرهاب ولتقييد حركة المصلين، فجاءت موجة باب الأسباط أكبر وأعلى لتلغي تلك الموجة تماماً، بل ولتلغي مفعول موجاتٍ سابقةٍ لها. لقد حاولت الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 1948 مواجهة تلك الموجات بتشكيل حائط صدّ هو الرباط والمصاطب وقوافل شد الرحال، وأسست من أجل ذلك بنىً مؤسسية وفرغت أفراداً استثنائيين من المقدسيين ومن أهل الأرض المحتلة عام 1948، فتمكنوا فعلاً من صدِّ الكثير من تلك الموجات ووقف تقدمها، ولولا ما قاموا به من مجهود لكانت أجندة التهويد تقدّمت في عدوانها أضعاف ما هي عليه اليوم. أدرك العقل الصهيوني الأمني الدور الذي تقوم به الحركة، ففكك البنية المؤسسية التي ترفد حائط الصد البشري هذا، ولما وجدها تتكيف على هذا المستوى قرر نقل المواجهة إلى مستوى أعلى فباغتها بالحظر التام واعتقال القادة الكاريزميين وتفكيك جميع البنى المؤسسية وحظر إعادة تكوينها، وهو مستوىً من الصدام بات واضحاً اليوم أن الحركة لم تكن مستعدة له فلم تتمكن من التأقلم معه حتى يومنا هذا، وفقد الأقصى بذلك حائط الصد بحلول نهاية عام 2015، وبات منكشفاً كرمزٍ للصراع أمام العدوان الصهيوني، إلى أن جاءت هبة باب الأسباط لتستعيد الدور المجتمعي الجامع، وتنهي الاتكال على حالة الصد وتقدّمَ النموذج الجديد، والأنجع لمواجهة موجات العدوان، وهي موجات الرباط والحماية.

كيف نخوض المواجهة إذن؟ في مقابل كل موجة تصعيد لا بد لموجةٍ بشرية أن تتحرك لنصرة الأقصى، نعم نريد فزعات، نعم نريد فعلاً مؤقتاً في مواجهة ذروة العدوان المؤقتة، نعم الفزعة المؤقتة والهبة العاطفية مؤثرة وناجعة في هذه الحالة، والفزعة ليست كارثة ولا خطيئة، ومن يدين الفزعة إدانة مطلقة يدين أداةً كمن يدين السكين أو الكمبيوتر، وعليه حينها أن يتحسس عقله.

علينا أن نؤسس مواسم للرباط في مواجهة أعياد العدوان، في مقابل عيد الفصح يكون موسم الرباط المحمدي، فمحمد صلى الله عليه وسلم أول من زار الأقصى وزرع فينا حبه، فنفتتح عامنا بموسمه، وبالمضي على نهجه، وفي مواجهة ذكرى خراب المعبد يكون موسم الرباط العمري، وفي مواجهة عيد رأس السنة إلى عيد العرش يكون موسم الرباط الصلاحي. هي مواسم نعيد فيها للبلدة القديمة للقدس بهجتها وحيويتها، نصلي في الأقصى أو في شوارعها أو حتى على أبوابها، نتزاور فيها ونعد أنواعاً خاصةً من الحلويات، نتسامر مع أبنائنا وأطفالنا، نغني لها وننشد أناشيدها، نبتدع لها قصائدها وعاداتها، ولنا في المواسم التي استحدثها صلاح الدين الأيوبي لحماية القدس أسوة وقدوة، فموسم النبي موسى الذي استحدث بموازاة الحج المسيحي في عيد الفصح بقي فاعلاً في ردع من تسول نفسه العدوان، حتى أن أول انتفاضة عرفتها فلسطين في العصر الحديث كانت في هذا الموسم عام 1920، لقد كانت رؤية ثاقبة مدركة لأهمية استدعاء قوة المجتمع بأسره في مواجهة العدوان، فواصل الموسم أداء دوره الحامي كحشدٍ بشري بعد أكثر من 840 عامٍ على تأسيسه.

الكيان الصهيوني يحتمي بكتلة بشرية لا تزيد عن خمسة آلاف هي كتلة ناشطي إقامة المعبد على أنقاض الأقصى، ليتغطى بهم ويمرر عدوانه باسمهم، وهم كتلة معزولة تحظى برضى الدولة والمجتمع عن تطرفها لكنها لا تتوسع، والمشاركة البشرية الصهيونية فيها ضئيلة، وأكبر اقتحامٍ تمكنوا منه مع توفير المواصلات المجانية والحماية التامة من الدولة كان 1,100 مقتحم على مدار يومٍ كامل، وإذا ما توافد حشد بشري كالذي عرفه باب الأسباط يناهز الثلاثين ألفاً، أو إذا ما توافد نصفه أو حتى ثلثه، فلن تجدوا لأتباع تلك الجماعات وجوداً ولا صوتاً، وستفشل تلك الاستراتيجية التي تعتبرهم رأس حربةٍ لها، وستمسي بلا حربةٍ ولا رأس...

مواسم رباطنا هي سلاحنا الأمضى...فهلا حملناه وخضنا معركتنا به؟